أظهر تقرير صندوق النقد الدولي الصادر اليوم بعنوان "الصمود وسط حالة عدم اليقين: هل يستمر؟" أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إضافة إلى أفغانستان وباكستان (MENAP)، وكذلك منطقة القوقاز وآسيا الوسطى (CCA)، واصلت إظهار مرونة لافتة في عام 2025 رغم التوترات الجيوسياسية والضبابية العالمية.
ورغم تزايد حالة عدم اليقين العالمي وتصاعد التوترات الجيوسياسية، يؤكد صندوق النقد الدولي في تقريره الجديد "الآفاق الاقتصادية الإقليمية للشرق الأوسط وآسيا الوسطى – خريف 2025" أن اقتصادات المنطقة أظهرت قدرة استثنائية على الصمود، مدعومةً بسياسات مالية متحفظة، وإصلاحات هيكلية، وانتعاش النشاط في قطاعات النفط والسياحة والزراعة.
ويشير التقرير إلى أن معظم الاقتصادات الإقليمية مرشحة لتسجيل معدلات نمو أعلى خلال عامي 2025 و2026، مع انحسار تدريجي لمعدلات التضخم وتحسن في أوضاع المالية العامة.
دول مجلس التعاون الخليجي تقود الزخم الإقليمي
رفع صندوق النقد توقعاته لنمو اقتصادات مجلس التعاون الخليجي إلى 3.9 بالمئة في 2025، مقابل تقديرات سابقة عند 3 بالمئة. كما توقع أن يصل النمو إلى 4.3 بالمئة في 2026، مدفوعًا بزيادة الإنفاق الاستثماري، توسع القطاعات غير النفطية، وارتفاع تدريجي في إنتاج النفط.
الإمارات والسعودية في الصدارة
الإمارات: عدّل الصندوق توقعاته بالرفع إلى 4.8 بالمئة في 2025، ليتوسع النمو إلى 5 بالمئة في 2026، بدعم من مشاريع التنويع الاقتصادي والقطاع السياحي.
السعودية: رفع التقديرات إلى 4 بالمئة هذا العام من 3 بالمئة في التوقعات السابقة، مع استمرار الإصلاحات الاقتصادية وزيادة إنتاج النفط.
بحسب التقرير، من المتوقع أن يشهد اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي نموًا متسارعًا خلال العامين المقبلين (2026–2027) ليصل بالمتوسط إلى 4.1 بالمئة، مدعومًا بتوسع الإنفاق الاستثماري، ونمو القطاعات غير النفطية، وارتفاع الإنتاج النفطي تدريجيًا. ويُتوقع بعد ذلك أن يتباطأ النمو إلى نحو 3.4 بالمئة على المدى المتوسط مع استقرار إنتاج النفط، في وقت تواصل فيه الاقتصادات الخليجية التركيز على تنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاعات الخدمية والصناعية.
كما خفض الصندوق توقعاته لمتوسط سعر برميل النفط إلى 68.9 دولار في 2025 و65.8 دولار في 2026، مقارنة بمتوسط بلغ نحو 79 دولارًا في 2024، ما يعكس وفرة المعروض وتباطؤ الطلب العالمي.
ويتوقع التقرير أن تواصل دول الخليج تعزيز استثماراتها في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة والبنية التحتية.
مصر تسجل تحسنًا ملحوظًا
توقع الصندوق نمو الاقتصاد المصري في العام المالي الحالي بنسبة 4.5 بالمئة خلال 2025، مستفيدًا من الإصلاحات المالية وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، إلى جانب تحسن قطاع السياحة وزيادة ملحوظة في تحويلات المصريين العاملين في الخارج.
نمو أقوى من المتوقع MENAP
رفع الصندوق توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 3.3 بالمئة و 3.7 بالمئة في عامي 2025 و2026 على التوالي.
ويعكس هذا الارتفاع استمرار التعافي الاقتصادي في معظم دول المنطقة، خاصة المصدّرة للنفط التي استفادت من تسارع وتيرة رفع القيود على إنتاج الخام ضمن تحالف "أوبك+"، لتصل مستويات الإنتاج في المنطقة إلى نحو 25.7 مليون برميل يوميًا، أي أعلى بنحو 400 ألف برميل عن عام 2024.
أما الدول المستوردة للنفط، فقد حققت مكاسب بفضل أسعار الطاقة المنخفضة نسبيًا، واستمرار تدفقات التحويلات المالية من العاملين في الخارج، وازدهار قطاع السياحة، لا سيما في مصر والمغرب وتونس. كما شهدت الأردن والمغرب دعمًا إضافيًا من تحسن الإنتاج الزراعي وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، بينما ساعدت جهود الإصلاح المالي والنقدي في مصر على تعزيز الثقة واحتواء الضغوط التضخمية.
أما منطقة القوقاز وآسيا الوسطى (CCA)، فقد واصل اقتصادها النمو بقوة، حيث رفع الصندوق توقعاته إلى 5.6 بالمئة في 2025، مقارنة بـ 5.5 بالمئة في 2024، وبزيادة 0.7 نقطة مئوية عن تقديرات مايو الماضي.
وتستند هذه التوقعات إلى ارتفاع الإنتاج الهيدروكربوني في كازاخستان، وزيادة الإنفاق العام في أرمينيا وقرغيزستان، إضافةً إلى توسّع الائتمان المحلي القوي الذي حفّز الطلب في جورجيا وأوزبكستان. ومع ذلك، يتوقع الصندوق أن يتباطأ النمو تدريجيًا إلى نحو 4 بالمئة على المدى المتوسط مع عودة النشاط إلى مستوياته الطبيعية بعد سنوات من الانتعاش السريع عقب تداعيات الحرب في أوكرانيا.
تضخم تحت السيطرة في الخليج وارتفاع مؤقت في آسيا الوسطى
على صعيد الأسعار، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبقى التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي منخفضًا ومستقرًا عند 1.7% في 2025 و2% في 2026–2030، مدعومًا بربط العملات بالدولار والسياسات النقدية الحذرة.
أما في الاقتصادات غير الخليجية، فيُتوقع أن يتراجع التضخم تدريجيًا في الدول المستوردة للنفط مثل مصر والأردن والمغرب وتونس بفضل انخفاض أسعار الغذاء والطاقة وتشديد السياسات المالية.
في المقابل، سيشهد إقليم القوقاز وآسيا الوسطى ارتفاعًا مؤقتًا في التضخم خلال عام 2025 بسبب زيادة الطلب المحلي والإصلاحات في تعرفة الكهرباء في بعض الدول مثل قرغيزستان، قبل أن يبدأ بالتراجع في 2026 مع انحسار الضغوط السعرية وتشديد السياسة النقدية.
ويُتوقع أن تسجل إيران أعلى معدل تضخم في المنطقة عند نحو 45 بالمئة بنهاية 2025 نتيجة ضعف العملة واستمرار العقوبات الدولية، بينما تشهد مصر تباطؤًا تدريجيًا في التضخم بعد ذروته في 2024، بفضل تحسن سعر الصرف وتراجع أسعار الطاقة عالميًا.
الفائض يتراجع تدريجيًا
يشير التقرير إلى أن فائض الحساب الجاري في دول مجلس التعاون الخليجي سيتقلص تدريجيًا من 7.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى نحو 3.7 بالمئة بحلول 2030، نتيجة تراجع عائدات النفط وزيادة الواردات المرتبطة بمشروعات التنويع الاقتصادي.
أما في العراق، فيُتوقع تحسن الميزان الخارجي تدريجيًا مع استمرار ضبط أوضاع المالية العامة وزيادة الصادرات النفطية.
بينما ستشهد الجزائر اتساعًا في العجز الجاري على المدى القريب بسبب انخفاض الأسعار العالمية للنفط وتراجع الإنتاج.
في المقابل، يُتوقع أن تتحسن الحسابات الجارية في مصر والأردن مع استمرار نمو الصادرات وازدهار قطاع السياحة، في حين تتجه المغرب وتونس نحو عجز أكبر بسبب ارتفاع الواردات الاستثمارية قبيل تنظيم كأس العالم 2030 وتباطؤ نمو الصادرات.
دعوة إلى بناء الهوامش المالية وتسريع الإصلاحات
ويخلص صندوق النقد إلى أن هذه المرحلة من النمو المرن تمثل فرصة ثمينة لبناء هوامش مالية جديدة، وتعزيز الأطر المؤسسية للسياسات النقدية والمالية، خصوصًا في الاقتصادات التي تراجعت احتياطياتها خلال السنوات الأخيرة.
كما شدد على أن تنويع الاقتصاد وتطوير القطاع الخاص يظلّان الركيزة الأساسية لتعزيز النمو المستدام وخلق فرص العمل، في ظل عالم يشهد تحولات اقتصادية وتكنولوجية سريعة.
الاقتصاد الأميركي
رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي بشكل طفيف إلى 2 بالمئة في 2025، مقابل تقديرات سابقة أقل، في ظل استمرار قوة سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي.
النمو العالمي يتراجع
يتوقع الصندوق أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2 بالمئة خلال العام الجاري، ثم إلى 3.1 بالمئة في العام المقبلk في ظل استمرار الضغوط الجيوسياسية والتوترات التجارية.
كما رجّح تراجع التضخم العالمي إلى 4.2 بالمئة في 2025 و3.7 بالمئة في 2026، مع بقاء الأسعار فوق المستويات المستهدفة في بعض الاقتصادات الكبرى.
المخاطر والتحديات
رغم الأداء القوي، يحذر الصندوق من مخاطر كبيرة، أبرزها:
تشديد الأوضاع المالية العالمية وارتفاع تكاليف الاقتراض.
تجدد التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
صدمات مناخية متكررة قد تؤثر على الإنتاج الزراعي.
في المقابل، تسريع الإصلاحات وحل النزاعات يمكن أن يرفع النمو فوق التوقعات الحالية.
السياسات الموصى بها
يدعو التقرير الحكومات إلى:
بناء هوامش مالية لمواجهة الصدمات.
تعزيز استقلالية البنوك المركزية لضبط التضخم.
تسريع الإصلاحات الهيكلية، خاصة في مجالات التنويع الاقتصادي، تطوير القطاع الخاص، والاستعداد لتبني الذكاء الاصطناعي.
أبرز الأرقام:
النمو العالمي: 3.2 بالمئة في 2025، 3.1 بالمئة في 2026.
الخليج: 3.9 بالمئة في 2025، 4.3 بالمئة في 2026.
الإمارات: 4.8 بالمئة في 2025، 5 بالمئة في 2026.
السعودية: 4 بالمئة في 2025.
الدول المصدّرة للنفط خارج الخليج (مثل الجزائر والعراق وإيران وليبيا): تباطؤ النمو إلى 1.8% في 2025 ثم تعافٍ محدود إلى 2.6% بحلول 2030.
الدول المستوردة للنفط (مثل مصر والأردن والمغرب وتونس): تسارع النمو إلى 3.5% في 2025 و4.1% في 2026 ثم 4.7% بحلول 2030.
مصر: 4.3 بالمئة في 2025.
سعر النفط: 68.9 دولار في 2025، 65.8 دولار في 2026.
التضخم العالمي: 4.2 بالمئة في 2025، 3.7 بالمئة في 2026.