في مرحلة الضبابية السائدة لوضع المنطقة، وانعدام الافق السياسي الواضح الذي تتأثر به، كيف ترى الإدارة الأميركية الوضع اللبناني، وهل لها دور أساسي في التشجيع على سلوك مسار محدد أم لا؟ وكيف تقيّم القراءات اللبنانية للمتغيرات في الدور الأميركي في المرحلة الراهنة؟.
تؤكد أوساط ديبلوماسية بارزة قريبة من الإدارة الأميركية ان الموقف الأميركي للمرحلة الحالية يجب ألا يكون مدعاة خوف أو قلق للبنانيين، ذلك ان التغيير الذي اعتمدته الإدارة الجديدة برئاسة الرئيس باراك أوباما في الأسلوب والمقاربة لقضايا المنطقة والعالم، لم ينسحب تغييراً في الجوهر والأهداف. ومنذ بدء الحوار الأميركي مع طهران ودمشق، عملت الإدارة الاميركية على تطمين لبنان بشكل واضح، ان أي علاقة مع هاتين الجهتين لن تكون على حسابه.
حتى ان أي زيارات الموفدين الأميركيين لدمشق، كانت تتم بعد زيارتهم لبيروت، أو بالتزامن معها، بقصد التطمين، لكن الإدارة الاميركية لا تعرف المدى الحقيقي لإدراك القادة اللبنانيين هذه الثوابت في العلاقة اللبنانية الأميركية وان الحوار مع سوريا لا يعني عدم إكتراث بتلك الثوابت، ولا ان شيئاً جوهرياً قد تغير.
وتشير الأوساط الى ان طبيعة الدور الأميركي في المرحلة الحالية، ليست هي المسؤولة عن التعديلات في مواقف قادة لبنانيين من سوريا، في وقت لم تقلب هي المعادلة، ولم يؤدِ الحوار الأميركي مع دمشق بعد الى مصالحة بين الولايات المتحدة وسوريا. هناك حوار يتخلله تعاون سوري محدود، لكن المصالحة لم تأخذ طريقها الى النجاح بعد. وستستمر الإدارة في الحوار مع سوريا ولكن ليس على حساب لبنان بالتأكيد، وفي كل الأحوال ستتعامل مع الوقائع.
وما يدل على عدم التغيير الأميركي حيال لبنان، انه للمرة الأولى يخصص الكونغرس الأميركي أكبر موازنة للبنان للعام 2010 منذ العام 2006، وتبلغ قيمتها 225 مليون دولار، منها 100 مليون للجيش اللبناني و125 مليوناً مساعدات اقتصادية وتنموية.. يضاف الى ذلك عدم إرسال سفير الى سوريا حتى الآن، وقيام مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان بزيارة دمشق مرتين، فيما زارها الموفد الرئاسي الأميركي الى المنطقة جورج ميتشل، مرة واحدة، بالتزامن مع زيارتهما للبنان، وهي زيارات مدروسة وليست لهاثاً وراء الحوار مع دمشق التي تنتظر منها الادارة الاميركية خطوات جدية.
كذلك، فان لدى الرئيس الأميركي وإدارته سياسة معتمدة هي الحوار مع الأعداء. ولذلك بدأت واشنطن حواراً مع إيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا، وبالتالي لا تغييرات حيال لبنان. وإذا كان قد طرأ على السياسة الأميركية نوع من الاختلاف في الشكل، الا أنه لم يقترب من مضمون السياسة، بحيث التشديد على تطبيق القرارات والمتطلبات الدولية.
والإدارة الأوبامية غير إدارة الرئيس السابق جورج بوش، لا سيما في الأولويات والأجندة، مع الإشارة، الى انه كانت لبوش أولوية للأجندة الديموقراطية، التي أفرزت في لبنان ثورة الأرز الاستقلالية السيادية، وكانت حركة 14 آذار بمثابة مكسب خاص لهذه الأولوية.
ولا يوجد الآن في أجندة أوباما وبرامجه للعالم، أي بند متصل بالديموقراطية، لكن الفحوى السياسية الرديفة جيدة ولم تتغير في هذا المجال. وبالتالي، ما حصل لا علاقة له بلبنان، بل بنظرة أوباما الى المسائل المطروحة في العالم.
كما ان واشنطن التي أطلقت الحوار مع سوريا، تشجع عليه بطبيعة الحال، على اعتبار ان كل الوسائل المتشددة لم تعطِ أي نتيجة، ما يعني ان واشنطن مع تشجيع الحوار اللبناني السوري وحسن العلاقة بين البلدين، لكن يجب ان تكون على أسس محددة وواضحة تحترم سيادة لبنان واستقلاله، وان تحظى هذه العلاقة بالغطاء الدولي والإقليمي والدعم الدولي والداخلي الكافي لذلك. اما ما لا تشجعه الولايات المتحدة فهو استمرار حزب الله في الاحتفاظ بسلاحه، وهذا ملف أساسي ويحتل أولوية لدى الإدارة الاميركية، في الوقت الذي يتغير هذا الواقع. ومثال على ذلك ان عدم قدرة التحقيق الرسمي اللبناني والسلطات الأمنية الشرعية على وضع اليد على التفجير الأخير في الضاحية، كان مصدر قلق لهذه الإدارة، مثلما ان الزيارات التي يقوم بها الوزراء للجنوب وبعض مظاهر السلطة الشرعية في الضاحية هي مصدر ارتياح ودعم منها.
وترى الإدارة ان المساعدات المالية التي تُقدم للجيش، هي لتمكين لبنان من ان يساعد نفسه وقواه الشرعية، وتعزيز أمنه واستقراره. وإذا لم يتمكن من مساعدة نفسه، فإن أكثر من علامة استفهام تطرح.
وفي كل الأحوال، لا تتخلى واشنطن عن لبنان مهما تعددت القراءات السياسية فيه لدورها وثوابتها. وما يهمها هو تقوية الدولة لتستطيع تحمل مسؤولياتها الأمنية والسيادية. لذا يتعامل الأميركيون مع لبنان كدولة مؤسسات، هناك فيها قيمة لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة وللحكومة وللجيش الشرعي، وهي تدعم تعزيز المؤسسات الدستورية والمركزية. حتى الآن لا شيء تغير في المضمون والجوهر، وان اختلف الوضع في الشكل.
وتريد واشنطن تطبيق القرار 1701، وتعتبره أساسياً بالنسبة الى سياستها في لبنان والمنطقة، وذلك بهدف التوصل الى وقف للنار وليس للاعتداءات فحسب، بحيث يمكن في ضوء التوصل الى هذه المرحلة، الانطلاق بالوضع اللبناني الى مسارات أكثر تقدماً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.