8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التحرك الفرنسي لتعبئة الفراغ الأميركي: الإبقاء على السلام حياً والتهدئة إيرانياً

تركز الحركة الفرنسية في اتجاه المنطقة من خلال زيارة الرئيس نيكولا ساركوزي ذات الخصوصية الى المملكة العربية السعودية، وزيارة وزير الخارجية برنار كوشنير الى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، على السعي لتحقيق اختراق إيجابي في المسائل العالقة المتصلة بها، في فترة الركود المخيف التي تجتازها، على أن أيا من الزائرين لن يزور بيروت خلال وجودهما في المنطقة.
وبات واضحاً بالنسبة الى أوساط ديبلوماسية غربية بارزة، أن الحركة الفرنسية تحاول تعبئة الفراغ الذي أوجده استمرار تأخر إعلان الخطة الأميركية للسلام من جراء الرفض الإسرائيلي لوقف الاستيطان، فضلاً عن معالجة مواضيع عدة، في إطار الملف النووي الإيراني والاتجاهات الدولية في هذا الشأن. وبالتالي، ثمة محاولة فرنسية لدفع الأمور الى الأمام، وعدم العودة الى التدهور، حيث يتقاطع الخوف والقلق لدى الأطراف الدوليين من طغيان العنصر الأمني على السياسي الذي لا يزال مجمداً. وهذا الخوف لن يستثنى منه لبنان.
لذلك تسعى فرنسا، استناداً الى الأوساط، الى طرح أفكار في هذه المرحلة لتفعيل أدوار الدول ذات الثقل في المنطقة لتهدئة الوضع، وذلك على خطين، الأول، حيال تفعيل العملية السلمية، وممارسة مزيد من الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويشار الى أن هذا الموقف يأتي بعد توتر العلاقات الفرنسية ـ الإسرائيلية ورفض تل أبيب استقبال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير خلال جولته ما قبل الحالية في المنطقة. وهناك أفكار فرنسية لهذه الغاية، لعل أهمها العمل مع العرب ودمشق خصوصاً على إبقاء البحث في المسارات السلمية قائماً. ويأتي الدور الفرنسي، وسط حرج أميركي من جراء تعثر جهود واشنطن، لكن في الوقت نفسه لا تريد الإدارة الأميركية التنازل. وتبعاً لذلك، يأتي الدور الفرنسي بالتنسيق معها، في محاولة لتمرير أفكار توضع قيد النقاش، لإبقاء العملية السلمية حية. وهذا يتم تارة عبر محاولة دفع الأمور على المسار السوري مع إسرائيل، وطوراً عبر المحاولة على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بالتزامن مع ترتيب البيت الفلسطيني وتدعيم الرئيس محمود عباس، والضغط على إسرائيل للتراجع عن موضوع المستوطنات، فتُبقي باريس على الاستعدادات قائمة لدى الأطراف، من دون أن يعني ذلك التوصل الى استئناف السلام.
والتدخل الفرنسي، يتزامن مع بروز عناصر تعقيد للصراع في المنطقة. وأحد مقوماتها الحديث السوري عن المفهوم الجديد للمقاومة حيث الاحتفاظ بأوراق القوة، والسعي في الوقت نفسه لتطوير القدرات المتنوعة وتنميتها والحصول على مكاسب من جراء الحوار مع الدول. الأمر الذي يؤدي الى توازن جديد في الحرب الباردة الدولية ـ الإقليمية. ومعه يصبح الصراع أكبر ويتحول الى صراع إسلامي ـ إسرائيلي. من هنا تعقيداته، بحيث يبطل صراع قوميات ولمسائل وطنية، بل مشروع ضد مشروع، ويكون لدى مشروع المقاومة الوقت الكافي للانتظار، الذي يتوازى مع تقوية الأوراق التفاوضية.
والثاني على مستوى الملف النووي الإيراني، وتسعى فرنسا لأن تقوم سوريا بدور في تهدئة الموقف، إن لتقريب وجهات النظر الإيرانية مع الطروحات الدولية، أو لإعادة التهدئة السعودية ـ الإيرانية، في ضوء وجود قلق فرنسي وأوروبي من أن يؤدي النزاع على الحدود السعودية مع اليمن الى حرب استنزاف طويلة الأمد. وتتمكن دمشق، بحسب الأوساط، أن تقوم بدور ناقل للرسائل أو القناة، بين الأطراف، التي تتواجه من أجل تعزيز فرص الاستقرار والابتعاد عن التأزيم، كما يمكن للمملكة في ضوء الأفكار الفرنسية لعب دور في الملف النووي الإيراني في اتجاه التهدئة، من جراء دورها المعتدل وغير المتطرف في المنطقة، الأمر الذي يساعد على إيجاد مخارج للأزمات في المنطقة. وتعوّل فرنسا على دور دمشق كناقل نزيه للرسائل بالنسبة الى إيران، ما يمكنها من التأكد من أن دمشق لاعب لا مناص منه في المنطقة، وصحيح أن الضغوط الفرنسية عليها أيام الرئيس جاك شيراك كانت مهمة، إلا أن التركيز الآن على التعامل معها في إطار رزمة سياسية ـ اقتصادية من الأخذ والرد.
كما يمكن لدمشق، بحسب الأفكار الفرنسية، أن تلعب دوراً في المواجهة الدولية مع إيران والتي تأخذ أشكالاً مختلفة، من بينها محاولات تطويق الجماعات القريبة من إيران، إن عبر مواقف مجلس التعاون الخليجي في قضية الحوثيين، أو عبر الاتصالات التي تقوم بها فرنسا مع حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، وحيث لا تستطيع الولايات المتحدة إجراء حوارات معهم بعدما صنّفتهما بأنهما منظمتان إرهابيتان، فضلاً عن الاتصالات من الأجهزة الغربية مع هاتين الجهتين سعياً لتخفيف نفوذ إيران عليهما، ثم تطويق إيران عبر تطويق اللبنانيين القريبين من الحزب في كل من إفريقيا وأخيراً في البرازيل.
ومرحلة التطويق تُعد أحد أهم العناصر في إعداد الملف الإسرائيلي في الحرب على إيران في مرحلة حساسة ودقيقة حتى شباط المقبل، بحيث يكون قد تبيّن نجاح التفاوض مع إيران أو عدمه.
وفي سياق إعداد الملف، يأتي موضوع باخرة فرانكوب، والتفجيرات في الجنوب اللبناني، وإطلاق الصواريخ منه على إسرائيل، وأي ضربة على إيران في شباط، يكون لها بالنسبة الى إسرائيل ما يبررها أمام مجلس الأمن. والضربة ليست منسقة مع واشنطن التي تخشى من مفاجأة إسرائيلية في هذا المجال. وعلى الرغم من المناورات المشتركة بين الجانبين، فإن لا تنسيق حول الضربة حتى الساعة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00