بعد تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، عاد الاهتمام الدولي لمعرفة توجهها وخططها، وفي الوقت نفسه بدأت متابعة دقيقة للوضع اللبناني حيث الحرص على التهدئة والاستقرار. وقد تجلى ذلك في تلقي لبنان رسالتين دوليتين بهذا الخصوص جرى إبلاغهما عبر القنوات الديبلوماسية.
الرسالة الأولى، تقول بضرورة التنبّه لعدم تكرار الحوادث التي حصلت في الجنوب من إطلاق صواريخ وتفجيرات على أنواعها، لأن ذلك ستكون له تداعيات خطيرة على لبنان، وقد تستفيد إسرائيل من هذه الأحداث لتوجيه ضربات ضد لبنان، أو لتعريض أمنه واستقراره للخطر. وطلبت الرسائل التنبه أيضاً بالابتعاد عن أي روابط ممكن أن يسببها تهريب السلاح الى لبنان على غرار المحاذير التي تسببت بها تداعيات سفينة فرانكوب أخيراً. ويأتي التنبيه وسط عدم استبعاد لجوء إسرائيل الى ضربات موضعية على الحدود مع لبنان وعلى الحدود اللبنانية ـ السورية.
إلا أن إسرائيل وبحسب مصادر ديبلوماسية بارزة، تجري حساباتها لناحية أن لبنان سيكون بعد شهر ونصف الشهر عضواً غير دائم في مجلس الأمن، الأمر الذي يشكل عنصراً إيجابياً له، يساعده في تسريع العمل لانعقاد المجلس، إذ أن أي طلب لانعقاد المجلس من دولة عضو فيه لدى تعرضها لأي أخطار وإذا ما وجدت ذلك لازماً، فإن المجلس ملزم بتلبية طلبها.
أما الرسالة الثانية فتفيد بأن كل الجهات تلقت إشارات متنوعة المصدر الدولي بضرورة التهدئة الداخلية، وعلى الحدود مع إسرائيل بحيث يبقى الوضع الجنوبي مضبوطاً. وضرورة أن تنسحب التهدئة على الوضع الحكومي وضمن الحكومة، بحيث تكون المواقف متوازنة، بحيث يضفي الأمر أجواء تريح الناس للمدى المنظور، ذلك أن الانشغال الدولي يتركز حالياً على عملية السلام في الشرق الأوسط والملف النووي الإيراني، وأن التوجهات الإصلاحية للحكومة مفيدة جداً، لأنها تدعم أجواء التهدئة المطلوبة سياسياً واقتصادياً، إذ أنه في ظل التشويش أو الأزمات، لا يمكن للبنان، أن يحصل على التمويل اللازم للإصلاحات، التي تقوم كل الجهات الداخلية بإعداد أوراقها الخاصة بها. ويبدو أن كل الجهات متفاهمة على الإيحاء للتهدئة المطلوبة، التي كانت محور نصيحة مشتركة عربية ـ دولية.
ولعل أسباب التنبيه والنصح، تكمن في تعطيل المسار السياسي لانطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط، على الرغم من كل المحاولات الأميركية. وبالتالي، عندما يتوقف المسار السياسي، يتقدم التخوف من تحرك المسار الأمني. وأي تحرك غير محسوب بدقة أمنياً في المنطقة أو انطلاقاً من لبنان، يؤدي الى انكشاف الوضع الأمني. وأي وضع إقليمي مستجد، يُقلق لأنه قد يؤثر سلباً على الوضع اللبناني، ذلك أن حالة الفراغ الموجودة يمكن أن تسدّها الجهات التي لا تؤيد السلام في المنطقة، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام كل الاحتمالات.
وتبرز الجدية الأميركية في إحداث اختراق في العملية السلمية، بحيث ستبقى المحاولات قائمة على الرغم من الموقف الإسرائيلي الذي لا يزال يعرقلها. وتؤكد المصادر، أن واشنطن ومعها باريس وموسكو والاتحاد الأوروبي يدخلون الآن في مرحلة تدعيم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإعادة تفعيل دوره. وسيواصل الموفد الرئاسي الأميركي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل جولاته في المنطقة وزياراته الى إسرائيل، وهو أمر متفق عليه بين واشنطن وتل أبيب. لكن هذا لا يعني أنه سيحقق نتائج جوهرية أو أن إسرائيل ستسمح له بتحقيقها.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يريد التفاوض من دون شروط مسبقة حتى بالنسبة الى وقف الاستيطان، فلا تزال المشكلة لديه. ولم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما يريد تحديد موعد للاجتماع بنتنياهو خلال وجوده في واشنطن، رداً على عدم تعاونه مع المحاولات الأميركية للسلام. ولأنه كان يدرك سلفاً أن نتنياهو لن يقدم خطوة إيجابية واحدة لإنجاح خطة أوباما.
لكن وبعد مرور وقت حدد له الموعد، إلا أن أي بيان أميركي لم يصدر عن اللقاء الأسبوع الماضي. ورغم ذلك، لن توقف واشنطن جهودها السلمية، ولن تقبل الإدارة الأميركية بالتغاضي عن مسألة الشرق الأوسط كما آلت إليه الأمور أيام الرئيس السابق جورج بوش. ولن تقبل بانفجار للوضع. وليس من مصلحة العرب توقف العملية السلمية، وليس من مصلحة لبنان إلا التنبه في هذه المرحلة لمخاطر أي تحرك أمني أو انعدام للاستقرار الداخلي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.