ما إن أعلنت رسمياً تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري، وبدأت تعد بيانها الوزاري الذي سيرتكز على البيان الوزاري للحكومة السابقة، وتنال ثقة المجلس النيابي على أساسه، تتجه الأنظار الى أدائها الفعلي على مستوى السياستين الداخلية والخارجية. فكيف سيتسم هذا الأداء وينعكس على الوضع الداخلي في ظل الظروف الدولية والإقليمية التي تنتظر الحلول للمشكلات العالقة؟.
تؤكد أوساط ديبلوماسية بارزة في بيروت، ان أهمية وجود حكومة الوحدة الوطنية، بعد تأخر تشكيلها نحو خمسة أشهر منذ الانتخابات النيابية، يكمن في جملة عناصر لعل أبرزها:
تسيير شؤون البلاد عبر استكمال تكوين السلطة بعد الانتخابات، واحترام المرجعيات الدستورية ودورها، ما يسهم في تعزيز مناخ الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، وحيث تتقاطع المواقف الدولية والإقليمية على الإلتزام بهذا المسار في المرحلة الراهنة.
الحكومة برئاسة الحريري ضرورة وواجب وحاجة، في ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية، من تطرف إسرائيلي متجدد، يؤدي الى تعثر العملية السلمية وفشل فرص الحل، الى متابعة الحوار الذي بدأ دولياً مع كل من إيران وسوريا، الى نزاعات المنطقة التي تغلي خصوصاً تداعيات ما يحصل في اليمن. فضلاً عن المراوحة التي تقع فيها المنطقة، نتيجة انتظارها للخطة الأميركية الجديدة، وعدم قدرة الدول المحورية في العالم من أوروبية، وعربية، ودولية، على طرح مشاريع لأنها تحتاج الى الراعي الأميركي لكي تنطلق.
وفي ضوء ذلك، وجود حكومة الوحدة الوطنية يؤكد جاهزية لبنان لمواكبة أي تطور في المنطقة والعالم. إلا ان هذه الجاهزية سيغلب عليها طابع الانتظار على المدى المنظور، لأن الوضع الضبابي الذي يحكم الظروف الخارجية التي تحيط بلبنان، لن يؤدي الى بلورة الطموحات الداخلية وعلى المستوى الخارجي، ما يعني ان الوضع اللبناني لن يشهد تغييرات جوهرية نتيجة ربح منطق على منطق آخر. إذ ان حصول أي تغيير لا يحتاج الى معطيات داخلية فحسب، انما الى حدث إقليمي أو دولي كبير سياسي أو أمني، أو الى تسوية كبرى تنعكس على الوقائع على الارض. ومع استبعاد الأوساط لأي تغيير، فإن الوضع اللبناني في ظل الحكومة الجديدة سيحافظ على توازنه واستقراره بحد معقول، وهذا ما قد توفره الصيغ التي سيتم استنباطها، كإنعكاس وبلورة للقدرة على التوفيق في حكومة واحدة بين أمرين، الأول: نتيجة الانتخابات التي فازت فيها الأكثرية، والشرعية الدولية التي حظيت بها هذه النتائج. والثاني: السلاح والقدرة على استعماله لناحية القرار السياسي، والشعبي حيث الجهوزية للنزول الى الشارع.
وبالتالي، ان صيغ التعايش بين المنطقين، ستُبقي البحث في البلاد على المستوى السياسي، كي لا يعود الى الشارع، ما يوفر حالة من الاستقرار السياسي والأمني، تؤمن حدوداً معقولة من التوازن في إدارة الحكم بإشراف رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
والحدود المعقولة سيتم التحرك في إطارها إذ يؤدي لبنان مهمة في السياستين الداخلية والخارجية بطريقة غير تصادمية مع أي طرف، محاولاً ان يستفيد من كل الفرص الدولية على المستوى الاقتصادي لتعزيز التنمية والقدرات الذاتية، بحيث يتم تمرير المرحلة الضبابية على مستوى العلاقات الدولية الإقليمية بأقل قدر من الخسائر، الى ان يحين موعد اتضاح الصورة في هذا المجال، والاساس في ذلك يعود الى نتيجة الحوار الأميركي الإيراني. وعليه تتضح صورة مسار المفاوضات السلمية، والمصالحة الفلسطينية الداخلية. فلا توافق حتى الآن حول المسائل العالقة بين الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، ولا بوادر لانفجار كبير، ولا هجوم في المدى المنظور من إسرائيل على إيران، ولا ضربة ضدها قبل تحسن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، وهذا ما يجعل التغطية الأميركية لها مفقودة، وقد سعت إسرائيل الى حيازة هذه التغطية ولم تنجح. ولا يزال الرئيس الأميركي باراك أوباما يعطي أولوية الجهد لحل الأزمة الداخلية، ولم يعط كل الزخم على مستوى حل أزمات الخارج، وحتى الآن لا يوجد تقاسم للنفوذ بين واشنطن وطهران لكي تظهر بوادر حسم في المنطقة.
وقصد الرئيس سليمان من إعادة العمل بطاولة الحوار الوطني، بعد تأليف الحكومة مباشرة، الاستمرار في ان تبقى تمتص كل الخلافات التي يمكن ان تظهر مع الممارسة الحكومية، وان تتولى معالجة أي موضوع خلافي لا يمكن حله في مجلس الوزراء، وخصوصاً موضوع السلاح الأمر الذي يساهم في إرساء الاستقرار ثم مواكبة أي تطورات في العلاقات الدولية الإقليمية، لا سيما وانها ستؤثر في مصير هذا الموضوع، وغيره من المواضيع.
وموضوع السلاح ربما يأخذ وقتاً، لذا يستلزم حله عبر الحوار لكي لا يكون موضوعاً تفجيرياً في مجلس الوزراء.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.