لا ينفصل أداء السفير السوري لدى لبنان علي عبدالكريم علي، عن طبيعة التعامل السوري مع الوضع اللبناني. وثمة احتمالات ثلاثة تقف وراء هذا الأداء، الذي يتبع فيه نمطاً محدداً منذ تسلمه مهمته في بيروت قبل نحو خمسة أشهر حتى الآن. وذلك من حيث تفضيل عدم القيام بالزيارات البروتوكولية للتعارف ولتبادل وجهات النظر مع المسؤولين اللبنانيين والقيادات، على غرار ما يقوم به السفراء الآخرون ومن بينهم السفير الإيراني.
والاحتمالات بحسب أوساط ديبلوماسية واسعة الإطلاع هي:
أولاً: إظهار عدم التدخل في الشأن الداخلي اللبناني لا سيما في مرحلة تشكيل الحكومة اللبنانية بالذات. وينسجم هذا المسار بالشكل أيضاً، مع ما تُبلغه دمشق للموفدين العرب والدوليين المهتمين بتسريع تشكيل الحكومة من أنها لا تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، وما تم التفاهم حوله أخيراً في القمة السعودية ـ السورية، من أن تهيئة الأجواء للتشكيل مطلوبة من كل الأفرقاء والتأكيد المشترك على التشكيل وفقاً لقاعدة 15-5-10. وبالتالي هناك احتمال لإظهار عدم التدخل، ولو كان ذلك على حساب الحركة الطبيعية لأي سفير في البلد المعتمد لديه، بالتزامن مع الحوار الدولي مع سوريا حول المطلوب منها، لا سيما في ما يتصل بعدم التدخل في لبنان.
ثانياً: هذا الاحتمال يغوص في المعنى أو المغزى الديبلوماسي ـ السياسي لعدم التحرك في سياق مقابلة كل المسؤولين. وهذا المغزى يأتي تعبيراً غير مباشر عن عدم رضى وكأن إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين ووجود السفارتين حصلا بعد ضغط دولي ولإرضاء الجانب الفرنسي خصوصاً، وإرسال رسائل الى الجانب الاميركي. ما يعني وجود نية بإقامة السفارة وتعيين سفير فقط. مع الإشارة الى أنه من غير الواضح المدى الذي يمكن للسفير اللبناني في دمشق ميشال خوري التحرك ضمنه واستطلاع تفاصيل مهمة لكي يدرجها في تقاريره الى السلطات اللبنانية المختصة. وينطوي المغزى السياسي أيضاً على رغبة بعدم تفعيل دور السفارة والعلاقات الثنائية وفقاً للقواعد والأصول الدولية. وهذا مبني على تعليمات واضحة وليس على قصد من السفير لتحقيق ذلك. كما يعني استمرار دمشق في علاقاتها مع الشخصيات التي حافظت على صداقاتها معها ولن تنسى حلفاءها. وقد ظهر ذلك من خلال زيارات قام بها السفير، لشخصيات حليفة لسوريا. فالعلاقات تتم معالجتها على غير صعيد السفارات، وبالتدخل المباشر مع القوى السياسية، وعبر تحركات للأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري نصري خوري، ليبقى عنوان وسقف العلاقات عبر السفارة عند هذا الحد، من دون أن يكون لها مضمون فعلي.
ثالثاً: ان السفير السوري مُقيّد بدقة الوضع اللبناني ـ السوري، وبالحساسيات التي يحملها موضوع سوريا داخل لبنان، بعد كل الذي حصل ومنذ عقود، لذلك فإن سفيرها مدرك أن مهمته ليست سهلة إطلاقاً. مع أن هناك من يؤيد وجوب المبادرة الى دعوته الى لقاءات من جانب القيادات كافة، لمعرفة ردة الفعل من جهة، ولضرورات التواصل الذي يبقى أفضل من عدم التواصل، من جهة ثانية. والمهمة غير السهلة تكمن في تفكيره بزيارات على سبيل المثال لمعراب أو قريطم، أو حتى المختارة على الرغم من الرسائل الإيجابية التي ترسلها في اتجاه بلاده. أو زيارات لمن يمثلون هذه المرجعيات في وزارات الدولة وإداراتها ومجلسها النيابي. وهذه الحساسية، قد تكون وراء تجنب الظهور، أو إبقائه على معدل منخفض، تلافياً للإحراجات. والتزام هذا المعدل، قد ينم عن مهنية وليس بالضرورة أن يعني العكس.
ومن حيث العرف، فإنه تلقى على عاتق السفراء: تمثيل بلادهم أفضل تمثيل، ورعاية المصالح والمواطنين، وتحسين العلاقات وتطويرها، فإذا كانت غير جيدة يعملون لتحسينها، وإذا كانت جيدة يعملون لتطويرها.
ومن ناحية القانون الدولي، فإن حكومة السفير المعتمد، هي التي تحاسبه على أدائه وليس الدولة المضيفة له، إلا في حالة تقصير بالعمل لناحية استدعائه ولم يحضر، أو خرقه القانون أو تحميله رسالة ولم يبلغها. لكن إذا آثر أن يبقى أداؤه وفق أسلوب ما أو قاعدة ما، فليس للدولة المعتمد فيها مساءلته أو محاسبته. وكيف بالحري إذا جاء سلوكه بناء على طلب بلاده، وإلا لكانت نقلته من مركز عمله، أو طلبت إليه المغادرة. وليس من أمر يفرض على السفير القيام بأي تحرك فرضاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.