يمكن وصف المباحثات التي أجراها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في بيروت أمس، بأنها من أجل توصيل رسالة واضحة حول استمرار الدعم الفرنسي للبنان ولاستقراره، ولاستعجال تشكيل الحكومة، لكي يتمكن لبنان من مواجهة الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة. وكذلك، استطلع كوشنير آفاق زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لاسبانيا، التي ستتسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي بدءاً من أول السنة المقبلة، ويتزامن هذا الموعد مع بدء العضوية غير الدائمة للبنان في مجلس الأمن الدولي، وأهمية التنسيق في ما بينهما حيال القضايا المطروحة كل من موقعه، فضلاً عن كون برشلونة اعتمدت كمقر للأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط، بعدما كان هناك مسعى لبناني لاستضافة المقر.
وأوضحت أوساط ديبلوماسية واسعة الاطلاع على المحادثات اللبنانية ـ الفرنسية أن الدعم الفرنسي للبنان واضح لمجرد زيارة كوشنير، الذي ألغى ثلاث زيارات له في المنطقة تشمل سوريا وغزة واسرائيل، مع ما يحمله الالغاء من مؤشر الى الاستياء الفرنسي من المخاطر المحدقة بالوضع في المنطقة نتيجة مواقف كل من ايران واسرائيل، وما يتقاطع مع المواقف الايراني، من مواقف سورية، قد لا تكون مرتبطة مباشرة بالموضوع اللبناني، انما في فلسطين والعراق، مع انتظار فرنسا الوفاء الكامل بالوعود السورية في قضايا المنطقة.
ومع رسالة الدعم، هناك التحذير الشديد اللهجة الذي عبّر عنه كوشنير خلال اللقاءات من المخاطر التي يتسم بها الوضع الاقليمي، وعدم اطمئنان فرنسا الى الأداء الايراني والاسرائيلي، وتخوفها من مستجداته، وبالتالي، على اللبنانيين، أن يساهموا في ألا تنعكس هذه المخاطر على بلدهم، وذلك عبر تشكيل الحكومة في أسرع وقت. وأشار الى أن العلاقة الفرنسية الايرانية ليست جيدة، على الرغم من الحوار الدولي مع ايران. وفي تصوره ان حزب الله يحتضن اظهار المطالب حيال الحكومة للاستمرار في التعطيل. لذا تعرض فرنسا دورها في تسهيل تأليف الحكومة.
وأُبلغ كوشنير في بيروت، بحسب الاوساط نفسها، ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف سعد الحريري يعالجان عبر اتصالاتهما، القضية الأساسية التي تقف وراء تأخير التشكيل وهي حاجة حزب الله وطهران الى تطمينات حول ما يمكن للبنان أن يطرحه في مجلس الأمن من خلال عضويته غير الدائمة وعلى مدى سنتين في المسائل السياسية. ثم الحاجة الى تطمينات في شأن دور وزارة الاتصالات وأهميته في سياق مقومات المقاومة اللبنانية. وهناك جهد يبذله الرئيسان لهذه الغاية ستظهر نتائجه خلال اليومين المقبلين. وبغض النظر عما اذا كان السبب هذا مبرراً ام لا في مجال تأخير الحكومة، الا انه يشكل المعضلة الرئيسية.
وأبدى كوشنير في وزارة الخارجية، قلق بلاده الشديد حيال استمرار المعوقات أمام تشكيل الحكومة. وطرح تساؤلات حول حقيقة أسباب العرقلة وما اذا كان رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون، يتصرف بمفرده أم بناء على توصيات ودعم من أطراف أخرى يهمها خلفيات محددة ذات أبعاد اقليمية. وكذلك حول ما اذا كان حزب الله يحتضن مطالب عون، لأن التمسك بوزارة دون أخرى مسألة تثير الخوف من مخاطر المطالب. وفي هذا الاطار، فوجئ كوشنير وبلاده بمدى تمسك عون بالوزارات ذات الأهمية المالية، اذ انهما يعرفان عون جيداً ومنذ فترة طويلة، انه لا يأخذ خيارات سياسية انطلاقاً من أسباب مالية شخصية، لذا فإن السؤال، ما هي المصلحة الشخصية لعون في التمسك بوزارات من النوع الذي يتمسك به؟. وفي تصوره ان السبب الأساسي وراء مواقف عون هو احتضان الحزب لها، والجهة الاقليمية التي تقف وراءه.
أما بالنسبة الى الموقف السوري، فتؤكد الأوساط ان كوشنير لا يعتبر ان دمشق وراء العرقلة، خصوصاً انها أظهرت ايجابيات اضافية منذ القمة السعودية السورية، الأمر الذي لا يوجب تدخلاً فرنسياً مع دمشق في هذه المرحلة، طالما انها لا تظهر سلبيات. والدليل مواقف بعض القادة المحسوبين والمقربين جداً من القيادة السورية.
وأوضح كوشنير ان واشنطن منشغلة بإطلاق عملية السلام في المنطقة، وليس هناك ما يطمئن اسرائيلياً. الا ان على لبنان انجاز استحقاقاته السياسية بسرعة حرصاً على الحياة الديموقراطية، بعد الانتخابات النيابية التي يجب أن تترجم نتائجها في موضوع الحكومة. وثمة استحقاقات اقتصادية أمام لبنان على مستوى العلاقات الخارجية، وهي اعادة تفصيل مقررات مؤتمر باريس 3، واتفاقاته في اطار الشراكة مع أوروبا، والدخول في الاتحاد من أجل المتوسط.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.