يشعر المنتمون الى خط العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله وفكره ومرجعيته بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم مع وصول الحال الى ما وصلت اليه بين المسلمين، وما يواجه مسيرة الوحدة الاسلامية من حواجز ومشكلات، وانعكاس التطورات والاحداث في المنطقة على الوضع اللبناني بطريقة سلبية وخصوصا في ما يتصل بالعلاقات الاسلامية ـ الاسلامية.
ويشير هؤلاء وهم يتحدثون عن المخاطر المحدقة بلبنان وبالعلاقة بين السنّة والشيعة فيه، الى حجم الفراغ الذي تركه المرجع الراحل الذي أولى مسألة الوحدة بين المسلمين اهتماماته الكبرى. وكان يشير الى اقرب المقربين اليه بأن كل شيء في الامة وكل ما يعترضها من مشكلات وازمات يمكن تجاوزه والانتصار عليه والخروج من دائرته بطريقة او بأخرى، الا الحالقة... حالقة الدين، وكان يقصد بذلك وقوع أية فتنة بين المسلمين السنّة والشيعة.
ويوضح هؤلاء ان ما تناهى اليه من بعض المصادر في آخر ايام حياته من كلام منسوب الى وزير الخارجية الاميركية الاسبق هنري كيسنجر عندما سئل عن توقعاته حيال صورة الشرق الاوسط في المستقبل المنظور فقال: حرب المئة عام بين السنّة والشيعة، كان يشغل بال المرجع فضل الله كثيرا، ما جعله يضاعف من حركته وعمله لتطويق اية حالة قد تستشعر الخوف منها على العلاقة بين المسلمين. غالبا ما كان يتحدث الى العاملين في المسألة السياسية في لبنان وخصوصا الاحزاب الاسلامية لأن عليهم انتقاء كلماتهم والتزام القاعدة القرآنية في الخطاب السياسي: قل لعبادي يقولوا التي هي احسن .. وكان يحذر من لهيب الكلمات القاسية والجارحة، وانها قد تشعل فتنة نحن في غاية الحاجة الى الهروب منها. وكان يشدد على المسؤولين الكبار ان يوصوا العاملين معهم بعدم الوقوع في شرخ الفتنة من خلال استخدامهم الاساليب والكلمات القاسية في الخطاب.
ويحدثك هؤلاء عن ان المرجع الراحل وفي اواخر ايامه، وكان في اشد حالات الالم في المستشفى، اشار الى احد اولاده ليدنو منه وقال له: لقد انطلقت في كل حياتي في خط حماية الوحدة الاسلامية منذ كنت شابا، فلا تتركوا هذا الخط، ولا تحيدوا عنه وان كثر المغالون والخرافيون ودعاة الفتنة في الامة.
وتعزو المصادر المقربة من العلامة فضل الله القلق الذي يساورهم الى أنه ناشئ في كثير من الاحيان من اسلوب الخطاب الذي يستخدمه الكثيرون في لبنان.، والذي لا ينسجم مع حجم المخاطر المحدقة بالامة العربية والاسلامية، ولا يرصد المخاطر الكبرى الوافدة على البلد الصغير من خلال مشكلات المحيط. وتشير هذه المصادر الى ان الواقع الاسلامي بات مكشوفا امام الخطابات المذهبية المنطلقة من هنا وهناك، يضاف ذلك الى حوادث واهتزازات بدأت تطل برأسها في اكثر من ساحة داخلية.
وترى أن المناسبات الدينية التي ينبغي ان تكون مناسبات لاثارة الوعي الاسلامي كمناسبة عاشوراء والسنة الهجرية الجديدة، باتت الهواجس تتحرك فيها، والجميع يسأل الله الخروج من هذه المناسبات بسلامة وامن للناس وللامة، وبتحسس لأهمية الاستفادة منها في تعزيز الوحدة الاسلامية بدلا من استثارة المشاعر هنا وهناك بشعارات قد يستخدمها البعض بطريقة عفوية ولكنها تأخذ ابعادا اخرى لدى آخرين. فشعار كل ارض كربلاء، كل يوم عاشوراء انطلق ليكون شعار المظلومين ضد الظالمين، وليكون جمهور عاشوراء هو الجمهور الاسلامي كله الساعي الى مواجهة الظلمة في الواقع الاسلامي، لا بل الجمهور الانساني العام، وعليه فينبغي على من يحيي عاشوراء أن يسير في خط الاصلاح في الامة وان يكون الداعي الى الاصلاح لا العكس.. وهكذا الامر بالنسبة الى الشعارات الاخرى كشعار يا لثارات الحسين .. بحيث أن طلب الثأر هو من اعداء الامة، من اسرائيل، ولا يمكن ان يوجه هذا الشعار الى المسلمين بأي حال من الاحوال.
واستطرادا في المسألة نفسها فان الغلو في الخطاب العاشورائي واستدعاء الخرافات لكي تفرض نفسها على المناسبة يمثل خطورة اكبر بحسب المصادر، التي ترى أن العمل لتقويض مسيرة الوحدة الاسلامية والعلاقات بين السنّة والشيعة انما يبدأ في كثير من الاحيان من خلال الخرافات والغلو والروايات غير الصحيحة التي تحاول تكريس انقسام ما في الساحة الاسلامية بدلا من استدعاء القواسم المشتركة التي تجمع المسلمين، وهي التي تربو على التسعين بالمئة بحسب المصادر نفسها.
ولاحظت مصادر مراقبة حرص العاملين والمسؤولين في مكتب المرجع الراحل فضل الله ومؤسساته على توازن الخطاب الاسلامي في عاشوراء، جريا على الاسلوب الذي كرّسه المرجع الراحل، بحيث يصار الى استبعاد الروايات غير الدقيقة وغير الصحيحة وخصوصا في المجلس العاشورائي الذي دعا اليه السيد علي فضل الله في مسجد الامامين الحسنين في حارة حريك، والذي تركزت الخطابات فيه على الاستفادة من مناسبة عاشوراء لتعزيز العلاقات بين السنّة والشيعة.
وكانت هذه المسألة هي فحوى كلمة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في مسجد الامامين الحسنين قبل ايام، والتي كان لها وقع كبير بين المستمعين والحاضرين ومشاهدي قناة الايمان التابعة لمكتب العلامة فضل الله ومؤسساته، والتي حرصت على نقل الكلمة مباشرة الى المشاهدين في العالمين العربي والاسلامي لتأكيد الصورة الوحدوية لعاشوراء والتي انطلقت من لبنان من خلال جهود المرجع فضل الله وغيره من العاملين في الساحة الاسلامية السنية والشيعية.
وختمت المصادر ان المسلمين في لبنان مدعوون الى تعزيز العلاقات في ما بينهم ليس على المستوى القيادي فحسب، بل على مستوى القاعدة. وهذا ما كان يؤكد عليه المرجع فضل الله ليصار الى احياء المناسبات الاسلامية احياء مشتركا، وليكون التواصل ميدانيا وفاعلا، حتى تتحول هذه المناسبات الى محطات للنهوض بالهم الاسلامي العام وتأكيد الانسجام، لا ان يتم التعامل معها من خلال الهواجس والقلق الذي يجعل الناس هنا وهناك تعيش في حالة طوارئ خوفاً من الآتي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.