سنة مرّت على غياب العلامة المجدِّد السيد محمد حسين فضل الله ولا يشعر الكثير ممن عايشوه بفقدانه او فقدان الاتصال بأفكاره التي ميزت التيار الحركي الذي اطلقه على مستوى لبنان والعالم الاسلامي.
يستشهد هؤلاء بكلمة في سجل التعازي يوم رحيل السيد: رحمنا الله وأطال بعمرك. ليقولوا ان السيد لا يزال يعيش على امتداد الساحة الاسلامية والانسانية لأكثر من سبب. اولا، لأن الجديد الذي كان ينتجه بفتاويه وبخوضه غمار التجديد الفكري والفقهي لا يزال في المتناول، وبكلمة اخرى فإن الذين يشار اليهم بالبنان على مستوى المرجعية الاسلامية الشيعية لم يأتوا بأي جديد وذي قيمة منذ ان ارتحل السيد الى الرفيق الاعلى، لا بل يقول احد المقربين مستعينا بتعبير لأمير الشعراء احمد شوقي بأن الآخرين لا يتطلعون الا الى غباره ولا يجدون الهدى الا على مناره. فمنذ غيابه والمراجعات التي تتم في مكتبه تنمّ عن علاقة كبيرة بين الفئات الشعبية والعلمية التي كانت على صلة كبيرة بهذا الموقع، وهي لا تزال تقصد دارته وتعمل بفتاويه وتتواصل مع مكتبه ومع نجله العلامة السيد علي فضل الله، رافضة الانخراط في مسيرة بعيدة من تلك التي رسم خطوطها بدقة السيد الأب، وأرادها ان تستمر قوية صلبة في غيابه.
ثانيا، ان ما طرحه السيد على مستوى العلاقة بالسنّة لا يزال يمثل المنهج الأكثر صوابا، ويتحدث الكثيرون داخل الساحة الشيعية عن ان الفراغ الذي تركه لم يستطع ان يملأه احد في هذا المجال. ويقول هؤلاء ان مقاربة السيد في موضوع الوحدة الاسلامية هي الأصح لأنه اعتبر ان التشيع وجهة نظر في فهم الاسلام وكذلك هو التسنّن. وكان يرى ان من يقر بالإمامة لا يخرج عن دائرة الاسلام الكبيرة، وهو الذي كتب حول امكانية الجمع بين مدرستي الإمامة والخلافة، كما انه رفض الانقياد الى ما يثيره البعض من روايات تتصل بأهل البيت وما يفترضه من اساءة الصحابة لهم. كان يردد امام الجميع ان الصحابة عرفوا بعد وفاة الرسول كيف يديرون خلافاتهم. وعملوا لكي يبقى الاسلام قوياً وحيّاً في نفوس المسلمين، فلماذا لا نسير على منهجهم؟ ولماذا يعتبر البعض انه ملكي اكثر من الملك في مسألة الدفاع عن حقوق هذا المذهب او ذاك؟ ولطالما كان يردد الآية الكريمة: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.
لقد استطاع السيد فضل الله ان يحظى باحترام كبير داخل الساحة الاسلامية السنيّة حتى عندما كان يختلف مع بعض علمائها في تقويم الامور ذات الطابع السياسي وغيره، وليس أدلّ على ذلك من ان الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أجاز الأخذ بفتاوي السيد فضل الله وصرح بذلك في صفحته على الانترنت.
كما ان المقربين من المرجع الراحل يحدثونك باحترام شديد للأزهر وللإمام الاكبر الدكتور احمد الطيب الذي اصدر بيانا نعى فيه السيد فضل الله ، حيث كان لهذا البيان وقعه الكبير داخل الساحة الاسلامية الشيعية بالنظر الى اهميته الكبرى ولكونه يصدر عن اعلى مرجعية سنية أبّنت ونعت مرجعية شيعية في سابقة يحسب الكثيرون حساباتها الوحدوية المهمة، ويقول هؤلاء المقربون ان نعي الازهر اثّر فيهم اكثر من نعي المرجعيات الشيعية له، إذ كانت العاطفة كبيرة وواضحة فيه بينما خضعت للحسابات في نعي الكثير من تلك المرجعيات.
ثالثا- في المقاربة اللبنانية لنهج السيد، كان يرى انه علينا احترام الآخرين في توجهاتهم الدينية والسياسية وفق القاعدة التي أرساها وكان يردّدها دائما إذا كان من حقي ان أختلف معك، فلماذا لا يكون من حقك ان تختلف معي؟. وهي القاعدة التي أرادها ان تحكم علاقة المسلمين بالمسيحيين وعلاقة المسلمين بمذاهبهم المختلفة مع بعضهم البعض، كما ارادها ان تتحرك الى كل المستويات السياسية والدينية لانه كان يردد دائما فلنرحم بعضنا بعضا في ما نعتقده، ولنرحم ظروف الآخرين في ما كوّنوه من افكار ومعتقدات.
لقد كان السيد يتطلع الى وحدة اللبنانيين باعتبارها موقعا اساسيا من مواقع مقاومة العدو الاسرائيلي ومواجهة مخططاته التفتيتية. لذلك كان يرفض اساليب التخوين التي يطلقها هذا الفريق على الفريق الآخر او العكس. وكان يسرّ لأقرب المقربين بأنه لا يخاف من شيء الا من الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة لانها الحلقة التي تقود الى الفشل وذهاب الريح وضعف الساحة الاسلامية وتآكلها. كان يقول ان الوحدة الاسلامية هي الخيار الذي لا خيار بعده لان اي خيار آخر يعني الدمار والانهيار.
رحم الله السيد فضل الله، فقد كان نموذجا وحدويا تفتقده الساحة الوطنية والاسلامية والعربية، وهو مستمر بفكره وبكتبه التي تربو على المئتين، وبمؤسساته، وبحاملي فكره، الذين يواصلون العمل بنهجه، وعلى رأسهم نجله السيد علي فضل الله.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.