8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لحظات السيد الأخيرة ... والولادة الجديدة

نحن أمة تقدس الأموات، هذا ما قاله العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، ولربما كان يلمّح في هذه الكلمات الى ان الأمة سوف تعرف قيمته وقدره عند الرحيل.
غاب السيد فضل الله وسط تساؤلات كثيرة، واحد يتحدث عن حجم الفراغ، وآخر يحدق في حجم التشييع والاحتضان الكبير من الناس وخصوصا الفقراء الذين عاشوا معه في مسجده ونهلوا من فكره ومواقفه في المناسبات الصعبة والظروف الدقيقة.
رحل فقيه الشعراء وشاعر الفقهاء والجميع يسأل عن السبب في هذه العاطفة الكبيرة التي نالها الرجل بعد موته فيما كان موضعا للسهام التي حاولت ان تنال منه وتشوه صورته وتغتال شخصه وشخصيته، خصوصا عندما تصدى للمرجعية.
يقول المقربون ان السيد ولد ولادة ثانية يوم مماته، ويؤكدون أن حجم الاحتضان الذي انهال عليه في يوم التشييع كان بمثابة الرسالة التي انطلقت في كل الاتجاهات لتؤشر الى ان السيد فضل الله كمشروع وكمؤسسة باق لا بل ان المعطيات تشير الى ان زخم هذه الشخصية ووهجها قد يتسعان في المراحل اللاحقة خصوصا ان الذين حاربوه لشخصه وحاولوا إحاطة مرجعيته بالضباب، وجدوا ان الجسم اصبح في موقع بعيد وان كانت الشخصية على مستوى الفكر والاداء والفتوى والاحكام لا تزال حاضرة في وعي الاجيال التي تسأل الكثير من افرادها فيحدثونك ببداهة سريعة بأنه لا مجال لاختيار اي شخص غير السيد للتقليد.
ويروي مقرب رافق السيد منذ اواخر السبعينيات حتى وفاته، انه في الليلة التي توعك فيها كثيرا، طلب من ابنه ابراهيم ان يتصل بوالدته ليطمئن اليها والى صحتها ووضعها، وكان السيد في وضع جيد، اذ شخص الاطباء انه سيخرج من المستشفى في اليوم التالي، فتحدث السيد مع عائلته واطمأن الى صحتها، وقال له ابراهيم والسماعة في يد السيد: بشِّر الوالدة انك ستخرج غدا صباحا من المستشفى، ولكن السيد رفض ذلك، وعندما وضع السماعة نظر الى نجله ابراهيم قائلا: ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله. فكانت هذه الآية الجواب بمثابة رسالة واضحة المعالم الى كل من يجالس السيد بأنه يتنبأ بوضع صحي صعب، وما مرت الا ثلاث ساعات حتى تدهور وضع السيد بشكل دراماتيكي صعب، وعندما استفاق من هذا الوضع سأل ولده جعفر هل حان موعد صلاة الفجر، فرد جعفر بعد ساعة من الآن، عندها صلى السيد بعض النوافل وتمتم ثم دخل في وضع صعب بعد الصلاة، وعلت وجهه ابتسامة كبيرة فقال: الله اكبر ثم تمتم بكلمات اخرى لم يستطع الجالسون فهمها، ثم قال الله اكبر ثانية وتمتم بكلمات اخرى ليدخل بعدها في وضع صحي حرج وتستمر المعاناة حتى صبيحة يوم الاحد حوالي التاسعة والنصف صباحا عندما اسلم الروح الى بارئها، بعدما كان أوصى بوصايا عدة تتصل بوحدة المسلمين وبالمسجد وبالمؤسسات والايتام وبفلسطين وقضايا الامة ومسألة الدفاع عن الاسلام وغيرها من الامور التي يقول العارفون ان السيد كان يتكلم فيها بلسان المستقبل لتفتح للاجيال الجديدة نافذة على العصر وهو الذي كان يصرّ دائما على ان من واجب الداعية ان يتحلى بمعرفة العصر وبكيفية التعاطي معه.
رحل السيد الذي حاول البعض ان ينال منه، فيما حدث شبه اجماع في الساحة الاسلامية على أنه العالم الذي يحظى باحترام ومحبة شديدين وكان يتطلع الجميع اليه ثقافة وحدوية وكبرى يمكنها ان تقفل الابواب وتوصد النوافذ بوجه كل محاولات زرع الفتنة بين المسلمين.
بقي ان نشير الى ان بيان النعي المهم الذي اصدره الازهر الشريف، وهو البيان الذي اعتبره المقربون من السيد انه قد يكون فريدا في نعي مرجعية سنية كبرى لمرجعية شيعية بحجم السيد فضل الله، انما يؤشر الى ان الجميع بات يعلم بأن خسارة عالم بهذا الحجم تقتضي ان يضاعف الجميع الجهود للتأسيس لمرجعية اسلامية وحدوية تعمل على إخراج الامة من حال الانقسام الى حال الوحدة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00