تحشد الهيئات الاقتصادية قواها اليوم في البيال، لإطلاق صرخة جديدة، يقال عنها إنها صرخة الرمق الأخير، بعد بلوغ المعطيات والمؤشرات الاقتصادية حداً متدهوراً غير مسبوق، في ظل مشهد محلي وإقليمي قاتم.
فالهيئات التي لم تترك وسيلة خلال السنتين الماضيتين، إلا واستنفدتها لإيصال صوتها ووجعها الى المعنيين خصوصاً الى من هم في سدة الحكم، من دون أن يعطي ذلك أي نتيجة، تجد نفسها اليوم أمام خيارين: أما الرضوخ للأمر الواقع والتسليم بما هو آت من خراب وانهيار اقتصادي وانفجار اجتماعي، أو إطلاق هذا النداء، لتقول للمعنيين: اللهم إني بلغت، تمسكاً بالقيام بدورها حتى النهاية، رغم كل المعطيات غير المشجعة.
القراءات التي أجراها معظم أعضاء الهيئات في الفترة الأخيرة حول الوضعين الاقتصادي والمالي، لم تكن غير مشجعة فقط، بل أظهرت أن الاقتصاد الوطني في رمته أدخل العناية الفائقة، خصوصاً وأن التدهور لم يبق محصوراً في قطاع أو قطاعين أو ثلاثة، إنما أصاب كل القطاعات في الصميم.
لكن ما يثير الغرابة والتساؤل، هو هذه اللامبالاة المدوية من قبل القوى السياسية المتحكمة بالبلد والرابضة على قلب السلطة، التي تستمر في ممارسة دورها السياسي خدمة لأجندات خارجية، وهي تعلم علم اليقين أثر ذلك المدمر في كيان الدولة، خصوصاً على المستوى الاقتصادي.
هذا الأمر، الذي لم يكن يوماً سراً، بات يظهر بقوة من خلال الكثير من المظاهر، المتمثلة: بوضع الدولة وماليتها وعودة ارتفاع نسبة الدين العام على الناتج المحلي من 134 في المئة الى 140 في المئة، وانخفاض معدل النمو من 9 في المئة في عهد حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة الى أقل من 1،5 في المئة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والتراجعات الكبيرة المسجلة في الحركتين السياحية والتجارية والبيوعات العقارية وأداء القطاع الصناعي، وارتفاع وتيرة إقفال المؤسسات الخاصة على أنواعها وغير ذلك. فيما القطاع الزراعي يترنح تحت وطأة صعوبة تصدير منتجاته بفعل انقطاع طرق التصدير البرية بسبب الحرب الدائرة في سوريا ما يهدد لقمة عيش آلاف المزارعين، فضلاً عن ترهل البنى التحتية والخدمات على اختلافها.
ويمكن إعطاء مثلين موجعين في هذا السياق، الأول اقفال مصنع تشكلس في لبنان ونقله الى بلد عربي، والثاني، انخفاض عدد أسطول شركات تأجير السيارات في لبنان من 15 ألف سيارة الى 13 ألفاً.
أما، الأخطر من كل ذلك هو تفاقم الوضع الاجتماعي، ازدياد حالات الصرف من العمل وارتفاع معدلات البطالة الى مستويات غير مسبوقة.
وقد نقل بعض زوار وزير العمل سليم جريصاتي، هول الأخير من الطلبات الكثيرة المقدمة اليه من كبريات الشركات اللبنانية التي تطلب فيها تسريح عمال لديها.
كما أن لجوء المؤسسات الخاصة في الآونة الأخيرة الى إحلال العمالة السورية من اللاجئين مكان اليد العاملة اللبنانية للتخفيف من الأعباء في محاولة منها للصمود قدر الإمكان، يشكل أيضاً عاملاً إضافياً محركاً لانفجار اجتماعي لا تحمد عقباه.
كأنه لم يكف المتحكمين بالبلاد ورقاب العباد كل هذه الأمور، لكي يتقوا الله. فحتى قرار مجلس التعاون الخليجي بالطلب الى رعايا الدول الخليجية بعدم المجيء الى لبنان، وما يعني ذلك من تبخر موسم الصيف الذي يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد ومعيشة ثلث الشعب اللبناني، قد مر أيضاً على مسامعهم مرور الكرام.
البلد بلا حكومة، ومؤسسات الدولة في ثبات عميق، فيما الكثير منها مهدد بالفراغ، بعبارة صريحة: البلد على كف عفريت، ورغم ذلك يتمسك اصحاب القلوب السود بدورهم التعطيلي حتى الرمق الأخير، ضاربين عرض الحائط بالدستور والأعراف ومصالح البلد والناس.
إذاً، لم يبق إلا المجتمع المدني، الذي يعطي كل مرة صورة مشرقة وحضارية عن لبنان الجميل لبنان السياحة والثقافة والاقتصاد والعيش والحياة.
والهيئات في تحركها اليوم تمثل هذا النبض، الذي أثبت نجاحه وإنجازاته في الماضي والحاضر وسيثبته في المستقبل، ليس في لبنان فحسب إنما في كل أصقاع العالم. وتشير المعلومات إلى أن الهيئات لن تخلي الساحة، وستستمر بالدفاع عن الاقتصاد الوطني، انطلاقاً من ورقة عمل ستطرحها في لقاء اليوم.
المهمة صعبة، لكن ما يمتلكه لبنان من مقومات كبيرة على مستوى مكانته الإقليمية، وموقعه، وطبيعته، وتنوع اقتصاده، والخدمات النوعية التي يوفرها، ومؤسساته الخاصة الناجحة وامتدادها الواسع خارج الوطن، وطاقاته البشرية، ورجالاته، تفتح أمام المؤمنين بهذا البلد وشبابه فسحة أمل، للإيمان مجدداً بأن البلد على حد قول كبير من الهيئات الاقتصادية: لبنان بيهز بس ما بيوقع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.