لم تكن زيارة البابا لاوون الرابع عشر الأخيرة إلى "وطن الرسالة" مجرد محطة روحية، بدليل ما أطلقه من مواقف سياسية وإنسانية عميقة، وضعت الإصبع على جرح ينزف منذ عقود، كان في مقدمها الدعوة الصريحة إلى "نزع السلاح من القلوب"، بعد أن جنى ما جناه على لبنان من ويلات، خراب ودمار.
أعادني موقف الحبر الأعظم عن "نزع السلاح من القلوب" بالذاكرة إلى موقف لا يزال صداه يتردد إلى اليوم، يوم دعا البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير إلى "نزع الطائفية من النفوس قبل النصوص". وهنا "بيت القصيد"، إذا ما أضفنا على الموقفين، موقف كل اللبنانيين، بأولوية "نزع الفساد" من "القلوب"، "النفوس" و"العقول".
لا يختلف إثنان على أن السلاح والطائفية والفساد، "ثلاثية قاتلة" ال تَزَال تأسر لبنان، وتضرب هويته كـ"وطن رسالة" بنموذجه المتنوع، تاريخه وثقافته، إذ بات السلاح "عقيدة" و"ثقافة" ومن دونه "لا وجود" لأصحابه، تمامًا كما الطائفية التي تحولت إلى "منظومة مخاوف" تُزرع في النفوس قبل النصوص. وكلاهما، أي السلاح والطائفية، شَكَّلا "حماية" و"غطاء" للفساد المستشري الذي حَوَّلَ الدولة إلى "مغارة علي بابا"، وأكمل معهما "بازل" إضعافها وتحويلها إلى دولة "لا حول ولا قوة لها"!
وبدل أن يكون الخلاص من "الثلاثية القاتلة" أولوية لِجَمِيعِ اللبنانيين، نجد أن أطرافًا سياسية تواصل الاستثمار في جزء منها، في "أولويات" غريبة عجيبة.
طرف يعاند كل المتغيرات ويصر على التمسك بالسلاح، على الرغم من قرار حصر السلاح بيد الدولة.
طرف يريد تغيير "تركيبة الدولة"، ويتقاطع في هذا الهدف الذي يضرب "اتفاق الطائف"، مع الطرف الذي يريد الإبقاء على السلاح، لكنه يركز كل خطابه ضد هذا الطرف وسلاحه!
طرف يقدم نفسه إصلاحِيًّا، ضد السلاح والطائفية، وكل ممارساته، كجزء من المنظومة، لا مكان فيها لأي "إرادة بالإصلاح"، بل المزيد من المحاصصة التي تشرع الفساد الذي يتغطى بـالطائفية والسلاح .. و"حلها إذ فيك تحلها".
قالها البابا لاوون: "لا خيار سوى السير في طريق واحد"، هو طريق لبنان، طريق "الدولة" و"دستور الطائف" الذي كان يسير عليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حتى استطاع في سنوات قليلة، يضرب اللبنانيون فيها المثل، أن ينفض عنه غبار الحرب، أن يستعيد مكانته بين الدول وأن يعيده الى العرب والعالم ويعيد العرب والعالم إليه.
المشكلة اليوم في لبنان، أن كل طرف يسير في طريق أبعد ما يكون عن طريق لبنان، ويعتبر أنه على حق، ولو كلف ذلك البلاد والعباد حروبًا وفتن أهلية تتكرر.
الطريق إلى لبنان الذي نريد لا تمر بالإِبقَاءِ على سلاح لا وظيفة له إلَّا تدمير الحياة الوطنية والاستقواء على اللبنانيين.
الطريق إلى لبنان الذي نريد لا تمر بـ"التقسيم" وبـ"الفيديرالية" وبطروحات لا يجب أن ينادي بها "حكيم" سبق أن جربها!
الطريق إلى لبنان الذي نريد لا تمر بتغيير لا إصلاح فيه، بل المزيد من الفساد، قاعدته "قوم لاقعد محلك".
لبنان أهم من بقاء أي سلاح، وحدة اللبنانيين أهم من مصالح الطوائف والأحزاب ومستقبل اللبنانيين أهم من نفوذ الفاسدين، والطريق الى ذلك واحد، لا طرق متوازية، متقاطعة ومتصادمة.




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.