بقلم: الأب جهاد فرنسيس*
في انطلاقة اعلانها عاصمة متوسطية للثقافة والحوار 2027، تعود صيدا لتتقدّم مشهد الثقافة المتوسطية، مدينةً تتكئ على إرثها العميق وتنهض برسالتها الجامعة. فهنا، حيث التقت الحضارات وتداخلت الرسالات، بقيت قيم الحوار أقوى من الزمن، وحاضرة في ذاكرة المكان كما في وجدان أبنائه. واليوم،
وأتت زيارة البطريرك يوسف العبسي ( بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك) للمدينة لتضيف فصلًا جديدًا إلى هذه السيرة الصيداوية. إذ جال في شوارع المدينة القديمة، متأمّلًا حجارتها ومعالمها، ومتوقّفًا عند رموزها الدينية والتاريخية التي شكّلت عبر القرون لوحةً واحدة متعددة الألوان.
كانت الزيارة مناسبة ليؤكّد غبطته أمام الحاضرين معنى العيش المشترك الذي يميّز صيدا، وليشير إلى أنّ هذه المدينة لم تكن يومًا مجرد مرفأ على الساحل، بل فضاء يتسع للجميع.
في الأزقّة التي عرفت زيارة السيّد المسيح للكنعانية، وتردّد فيها وقع خطوات القديسين بطرس وبولس، وقف البطريرك العبسي مستعيدًا ذاكرة الحوار الذي صنع هوية المدينة.
وفي قلب السوق القديم، حيث تتقاطع الطرقات بين الجامع العمري الكبير وكاتدرائية مار نقولا، جاءت كلماته لتكمل مسارًا طويلًا امتدّ من مواقف المطران باسيليوس حجّار والمفتي سليم جلال الدين والمطران سليم غزال، وصولًا إلى الحكمة الهادئة للمطران إيلي بشارة الحداد وانفتاحه على جميع مكوّنات المدينة.
لقد انعكست هذه الجولة الصغيرة في مساحتها، الكبيرة في معناها، كإشارة واضحة إلى أنّ صيدا قادرة اليوم، كما أمس، أن تكون نموذجًا في الحوار والاحترام والتلاقي.
فالبطريرك العبسي، بمروره بين الناس وبتحيّاته لأبناء المدينة من مختلف أطيافهم، أعاد التذكير بدورها كجسر بين الأديان والثقافات، وكمساحة يتقدّم فيها الإنسان على كل اختلاف.
ومع اقتراب صيدا من استحقاقات 2027 الثقافية، بدت هذه الزيارة بمثابة إعلان جديد لرسالتها: مدينةٌ تسير على خطى تاريخها، وتفتح دروبها نحو مستقبلٍ يليق بتجربتها الطويلة في العيش المشترك. فهنا، تحت سماء المتوسط، ما زالت صيدا تثبت أنّ الحوار ليس شعارًا، بل ممارسة يومية تُكتب بخطى رجال الدين، وبسواعد أبنائها، وبذاكرة مدينة لم تتخلَّ يومًا عن رسالتها الإنسانية.
*( خادم رعية صيدا للروم الملكيين الكاثوليك )




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.