أكّدت وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي أنّ "لبنان يواجه لحظة تربويّة حاسمة تتغيّر فيها ملامح التّعليم عالميًا بفعل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، فيما يبقى التزامنا في لبنان ثابتًا بتأمين تعليم نوعي ومنصف". وشدّدت على أنّ لدى لبنان "طاقات تربويّة استثنائيّة، لكنّ القطاع يعاني تفككًا عميقًا نتيجة غياب الدولة المرجِعيّة وسيطرة الزبائنية وقرارات قصيرة النظر". وحمّلت الوزيرة كرامي مسؤوليّة مشتركة "لكلّ من شارك في هذا التدهور" ورفضت "استمرار كلّ طرف في وضع رؤية خاصّة به بمعزل عن الدّولة"، وطرحت بديلاً واضحًا عبر "رؤية التربية ٢٠٣٠" وخطّة خمسيّة قائمة على الحوكمة الشفّافة، تمكين المعلّم، وتحریر تدریجي للقرار التربوي من الارتھان للتمویل الخارجي. وأكّدت أن "إعادة بناء المدرسة الوطنيّة لا تتمّ بالشعارات ولا بتعدّد المبادرات خارج الدولة، بل بالتزام جَماعي يُعيد للتّربية دورها كمشروع وطني". ودعت كرامي إلى أن يكون مؤتمر EduConnect 2026 "نقطة تحوّل للمساءلة والتوحيد، وتصحيح المسار نحو نهضة تربويّة تمنح الأجيال المقبلة قدرةً لا نجاة فقط".
ففي خطوة تربويّة مهمّة، نظّمت مؤسّسة EduConnect، بالتّعاون مع نقابة المعلّمين واتّحاد المؤسّسات التربويّة الخاصّة، مؤتمرها التربويّ الأوّل بعنوان: "التّعليم في زمن التحوّلات: رؤى تربوية مرنة ومستدامة نحو ٢٠٣٥"، وذلك في حرم جامعة القديس يوسف في بيروت، بحضور حشد من المعنيّين بالشأن التربوي، وخبراء وأكاديميّين، وممثّلين عن المدارس والجامعات، وطلاب، وأساتذة.
المؤتمر الذي أُقيم برعاية الوزيرة كرامي، قارب عدد المتسجّلين فيه من بعد الـ ١،٧ ألف مشارك، وشكّل مساحة حواريّة عميقة حول مستقبل التّعليم في ظل التحوّلات التكنولوجيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، مع التّركيز على مفاهيم الاستدامة، العدالة والمساواة والبحث العلمي، والتّعليم الرقمي، ومهارات المستقبل، ودمج الذكاء الاصطناعيّ في المسار التربويّ.
جلسات المؤتمر
وتميّزت الجلسات بمشاركة نخبة من الخبراء في التّربية والتعليم، إضافة إلى أساتذة جامعيّين وفاعلين في القطاعات التربويّة الرسميّة والخاصّة.
تناولت الجلسة الأولى، "من الرّؤية إلى الشراكة: نحو تعليم وطني منفتح على العالم"، الإطار الفكري الذي مهّد لكل جلسات المؤتمر اللاحقة. وقد جمعت بين وزارة التربية، مع زيرة التربية د. ريما كرامي، والمديرية العامة للتربية فادي برق، والمركز التربوي للبحوث والإنماء مع د. هيام اسحاق، واتّحاد المؤسّسات التربوية الخاصّة مع الأب يوسف نصر، ونقابة المعلّمين مع النقيب نعمه محفوض، وEduConnect مع د. ندى عويجان. والهدف منها صياغة أرضيّة معرفيّة مشتركة، للانطلاق منها إلى الجلسات الأخرى في المؤتمر.
وتناولت الجلسة الثانية بعنوان "تعليمٌ مستدام يواكب تحوّلات العمل في العقد القادم"، مع د. ميلاد السّبعلي المدير التّنفيذي ورئيس مجلس إدارة Global Education، والأستاذ باتريك رزق الله عضو في المجلس التّنفيذي لنقابة المعلّمين، العلاقة بين التّعليم وسوق العمل، وكيفيّة بناء جيلٍ قادرٍ على مواكبة التحوّلات القادمة، جيلٍ يمتلك مهارات المستقبل، وقادر على التعامل مع وظائف المستقبل.
أما الجلسة الثالثة بعنوان "القيادة المدرسيّة في عصر التّحوّل: إدارة للتّغيير أم للتّأقلم"، فكانت مع نيلا خوري ضعون مديرة مدرسة البشارة الارتوذكسيّة، ود. محمّد حويلا مدير عام مدارس العامليّة، وسهير زين مديرة مركز الأبحاث والمناهج في جمعيّة المقاصد، وتناولت القيادة المدرسيّة التشاركيّة الدامجة في عصر التحوّل، وكيفيّة تحوّل المدرسة من فضاءٍ متلقٍّ للتّغيير إلى فضاء لقيادة هذا التّغيير، ومن إدارة يوميّة إلى إدارة استراتيجيّة.
أما الجلسة الرابعة بعنوان "صوت المعلّم في قلب التّحوّل: مصمّم تعلّم، محفّز مهارات، شريك في التّحوّل"، فكانت مع أحمد حمزة غلاييني عضو في المجلس التنفيذي لنقابة المعلمين، ود. بلال زين الدين نقابي وخبير وباحث تربوي، وسنا أبو حيدر، عضو في المجلس التنفيذي لنقابة المعلّمين، وتتناولت صوت المعلّم ودوره الجديد في ٢٠٣٥، فالمعلّم لم يعد ناقلًا للمعرفة، بل مصمّم تجارب تعلّم، ومحفّز مهارات، وشريك في قيادة التحوّلات التربويّة.
أما الجلسة الخامسة "أبحاث تربويّة وطنيّة في أفق ال ٢٠٣٥"، فعُقدت مع د. أسما مجاعص عازار ود. فيفيان بو سريح ود. دنيا المقدّم ود. ريّا كريدي ود. فاطمة دياب ود. سابين نادر من المعهد اللبناني لإعداد المربّين في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، وتناولت الأبحاث التربويّة في خدمة الإصلاح، وبالتحديد أبحاث حول التربية الدامجة، والتّعليم المتمايز، ودور التّكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المقاربات التعليميّة الحديثة. وتُعتبر هذه الأبحاث العمود الفقري لأيّ إصلاح مستدام.
وأخيرًا خُصِّصت الجلسة السّادسة بعنوان "نحو متعلّم فاعل ومواكب: كيف يرى طلاب اليوم مدرسة الغد"، للاستماع إلى صوت التلامذة والطلاب، صُنّاع مدرسة المستقبل، عن المقاربات التعليميّة الحديثة، والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في حياتهم وحول مدرسة الغد. وقد شارك فيها، على المستوى التعليميّ الأكاديمي، عدد من تلامذة مدارسGlobal Education ، وأيضًا على المستوى الجامعيّ طلاب من المعهد اللبناني لإعداد المربّين - جامعة القدّيس يوسف في بيروت، وعكست النقاشات القيّمة طموحاتهم وتطلّعاتهم نحو تعليم يلبّي حاجاتهم ويواكب العصر.
وشدّد المتحدّثون على "ضرورة إعادة رسم السّياسات التربويّة بما يتماشى مع تحدّيات العقد المقبل، وعلى أهميّة دور المعلّم في قيادة هذا التحوّل، باعتباره حجر الأساس في العمليّة التعليميّة، وذلك في ضوء مجموعة من التساؤلات المحوريّة التي طُرحت خلال الجلسات، ومن بينها: كيف يمكن للبنان أن يواكب التحوّلات العميقة التي يشهدها التّعليم عالميًا ومحليًا؟وكيف يمكن بناء رؤية تربويّة مرنة ومستدامة نحو ٢٠٣٥؟ وما السُبل لضمان جودة التعليم والاستدامة التربويّة في ظلّ التفاوت الكبير بين المدارس؟ وما هو الدور الجديد للمدرسة كمؤسّسة مجتمعيّة متعدّدة الوظائف، وللمعلّم والمتعلّم في عصر الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكن للحلول الرقميّة والذكاء الاصطناعي أن تُسهم في تطوير العمليّة التعليميّة وتعزيز المهارات المستقبليّة؟ كيف ستكون ملامح مدرسة المستقبل من حيث البيئة التعليميّة والمناهج والتقنيّات والقيادة المدرسيّة؟ وكيف سيكون معلّم المستقبل؟ وما الصفات والمهارات التي ستجعل منّه "معلّمًا ناجحًا" في ٢٠٣٥؟ وماذا يريد أن يتعلّم أولادنا؟ وكيف؟ وما هي الشراكات الوطنيّة المطلوبة لضمان استدامة هذا التحوّل؟".
المتحدّثون في المؤتمر:
العشّي
استهّل المؤتمر بالنشيد الوطني ونشيد الجامعة، بعدها تناول مدير المعهد اللبناني لإعداد المربّين في الجامعة القديس يوسف في بيروت، د. روك العشي رمزيّة وضع القلم إلى جانب السّيف في النشيد الوطني اللبناني، معتبرًا أنّ التّربية جوهر رسالة الوطن وهُويّته. وأكّد أنّ مؤتمر EduConnect ٢٠٢٦ يشكّل مِساحة للشراكة الجريئة بين جميع الفاعلين التربويّين، وللانتقال من الرؤية إلى التنفيذ في زمن التحوّلات. ودعا العشي إلى تعزيز الحوكمة وتطوير المناهج وحماية دور المعلّم، وإلى جعل التّعليم ورشة ابتكار ومسارًا للنهوض الوطني.
كرامي
بدورها، أكّدت الوزيرة كرامي أنّ "لبنان يعيش لحظة تربويّة فارقة في ظلّ تحوّلات عالميّة يقودها الذكاء الاصطناعي"، مشدّدة على ضرورة "إعادة بناء القطاع التربوي انطلاقًا من رؤية وطنية موحّدة". وانتقدت "تشتّت المرجعيّات وغياب الدولة عن دورها القيادي"، معتبرة أنّ "الانهيار نتيجة تراكم قرارات قصيرة النظر". واعتبرت أنّ رؤية الوزارة ٢٠٣٠ وخطّتها الخمسيّة تشكّلان "مسارًا إصلاحيًا لإعادة الثقة ودعم المدرسة الرسميّة والخاصّة"، داعية إلى "التزام جماعيّ يجعل التربية مشروع وطن لا خدمة اجتماعيّة".
يرق
من جهته، شدّد المدير العام لوزارة التربية فادي يرق على ضرورة "اعتماد حوكمة تربوية واضحة تقوم على توزيع الصلاحيات والمساءلة لضمان جودة التعليم واستدامته في ظل التحولات الرقمية، مع تمكين الإدارة المدرسيّة وإشراك الأهالي والمجتمع للحدّ من الفجوات وتحسين النتائج". وتحدّث عن "دور القطاع الخاصّ كشريك يقدّم نماذج حوكمة فعّالة يمكن البناء عليها"، ثمّ استعرض نماذج ناجحة في التكامل بين المدرسة والبلديّة والأهالي والخبراء. وختم بالدّعوة إلى "مسار وطني موحّد تشارك فيه الوزارة وجميع مكوّنات القطاع التربوي، بحيث يكون المتعلّم المستفيد الأوّل من الحوكمة الرشيدة".
إسحق
ثمّ استعرضت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء د. هيام إسحق في مداخلتها مراحل خطّة تطوير المناهج التربويّة والمعايير التي يضعها المركز التربوي في هذه الخطّة. واعتبرت أنّ "هناك خطوات مهمّة قد تحقّقت في هذا المجال، ونحن على الطريق الصحيح في تحقيق نهضة في المناهج بعد أكثر من خمس وعشرين سنة على المناهج الأخيرة"، ووعدت "أن تواكب البرامج الجديدة التحوّلات التي يعيشها العالم ويجب أن نستفيد منها في المجال التربويّ والتعليميّ في لبنان".
نصر
من جهته، شدّد المنسّق العام لاتّحاد المؤسّسات التربويّة في لبنان الأب يوسف نصر، على أنّ "السّلام يشكّل المدخل الأساسي لأيّ نهضة تربويّة حقيقيّة"، داعيًا إلى "إشراك المؤسّسات التربويّة الخاصّة في رسم السياسات التعليميّة وتعزيز تمهين التّعليم وتحسين ظروف المعلّمين". كما دعا نصر إلى "مواكبة التطوّر التكنولوجي وتفعيل الشراكة بين القطاعَين الرسمي والخاص، ووضع خطط واضحة لإدارة الأزمات التربويّة بما يضمن استمرار التعليم وجودته".
محفوض
بدوره نقيب المعلّمين نعمه محفوض اعتبر على أنّ القطاع التربويّ في لبنان يواجه "تحدّيات غير مسبوقة"، داعيًا إلى "رؤية شاملة تعيد الاعتبار للمعلّم وتعّزز قدراته في ظلّ التحوّلات الرقميّة والذكاء الاصطناعي". وأكّد محفوض على دور النقابة في "التّدريب والدّفاع عن الحقوق وتطوير مهنة التّعليم"، مشيرًا إلى "ضرورة الشراكة بين الدّولة والمؤسّسات التربويّة للاستمرار في مسار استعادة حقوق المعلّمين وخصوصًا في دعم صندوق التّعويضات لأفراد الهيئة التعليميّة في المدارس الخاصّة". وختم بأنّ نقابة المعلّمين ستبقى "في طليعة المُدافعين عن كرامة المعلم ودوره لضمان بقاء التّعليم مصدر فخر للبنانيّين".
عويجان
وفي كلمتها، توقّفت المستشارة التربويّة في مؤسّسة Educonnect، الرّئيسة السّابقة للمركز التربويّ للبحوث والإنماء د. ندى عويجان عند التحوّلات العميقة التي يشهدها التّعليم عالميًا ومحليًا، مؤكّدة أن "مستقبل التّعليم في لبنان يرتكز على جودة التعليم، والإتاحة، والعدالة، والمساواة، والاستدامة التربويّة، مع ضرورة مواجهة واقع التفاوت الكبير بين المدارس". كما شدّدت على أن "الحلول الرقميّة والتربويّة تشكّل جزءًا أساسيًا من مستقبل التعليم، في وقت يبقى فيه الرأسمال البشري محور العمليّة التربويّة وشرط نجاح أيّ إصلاح، فمهما تطوّرت الأدوات والتقنيات، يبقى الإنسان هو أساس النهضة التربويّة، وحمايته وتطويره وتمكينه هو الاستثمار الأهم والأكثر أثرًا في مستقبل لبنان".
وفي الختام، أعلن المنظّمون في Educonnect عن توصيات ستصدر عن المؤتمر بعد درس جميع المداخلات والمداولات القيّمة للمشاركين.




يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.