قيل إن سِيَر العظماء تكتب بإنجازاتهم وبالأثر الطيب الذي يتركونه في قلوب الناس . ومن العظماء من لا تكفي كتب ومجلدات لتوثيق وتخليد انجازاتهم وآثارهم الطيبة. من هؤلاء المهندس محمد زهير السعودي الرئيس الأسبق لبلدية صيدا واتحاد بلديات صيدا الزهراني .
كصحافي مواكب لكل الأحداث التي شهدتها مدينة صيدا منذ تسعينيات القرن الماضي ، تشرفت بالتعرف عن قرب الى شخصية المهندس السعودي منذ خوضه الإنتخابات البلدية في المدينة عام 2010 ، مروراً بترؤسه المجلس البلدي لولايتين متتاليتين ، وأن أرافقه والمجلس في كل مشروع يطلقه او إنجاز يحققه طوال 13 عاماً .. وفي كل مرة كنت التقيه فيها مستطلعاً منه المراحل التي قطعتها هذه المشاريع او الأثر الإيجابي الذي عادت به هذه المشاريع على المدينة وأهلها وقاطنيها ، ومواقفه من مختلف التطورات في البلد ، كنت كمن يقرأ في كتاب مفتوح مسيرة رجل عاشق لمدينته، نذر كل وقته للتصدي للمشكلات التي تعانيها، حياتية وخدماتية وبيئية وتنموية، وإيجاد حلول لها ، ولوضع مشاريعها على سكة التنفيذ أو الإنجاز ، وللتخفيف عن أهلها من وطأة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية مدفوعاً بعزيمة وإرادة لا تلين وبحبه اللامحدود لصيدا وبمحبة الناس وثقتهم. فنجح في جمع المدينة حول شخصه، ناسجاً افضل العلاقات مع كل تنوعها.
لم يكن محمد السعودي كرئيس بلدية يترك كبيرة ولا صغيرة في مدينته صيدا الا ويتابعها، كنت تراه مسكوناً بكل ما له علاقة بالشأن العام، ومبادراً حيث يدعوه نداء الواجب الوطني والإنساني فيلبيه، يتخذ دائماً القرار الذي يمليه عليه ضميره والتزامه ومسؤوليته، يتقبل النصح والمشورة ويتعامل مع أعضاء المجلس البلدي كفريق عمل منسجم ومتكامل .. بيته ومكتبه وهاتفه كانت دائماً مفتوحة لكل الناس، يحضن العمال ويؤازرهم في تحقيق مطالبهم ، ويقف بجانب الصيادين والكادحين والقطاعات المتعثرة بفعل الأزمات ، كنت تراه دائم الحضور على الأرض متفقداً أحوال الناس وسير العمل في المشاريع ، ومشاركاً الصيداويين أفراحهم ومواسياً في أتراحهم. بهدوئه وبابتسامته المعهودة وبروحه المرحة يستوعب أي مشكلة مهما كبرت ، ويجل الكبير ويحنو على الصغير فيحظى باحترام الجميع وتقديرهم . صادق في كل ما يقول ، شفاف في كل ما يطرح من قضايا، عفوي متواضع في تعاطيه مع كل الناس .
لم ينقطع لقائي بالريس السعودي بعد تركه العمل البلدي ، مرتاحاً من أعباء المسؤولية المباشرة دون تخليه عن ذالك الشغف بالشأن العام ومعرفة أحوال المدينة و"خبرياتها" التي لا تنتهي .. وبقيت مواظبا مع بعض الزملاء على زيارته للإطمئنان الى صحته والإستنارة بحكمته في العديد من المواضيع .
كتاب في رجل مرحلة
خلال لقاء معه بالأمس في مكتبه في صيدا ، تشرفت والزميلان غسان الزعتري (السفير والمستشار والمنسق الإعلامي في بلدية صيدا ) ورئيفة الملاح (مديرة موقع بلدية صيدا )، بإهداء خاص من الريس لكتاب جديد صدر عنه حديثاً بعنوان "صيدا حكاية حب ...الرئيس محمد السعودي سيرة ومسيرة" لمؤلفته الزميلة نضال شهاب ، وهو كتاب معزز بالصور يتناول محطات من حياته وتجربته في قيادة بلدية صيدا 2010-2023، وشهادات فيه من شخصيات وفاعليات ومؤسسات.
استوقفني في تقديم الرئيس السعودي للكتاب في معرض حديثه عن الإنجازات التي تحققت في عهده قوله :" إنني أنظر دائماُ إلى النصف الملآن من الكوب وأقول، نعم أنجزنا، وكل ما أنجزناه لم يكن بالمقدور إنجازه لولا عمل الفريق المتكامل من أعضاء المجلس البلدي، والتعاون والإحتضان الذي وجدته من فاعليات المدينة وأهلها ، والذين هم شركاء أساسيون في كل خطوة وخلف كل مشروع تم إنجازه".
أعادتني كلماته تلك الى سؤال كنت وجهته اليه خلال مقابلة صحفية أجريتها معه في نهاية ولايته الثانية وقبل تقديمه لإستقالته، عن تقييمه لعمل وانجازات البلدية في عهده، فقال حينها: الولاية الأولى، كانت غنية جداً بالإنجازات والمشاريع، ونفتخر بها، أما الولاية الثانية فـ" تنذكر وما تنعاد" ، ولست راضٍ عنها وطبعاً الأسباب كثيرة . فالأزمات التي توالت خلال الفترة الثانية كانت فوق احتمال أي بلدية، من تدهور قيمة الليرة وجائحة كورونا، وتأثر مسار استكمال او اطلاق بعض المشاريع في صيدا".. مبديا أسفه لعدم تمكنه من استكمال المرفأ التجاري، وعدم تنفيذ مشروع تأهيل المرفأ القديم وعدم استكمال مشروع بناء المتحف التاريخي للمدينة، الى جانب عودة ازمة النفايات رغم ما تحقق في عهده من انجازي إزالة جبل النفايات وانشاء الحديقة العامة مكانه .
ورغم ذلك يقول السعودي في مقدمة الكتاب الجديد " لقد قدمت لصيدا كل ما أستطيع خلال 13 عاما من العمل البلدي، وحان وقت الراحة وهذا ليس تهربا من المسؤولية ولكن للعمر حق".
أما الخلاصة التي خرجت بها بعد تصفحي لكتاب ينبض بإنجازات هذا الرجل ، فهي أن كتباً عدة صدرت حتى الآن عن سيرة ومسيرة محمد السعودي الإنسان ورئيس البلدية، ورغم كل ما جمعته عن أعماله وإنجازاته، إلا أنها لا تفيه حقه، لأن بصماته المضيئة في مجتمعه وحكاية حبه لمدينته ووطنه، ، لا يمكن ان تحتويها دفتا كتاب !.
رأفت نعيم











يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.