إذاً كانت رسالة مشبوهة متعمّدة قد أرسلت إلى الجيش اللبناني من خلال ستة شهداء في صفوفه، فالرسالة ستؤدي إلى مفاعيل عكسية لم يحسبها المفتعلون. وإذا كان الحادث حصل بمسبّب غير متعمّد، فإن ذلك لن يقلل خطورة فتح ملف المخازن المتفجّرة لترسانة “حزب الله” من ضمن قرار نزع سلاحه الذي جاء استشهاد ستة من الجنود والمجندين بمثابة معمودية له. هذه الخلاصة البالغة الخطورة تردّدت اصداؤها لليوم الثاني أمس غداة الحادث المدوي الذي فُجع به الجيش واللبنانيون وأثار موجات ردود فعل داخلية وخارجية كثيفة اكتسبت دلالات لا يمكن تجاهلها لجهة الالتفاف غير المسبوق بهذا الحجم حول الجيش، بما عكس المناخ الاستثنائي الذي تكوّن حول دور الجيش عقب قراري مجلس الوزراء المتصلين بحصرية السلاح في يد الدولة وإقرار أهداف ورقة الموفد الأميركي توم برّاك. ومع أن أي ملامح لم تتوافر حتى البارحة لنتائج التحقيق العسكري الجاري في انفجار منشأة السلاح الثقيل والذخائر لـ”حزب الله” في وادي زبقين، فإن ذلك لم يحجب الوقائع الصادمة التي تترتب على أي نتيجة للتحقيق، سواء ثبتت الشكوك في تفخيخ المستودع أم لم تكن صحيحة أو تكشّف سبب آخر للانفجار. ذلك أن المعطيات الخطيرة التي أعقبت الانفجار باتت تركز على مداولات تجري بسرّية عسكرية لأنماط معالجة “سلاسل” من المستودعات المماثلة التي يرجح أنها تشبه حقول الألغام بخطورتها، وما إذا كان تفجيرها أو سحب مخزناتها المتفجرة هو الأسلم بعدما أهرقت دماء ستة شهداء عسكريين وخمسة جرحى بعضهم في حال حرجة في عمليات معالجة “نفق” وادي زبقين. وليس خافياً أن ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام التقليدية في الساعات الـ48 الماضية من تفاعل هائل للحادث، أعاد استحضار مناخات انفجار مرفأ بيروت الذي لم تمض أيام قليلة على إحياء ذكراه الخامسة بالتزامن مع تشييع شهداء الجيش في بلداتهم وقراهم وهم: المؤهل أول الشهيد عباس فوزي سلهب والمجند الشهيد أحمد فادي فاضل والمجند الشهيد ابراهيم خليل مصطفى والمجند الشهيد هادي ناصر الباي والمجند الشهيد محمد علي شقير والمجند الشهيد يامن الحلاق.
ولعل ما زاد من وطأة الحادث على مجمل الواقع الداخلي أن الانفجار جاء وسط وقائع شديدة الالتباس، ليس أقلها أن التحركات الاعتراضية الليلية لأنصار “حزب الله” في عراضات الدراجات النارية بدأت تتسبب بتوترات يخشى أن تسبّب صدامات مع القوى الأمنية والجيش الذي كان أصدر قبل أقل من ساعتين على حادث الانفجار بياناً لافتاً حذر فيه من تعريض البلاد لأي اهتزازات. ثم أن الحادث جاء أيضاً غداة تهديد رئيس كتلة نواب “حزب الله” محمد رعد باستحالة التخلي عن سلاح الحزب، قائلاً بتحدٍ سافر للمسؤولين وللدولة والجيش وكل الآخرين: “يروحوا يبلطوا البحر”.
كما أن الحادث تزامن مع الفصل الأشد وقاحة وتحدياً للسيادة اللبنانية الصادر عن إيران على لسان مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي يعلن تحديه السافر لقرارات الدولة اللبنانية، كأنه أراد إعلان سقوط كل الأقنعة عن الأسباب الكامنة وراء هجمة “حزب الله” على القرارات الأخيرة للدولة. وهو الأمر الذي استفزّ السلطة اللبنانية ودفع بوزارة الخارجية اللبنانية إلى الرد الفوري العنيف على ولايتي. وتحدثت معلومات عن اتجاه متعاظم لدى جهات عدة في الحكومة للمطالبة بتصعيد الإجراءات الرسمية ضد التدخلات الإيرانية السافرة والمتكررة، بما يعكس اعتداءً موصوفاً على سيادة لبنان يوجب رداً في الحجم والمستوى. ومجمل هذه الوقائع باتت وفق جهات معنية تدفع نحو التشبث بتنفيذ ما قرره مجلس الوزراء لجهة تسلم الخطة التنفيذية لقيادة الجيش في ترجمة قرار حصرية السلاح قبل نهاية آب الحالي، وأما ما يتصل بورقة برّاك، فسيكون محور زيارته الرابعة لبيروت التي لم يحدد موعدها بعد. وعُلم أمس أن مجلس الوزراء سيعقد جلسة عادية الأربعاء، على ألا تعقد بعدها جلسات لأسبوعين نظراً لعطلة الأمينين العامين لمجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، ومن ثم ينعقد المجلس حال تسلمه خطة قيادة الجيش. وأشارت معلومات “النهار” الى أن الاتصالات ستتواصل بين بعبدا وعين التينة وكذلك بين عين التينة والسرايا بهدف تهدئة الأجواء والاستمرار في المشاورات خلال المرحلة المقبلة.
المصدر: النهار
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.