بعد 36 عامًا على اتّفاق الطّائف وترجمته الدّستوريّة، ما هي التحدّيات التي تواجِهُه؟ والآفاق التي يحمِلُها؟ أيُّ ثغراتٍ تحتاج مُعالجة؟ وإلى أيّ مدى يسير لبنان نحو بناء دولة المواطنة السيّدة الحرّة العادلة المستقلّة؟ تساؤلات تداولها خبيرات وخبراء في الدُّستور، والقانون، والسِّياسات العامَّة، والسوسيولوجيا، والاقتِصاد، والدّيبلوماسيّة، في مؤتمر تشاوريٌّ تحت عنوان "لبنان ودولة المواطنة: نحو استكمال تطبيق اتّفاق الطَّائف"، عُقِد يوم الثلاثاء 15/07/2025 في شراكة بين "ملتقى التأثير المدني" و "مؤسّسة كونراد اديناور/ مكتب لبنان"، وبمتابعة من الهيئة المدنيّة لبناء دولة المواطنة، في فندق البستان-بيت مري.
بعد جلسة افتتاحيَّة تحدَّث فيها فيصل الخليل، رئيس ملتقى التأثير المدني، ومايكل باور، المدير المُقيم لمؤسَّسة كونراد آديناور-لبنان، كانت جلسة أولى تحت عنوان "إتّفاق الطَّائف: الرؤية وفلسفة الكيان اللُّبناني" تحدّث فيها القاضي الدّكتور عصام سليمان، والأستاذ إبراهيم شمس الدّين، ويسَّرها الدّكتور زياد الصّائغ، إلى جلسة ثانية تحت عنوان "إتّفاق الطَّائف: أولويَّات التشريع وتحدِّيات التَّنفيذ"، تحدّث فيها القاضي الدّكتور خالد قباني، والعميد الدكتور رياض شيَّا، ويسَّرها الأستاذ سام منسّى، فجلسة خُلاصات وآفاق تناوب فيها على بعض الاستنتاجات كلٍّ من باور والصَّائغ ومنسّى، وكان في الخِتام الخلاصات التالية:
"يشكِّل اتّفاق الطّائف، مع الإصلاحات البنيويَّة التي وردت فيه، بدءًا من استكمال تحقيق السِّيادة باحتكار الدَّولة اللَّبنانيَّة السِلاح، كما إرساء دولة حكم القانون بدءًا من مكافحة الفساد وتطبيق الحوكمة الرَّشيدة، فإنشاء الهيئة الوطنيَّة لإلغاء الطائفيَّة بحسب المادّة 95 من الدّستور، وإقرار قانون انتِخابي عصريّ وعادل، وتنفيذ اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة، وتفعيل استقلاليَّة القضاء، وإعادة تفسير الدّستور إلى المجلس الدّستوريّ، وبلْوَرة قانون مدنيّ اختياري موحَّد للأحوال الشخصيَّة، وإنشاء مجلس الشُّيوخ، وتعميم المساءَلة والمحاسبة، مع وَقْف سِياسة الإفلات من العِقاب في كلِّ الجرائم دون استثناء، دون استثناء، وفي مقدّمها جريمة تفجير مرفأ بيروت، وكلّ تلك ذات الصِّلة بالاغتيال السّياسيّ، كُلّ هذا يُشكّل البُنية المؤسِّسة لقيام دولة المواطنة السيّدة الحرّة العادلة المستقِلّة، مع إعادة الاعتبار إلى الأخلاق في السِّياسة، والخير العامّ في الشأن العامّ، وما يعني ذلك من الالتزام بمبادئ السِّياسات العامَّة الوطنيّة، فلبنان ليس في أزمة نظام، بل في كارثة الخروج عن النّظام وضرب الدّستور، وغياب المرجعيّة الأخلاقيّة في العمل السّياسي، من هنا أهمية تأكيد الثوابت التالية:
1- لبنان كيانٌ قانوني ذو شرعيّة داخلية وخارجية. تُجسِّد الدولةُ اللبنانية وتلتزم، في كل حين، القوانينَ والأنظمةَ الداخلية التي أقرّتها والعهود والمواثيق الخارجيّة، التي وقعّتها وعلى رأسِها شرعة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق جامعة الدول العربية.
2- الدستورُ والقانون يسموان على كل ما عداها، ولا يعلو عليهما سلطةٌ أو نظامٌ، مواطنٌ أو مسؤولٌ، حقٌ أو امتيازٌ، فهما مصدر الحقوقِ والواجبات وناظماها وحاميا الشرعيّة والسِّيادة وكفيلاها.
3- الحريّةُ هي القاعدة، والاستبداد هو الشواذ، وبالتالي الإباحة هي الأصل والتقييد هو الاستثناء، ولا يكون الاستثناءُ إلا تحت سقف الدستور والقانون.
4-المساءلة أساس المسؤولية، والحصانة القانونية امتيازٌ مشروطٌ بحسنِ القيام بالوظيفةِ العامّة، لا حمايةً للتعسّف في ممارسةِ السلطة أو الإساءة في استعمالها، في ظل نظام قائم على الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتوازنها وتعاونها.
5- لا شرعيِّة تُناقض دستور لبنان باعتباره أساساً لاستقرار النظام ووحدة الأرض والشعب؛ فلبنان التعدّد والتنوع والانفتاح حاجةٌ وطنيّة إقليميّة وإنسانيّة وتشكِّل الضرورة الأساس نحو بناء لبنان المواطنة.
6-دولة المواطنة تولي إهتمامها الأساسي بالفرد، وتحترم حقوقه في إطار مدني إنساني، وتكون للدولة سياساتٌ إقتصادية جامعة ومنتجة، وسياسات إجتماعية عادلة وضامنة، في ظل حوكمة سليمة لإدارة الدولة.
7- اللبنانيَّات واللّبنانيون، مواطنات ومواطنون، في دولةٍ مدنيّةٍ متساوون في الحقوقِ والواجبات، أحرارٌ في الرأي والمعتقد والتجمع، وهنّ وهُم، مسؤولات ومسؤولون، ومساءَلاتٌ ومساءلون، في وطنٍ حرّ سيّد مستقل، دون تمييز على أساس الجنس أو المعتقد أو اللون أو الرأي.
8-لا تفاضل في الحقوقِ والواجبات بين المواطنات والمواطنين، ولا تفاضل في الضمانة القانونية لكلٍّ منهنّ ومنهم، ولكلّ مقيمة ومقيم ، في ظلِّ حكم القانون وسيادة العدالة، باعتبارِهما حقاً مكتسباً للبنانيين والمقيمين، لا منَّةً أو منحةً تعطى لهم وتُحجب عنهم استنساباً، كما المغتربات والمغتربين.
9-محاربة الفساد بكامل أوجهه ومختلف إفرازاته واجبٌ وطنيّ وأخلاقيّ، وذروةُ الفساد والافساد أن يُخيـَّر المواطنُ ما بين ضميرِه ومصلحتِه، وما بين أمنِه وحريّتِه، وما بين قُوْتِه وكرامتِه وفي هذا كلّه فساد النظام.
10 -الحيّز العام ملك لجميع اللبنانيين دونما تمييز ولا يحِّده سوى المصلحة العامة والتوازن بين العامِ والخاص، وكذا تعاطي الشأنَ العام فهو حقٌ دستوري لكلّ مواطنٍ ومواطنِة، لا يحجبُه سوى الاهليّة القانونيّة.
11-العيشُ بكرامةٍ وكفاية حقٌ لكلّ مواطنة ومواطن ومقيم ومقيمة، ولا يكون ذلك إلاّ في ضمانِ الكرامة الإنسانيّة في بيئة نظيفة وبتوفير الإنماء المتوازن المتكامل والتعليم الإلزامي والضّمان الاجتماعي والرعاية الصحية، في دولة رعاية مدنيّة لامركزية تنعمُ بالعدالةِ الاجتماعيّة، وتقومُ على حكمِ القانون واحترام حقوقِ الانسان والحريّات الفرديّة والعامة.
12-المال العام وموارد البلاد الطبيعيّة وخيراتها ملكٌ للبنانيين، والتمتّع بها حقٌ لكلّ مواطنة ومواطن لتعلّقها بمستوى حياةٍ كريمة، وعلى الدولة واجب تأمينها وحمايتها، ولا يحدّها سوى المساواة والعدالة في توفيرها والتمتُّع بها.
13-بقاءُ لبنان-الدولة واستمرار النظام فيه ومنع توسله ساحة صراع منوطٌ ببسطِ السيادة على الإقليم وضبط الحدود الدولية وضمان حصريّة القرارات السّياديّة، وعلى رأسِها قرار الحربِ والسلمِ، وتقرير السياستين الدفاعية والخارجيّة.
14-الحيادُ الإيجابي تجاه قضايا ونزاعات الإقليم المتشظي وانتهاج سياسة خارجية شفافة في إطار المصلحة القومية والأمن القومي، ونبذ العنف ضمانةٌ لبقاءِ لبنانَ العربي التعدّدي المتنوع والمنفتح، واستمرارٌ لدوره الحضاري في كافة الميادين، وتعميمٌ لأنموذجه الديمقراطي في العيش بسلام والتداول الدوري في السلطة.
15-الحدُّ النهائي لشرعيِّة النظامِ وسيادةِ الدولة هو قبولُ اللّبنانيّات واللّبنانيّين بهما، ولا شرعيّة أو سيادة إلا باستيفاءِ وتحقيقِ هذه المبادئ والمسلّمات التي بُنيت عليها الشرعّية والسيادة أصلاً.
إنَّ لبنان أمام فرصة تاريخيَّة نادرة عسى يستعيد فيها دوره الحضاريّ، وينتقل من الّلادولة إلى الدّولة، هو القضيَّة التي تحكي الحريَّة، والتنوَّع، والدّيموقراطيَّة، واللّيبراليَّة، والاعتِدال، والإبداع، والعروبة الحضاريَّة، والعيش المشترك،والمواطنة الحاضنة للتعدّديّة بأبهى حلَلِها. لا تعب. لا ملل. لا خوف. النضال مستمرّ".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.