كتب جورج بكاسيني
ربما تختلط في رئيس الحكومة نواف سلام شخصية السياسي بتلك الوافدة من عالم القضاء أو الثقافة، لكنه واحد في كل الحالات: ابن العائلة السلامية المؤتمنة على "زمن جميل" مضى وآخر امتزجت فيه الوطنية اللبنانية بالعروبة. لذلك لا يحتاج الرابض في السراي الكبير منذ شهور تحت قبضة أول تحوّل جيوسياسي في المنطقة منذ "سايكس بيكو"، الى اثبات شرعيتيه الوطنية والعربية، أو حتى الى شهادة في فهمه للسياسات الدولية وقد أمضى سنوات مديدة في مركز هذه السياسات أو مصنعها، أي مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وربما حالف الحظ نواف سلام إبّان وصوله الى السراي الحكومي مع بروز تعديلات، ولو متفاوتة، في موازين القوى في الإقليم وفي لبنان، عقب حرب 7 اكتوبر، ومع تتويج ذلك في وصول رئيس الجمهورية جوزاف عون الى قصر بعبدا. لكن انخراط الكوكب في حرب أكثر خطورة وفداحة بين ايران واسرائيل ربما يُبطئ اندفاعة حكومته بانتظار جلاء الصورة، ليصبح سعيه الملحوظ والصامت الى تجنيب لبنان المشاركة في هذه الحرب، رصيداً يُسجّل له وليس عليه : "السعي متواصل وثابت، واستبعد انجرار لبنان الى هذه الدوامة ".
أما في مآلات الحرب الدائرة وما إذا كانت الولايات المتحدة الأميريكية مقبلة على المشاركة مباشرة في هذه الحرب، فيتجنب رئيس مجلس الوزراء الدخول في فرضيات أو تقديرات تنتمي الى علم الفلك، وسط غموض متعمد أو عن غير قصد في خطاب الأطراف المعنيين:" الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه يتحدث عن المشاركة وعن عدمها في عبارة واحدة".
على أن الاستقرار الداخلي يبقى الأولوية الأهم بالنسبة الى نواف سلام وسط قرقعة الصواريخ العابرة للقارات فوق رؤوس اللبنانيين، حتى اذا سأله أحدهم ولماذا التعثر في معالجة ملف السلاح في المخيمات الفلسطينية رغم التعهد بذلك، جاء الجواب بسيطاً ومعلّلاً:" رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بنفسه بادر وأبدى أمام السلطات اللبنانية استعداده علناً للمساعدة في معالجة هذا الملف، فماذا يمكن أن يكون رد فعل رئيس حكومة لبنان، أن أغض النظر عن الموضوع مثلاً؟ أو أن أسارع الى تلقف الفرصة وتبني الموقف والتذكير بأن قوة فلسطين في المنابر الدولية وفي الجامعات وفي تضامن الرأي العام العالمي والدولي مع هذه القضية وليس باستبقاء السلاح في المخيمات، وابداء الاستعداد لتنفيذ هذا الأمر وبالسرعة القصوى؟، أما التعثر فجاء لأسباب فلسطينية داخلية وليس لأسباب لبنانية على الإطلاق ولا علاقة لها بأي تقصير لبناني".
في كل الأحوال ، روما من تحت غير روما من فوق، كما رسخ في ذاكرتنا الشعبية، والانتقال من زمن الى آخر ممكن لكنه يحتاج الى وقت في دول هوياتها الأولّية (ما قبل الدولة) أقوى من الانتماء الى الدولة، فكم بالحري اذا كانت منكوبة بلعنات التاريخ والجغرافيا؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.