16 أيلول 2022 | 19:13

منوعات

16 أيلول 1982..بيروت "المقاومة" تسقط أكذوبة "الجيش الذي لا يُقهر"!



زياد سامي عيتاني




قبل ١٦ أيلول ١٩٨٢؛ ولأيام معدودة، حل ليل طويل على بيروت، كأنها شهوراً، لا بل سنين مديدة.. سواد حالك خيم على كل الأرجاء، مثقلاً بالرعب والذعر والهلع...

في تلك الأيام، لم تكن تشرق الشمس كعادتها، غابت عن سماء بيروت الجريحة، حجبتها الغيوم الملبدة، إنطفأت النجوم الساطعة، سرق القمر من أحلامنا، هاجرت الطيور إلى البعيد...

وحدها أخبار المجازر المتأخرة تملأ الأرجاء!! تصلنا ليس عبر أثير الإذاعات، بل عبر سحب غبار القصف والدمار، وأعمدة دخان الحرائق والنيران، ورائحة الموت التي تقطع الأنفاس، وبقع الدماء على الجدران، وأشلاء الجثث الممزقة!!!

مدينتي؛ لم تعد تعج بالحياة، شوارع خالية إلا من سيارات الإسعاف والإطفاء، عيون شاخصة نحو المجهول، ملاجئ لم تعد آمنة، أمهات ثكلى، أطفال فقدوا طفولتهم وألعابهم، شباب ضاعت أحلامهم، آباء حائرون قلقون من الآتي...

**

قبل يوم ١٦ أيلول المجيد، وبفعل الخديعة الكبرى، حينما خرجت القوات المتعددة الجنسيات، عقب إتفاق مشؤوم ومزعوم للسلام المذل، وبعد إزالة كل الدشم والمتاريس والعوائق والألغام من شتى المحاور، شعرت المدينة أنها تعرت، وأن ظهرها بات مكشوفاً،

وأنها تقترب لأن تتحول إلى ساحات للموت والفجيعة والمجازر، عندما تمكنت جحافل العدو الصهيوني من دخول بيروت وتدنيس أرضها المباركة لأيام محدودة.. وذلك بعد صمود ملحمي أسطوري لسيدة العواصم العربية بيروت، على مدى ما يزيد عن ثلاثة أشهر، رغم القصف الجوي والبري والبحري بمختلف أنواع قنابل وصواريخ الحقد والموت والإجرام القاتلة والحارقة والمدمرة، ورغم كل المحاولات الفاشلة بدخول بيروت، تكسرت وأحبطت كلها على بواباتها وثغورها ومعابرها، حيث ظلّت شامخة رغم جراحها، شاهقة رغم أن الدم غطى جدرانها وأرصفتها، باسقة مرفوعة الرأس رغم النيران التي إلتهمت كل شيء، زاهية رغم الحرائق، عصية متمردة ما عرفت الخنوع رغم ذلك التخلي والإعراض عنها...

لكنها، رغم كل هذه الأهوال، فإنها ما عرفت الهوان ولا الخنوع ولا المهانة ولا الإنكسار..

بل، تمردت وعصت وكابرت وقاومت وصمدت ونازلت...

نهضت من تحت الركام، وحملت جرحها النازف، ومضت إلى المواجهة المفتوحة، المواجهة غير المتكافئة، محطمة كل الأساطير الواهية، ومسقطة كل القصص الكاذبة...

في ١٦ أيلول.. خرج شبابها وفتيانها بسواعدهم وأظافرهم وصدورهم العارية، وهرعوا من مناطقهم وحاراتهم ومنازلهم في كل إتجاهات مدينتهم المفجوعة، هذه المرة كانت متاريسهم هي أجسادهم، وخنادقهم أرصفة المدينة وزوايا الجدران، وراحوا يلاحقون الغزاة ويطاردونهم حيثما كانوا، وبدمائهم الزكية محوا العار والخزي والإزدراء الذي لحق بالمدينة، وأبوا إلا أن تكون بيروتهم مدينة للعزة والكرامة والإباء...

جعلوا منها ثغوراً للرباط..فكانت الملحمة البطولية الأسطورية، التي هزمت أكذوبة "الجيش الذي لا يقهر"...

ما هي إلا أيام لم تتعد العشر، حتى أزهرت المدينة عنفواناً وعزة وكرامة، سيبقى التاريخ شاهداً على مجدها وسؤددها.. عندما فرضت على العدو الغاشم الفرار منكسراً، مهزوماً، مذعوراً، مطأطئاً رأسه، وجاراً أذيال الخيبة، منادياً بمكبرات الصوت: "يا أبناء وأهالي بيروت لا تطلقوا النار، فنحن منسحبون(!)...

**

إنها.. بيروت سيدة العواصم، وتاج المدن، ولؤلؤة المتوسط...

بيروت أميرة الصمود، وملحمة الخلود...

بيروت.. مهد إنطلاقة المقاومة الوطنية بكل صفاء ونقاء، التي جمعت كل المناضلين الشرفاء كأبناء لها، المتدفقين من كل الجهات لطرد الغزاة، فضمتهم إلى صدرها الدافء كأبناء لها، دون تمييز ولا تفرقة...

بيروت.. التي بعد تحريرها، قادت معركة تحرير كل الوطن من رجس الصهاينة، فعممت ظاهرة مقاومتها بنبلها وبعدها الوطني التحريري، لتتحول إلى مشروع نضالي وطني شامل، لتحرير الوطن، كل الوطن.. قبل أن يسرق ويزور، ويجرد من وطنييه!!!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

16 أيلول 2022 19:13