تتحضر العاصمة الثانية لاطلاق طاولة مستديرة لمكافحة أوضاع الفقر المتزايدة في طرابلس،لا سيما وأنَّ سمة القلق هي ما يطبع كل التقارير التي ترد عن أوضاع أفقر مدينة على حوض البحر المتوسط.
ويأتي المؤتمر الذي ينعقد نهاية الشهر الجاري، والذي تشارك فيه فاعليات سياسية واقتصادية وبلدية إضافة الى المتحدثين الرئيسيين من نواب حاليين ووزراء سابقين وحاليين من العاصمة الثانية، بناء لتوصيات مؤتمر التحديات والفرص الانمائية في شباط 2016، والذي دق ناقوس الخطر، فدعا الى قطع الطريق على تمدد الفقر وتنامي البطالة، وهذا ما كشف عنه التقرير للبنك الدولي.
كما تأتي الطاولة التي تنظمها لجنة المتابعة التابعة لنقابة المهندسين في الشمال، تلبية لنداء الفاعليات الاقتصادية والاجتماعية في المدينة التي تطالب حالياً بعقد مؤتمر إقتصادي - اجتماعي إنقاذي عاجل لوضع خطة شاملة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لكل مناطق الحرمان في المدينة، خصوصاً وأنَّ الأعباء زادت مع التدفق غير المنقطع للنازحين السوريين، وتوفير التعليم وفرص العمل، واستهداف الفقر عبر تحفيز الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمرار، وتحديد المتطلبات التي من شأنها إيجاد بيئة اقتصادية جاذبة للمستثمرين والاستفادة من البرامج الوطنية والدولية، والتي من شأنها المساهمة في تنمية بيئة الأعمال. كذلك تطالب فاعليات المنطقة بالإسراع في تنفيذ عدد من المشاريع التي أقرتها الحكومة، إذ أن المطلوب هو إعادة إحياء إقتصاد طرابلس وجعلها موقعاً جاذباً للإستثمار، يمكن القضاء ايضاً على أبرز العوامل التي ترفع من نسب التطرف والجريمة والفلتان الأمني، وهي الفقر والحرمان والبطالة، ما يسهم في تدعيم الاستقرار الأمني في المنطقة.
الحسن
الوزيرة السابقة ريا الحسن، التي ترأس مجلس ادارة المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، قالت إنّ المشاركين الرئيسيين في الطاولة المستديرة سيطرحون مشاريع قابلة للتنفيذ بمدد معينة، وسبل التمويل، إضافة الى الفرص المتاحة لتشغيل اليد العاملة من خلال المشاريع.
وفي تعقيب على تقرير البنك الدولي حول طرابلس، قالت الحسن إن التقرير أكد، وبشكل لا يقبل الشك، الارقام التي لم تكن موثقة، ويجب ألا ننسى أن العاصمة الثانية تعطلت نحو 20 سنة بفعل الاحداث الامنية التي جرت على أرضها، وهذا ما كنا نشعر به كل الوقت من أن الحركة الاقتصادية مشلولة.. وطبعاً التقرير يضعنا أمام واقع لا مفر منه لمعالجة الأوضاع سريعاً، ويعطي أصحاب القرار محفزاً للتحرك بعد أن أدركوا عمق المشكلة.
ولفتت الحسنالى أن مشروع المنطقة الاقتصادية يسير بخطى حثيثة، ووفقاً للجدول الزمني الموضوع، إلا أن المشروع وكما هو معلوم ليس مشروعاً آنياً، بل هو على المديين المتوسط والطويل. أمامنا مسار طويل لا يقل عن خمس سنوات لانجاز البنى التحتية والتشريعات المطلوبة، وهي بالتأكيد فرصة كبيرة للمنطقة الاقتصادية.
دالاتي
وقالت ربى دالاتي التي ترأس لجنة المتابعة لمشاريع طرابلس والتابعة لنقابة المهندسين في الشمال، وتضم أطيافاً متنوعة من المجتمع المدني، إنَّ الطاولة ستكون ناجحة، وسيتمخض عنها نتائج ايجابية، كون المشاريع التي ستطرحها تنفذ أو هي قيد التنفيذ، كما أنها ستأخذ بالمشاريع التي قد يطرحها الناس ومدى قابليتهو الحد من الفقر.
أضافت إن طاولة مستديرة ثانية ستحدد للمحاسبة والمساءلة حول المشاريع التي طرحت، لجهة تقدم مسار العمل فيها.
ورقة بحثية
ثمة ورقة بحثية وضعها الباحثان الاقتصاديان أديب نعمة وميشال سماحة، وهي ورقة تصور مشتركة ما بين وزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي تهدف الى تعزيز الاستقرار ومكافحة الفقر وتنشيط الاقتصاد، من المقرر أن يتم التحاور حولها.
وتظهر ورقة التصور وجود مشكلة كبيرة على أكثر من صعيد، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- نسب الفقر حسب المقاييس الوطنية تشير الى ان نسبة الاسر الفقيرة في طرابلس بلغت في نهاية 2011، نحو 51 في المئة بحسب خط فقر الدخل الوطني (آخر نسبة محسوبة وطنياً عام 2005 هي 28 في المئة)، و40 في المئة بحسب دليل احوال المعيشة (آخر نسبة محسوبة وطنياً عام 2005 هي 30 في المئة)، في حين ان نسبة الأسر المؤهلة للافادة من برنامج مساعدة الأسر الفقيرة في لبنان تبلغ 23 في المئة، مقارنة بنسبة 8 في المئة وطنياً، وهي النسبة التي بني المشروع على أساسها.
- نسبة الحرمان بحسب دليل الحرمان الحضري (النموذج الذي صمم حديثاً وطبق على طرابلس بنهاية عام 2011) تبلغ 57 في المئة من الأسر، وتصل الى 87 في المئة من الاسر في باب التبانة ـ السويقة، في حين تبلغ نسبة الأسر المحرومة اقتصادياً ـ بحسب الدليل نفسه ـ 77 في المئة من الأسر، وتبلغ 95 في المئة في باب التبانة ـ السويقة.
- لم تتجاوز حصة محافظتي الشمال وعكار 3،9 في المئة من اجمالي التسليفات المصرفية (وكذلك المحافظات الطرفية الاخرى)، وهي نسبة مستقرة عند هذه المستوى لعقود، وتظهر عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في هذه المناطق.
- نسبة الاسر المشمولة بالتأمين الصحي في طرابلس لا تتجاوز 24 في المئة في حين هي قريبة من 50 في المئة على المستوى الوطني. اضف الى ذلك ان محافظتي الشمال وعكار تسجلان اعلى نسبة خصوبة ووفيات اطفال وأمهات في لبنان.
- ثلثا التلاميذ في طرابلس ملتحقون في المدارس الحكومية (في حين ان الثلث فقط ملتحق بها على المستوى الوطني)، وتسجل في طرابلس اعلى نسب التسرب المدرسي اذ ان 16 في المئة من المراهقين في عمر 13 سنة خارج المدرسة، وترتفع هذه النسبة الى ما يقارب النصف في الاعمار المقابلة للمرحلة الثانوية. وبحسب مؤشرات كثيرة، فان هذه النسبة قد ارتفعت منذ عام 2011.
وبحسب الورقة، فإن هذه مؤشرات للحرمان المزمن، تشترك في بعض ملامحه المناطق الطرفية الأخرى في البقاع الشمالي خصوصاً، كما في الجنوب وجبل لبنان وضواحي بيروت. ولكن ما يجعل الأمور اكثر خطورة وفداحة في طرابلس (والشمال وعكار) هو اجتماع مؤشرات الحرمان كلها، مع احساس عام بالتهميش، مع كثافة السكان. إذ ان سكان الشمال وعكار يمثلون 21 في المئة من سكان لبنان، وحيث تمثل طرابلس 41 في المئة من سكان الشمال، و8،5 في المئة من سكان لبنان. كما يجب ان نضيف الى ذلك عاملين اساسيين هما ان طرابلس هي العاصمة الثانية للبنان (حيث يفترض بمؤشراتها التنموية ان تكون افضل حالا مقارنة بالأرياف والأطراف كما وبالنسبة الى المتوسطات الوطنية). والعامل الثاني هو اجتماع هذه المؤشرات التنموية الاقتصادية والاجتماعية المتدنية مع وضع سياسي غير مستقر، ومع تفجيرات امنية مزمنة في المدينة منذ 1980، مرت بمراحل متعددة آخرها سلسلة جولات (تزيد عن عشرين جولة) من الأحداث الأمنية منذ عام 2008، عطلت الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المدينة، وزاد الاوضاع خطورة ان طرابلس (والشمال وعكار) هي بالاضافة الى البقاع مناطق استقبال نسبة كبير من اللاجئين السوريين منذ عام 2011.
تعبّر الورقة عن قلق من أن استمرار الوضع الحالي في طرابلس (أو في مناطق أخرى من لبنان تعاني من مشاكل مركبة مشابهة) يمكن ان يشكل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في لبنان كله. كما ان اطلاق مسار تنمية شاملة في طرابلس (واستطراداً في الشمال وعكار) من شأنه ان يشكل فرصة سياسية واقتصادية للبنان تتيح امكانية حقيقية لنمو اقتصادي مستدام في المديين المباشر والمتوسط ـ البعيد الأمد، تسهم في اخراج الاقتصادي اللبناني من ركوده.
لذلك، فإن الدعوة تتضمن:
أ ـ الخروج من حال التهميش والتدهور الشامل المستمر في مدن اتحاد الفيحاء من جهة؛
ب ـ وادراج ذلك في اطار مشروع رؤيوي لدور مدينة طرابلس ومحيطها في اطلاق دينامية تنمية ونمو اقتصادية يكون لها مفاعيل ايجابية على الوضع في المدينة نفسها، وفتح نافذة اضافية لاستعادة النمو ومسار التنمية الشاملة وطنياً.
وحددت الورقة استراتيجية التنمية تشمل:
1 تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة طرابلس (والشمال وعكار) المقرة مركزياً، مع الحرص على مراعاة الأثر البيئي والاجتماعي؛ وغيرها من المشاريع ذات الأثر المشابه.
2 تحسين استخدام المجال الجغرافي والحيز العام للمدينة، والتنظيم المكاني للأنشطة الاقتصادية وغير الاقتصادية، مع تحسين جاذبية المدينة.
3 الاستخدام الأمثل للقدرات العلمية والمهنية والمهارات المتوفرة، وصقلها، والاستثمار الأمثل للمجمع الجامعي وربطه بحاجات تنمية المدينة والتنمية الاقتصادية.
4 العمل على استعادة دور طرابلس كعاصمة اقتصادية لمحافظة الشمال ومحافظة عكار، من خلال التكامل مع الأدوار الاقتصادية للمحافظتين.
5 تطوير القدرات البشرية من خلال تحسين نوعية التعليم ومن خلال التدريب المهني الملائم.
6 دعم وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مختلف المجالات الاقتصادية: من خدمات، وحرف، وسياحة، وقطاعات اجتماعية، وتكنولوجيا المعلومات والصناعات التقليدية، مع التركيز على الشباب والنساء وذوي الإعاقات.
وإذا كان المؤتمر هو لتأكيد المؤكد، فإنَّ الطرابلسيين وكما تقولُ مصادرهم، على الدولة أن تتدخل، لانقاذ طرابلس وابقائها على رمق الحياة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.