لطالما تكررت المطالبة بالإسراع في إنجاز مشروع القانون الضريبي الخاص بالنفط والغاز، والذي على أساسه سوف تتقدم الشركات النفطية للمناقصات. فهذا المشروع يحدد كيفية تقاسم العائدات النفطية ونسب الضرائب التي تدفعها الشركات للدولة. إلا أن المعلومات الواردة عن هذا المشروع الذي اعدته وزارة المالية واحاله الوزير علي حسن خليل الى مجلس الوزراء لمناقشته، لا تزال شحيحة. فالى الآن، لم يتم تحديد موعد لمناقشة هذا المشروع ولم يدرج حول جدول اعمال مجلس الوزراء لاتخاذ الموقف المناسب منه. فهل سيكون مصيره مماثلاً لما آل إليه مصير المرسومين العالقين في مجلس الوزراء قبل سنتين؟ وهو ما يتخوف منه البعض لجهة تكرار سيناريو المماطلة التي تبدو عقدتها سياسية-تقنية، ليبقى المشهد النفطي مفتوحاً على كل الاحتمالات، لا سيما وأن نفق الانتظار الطويل للبنان، لا يبشر بالخير، مع إسراع دول الجوار الى الافادة من الوقت الضائع، وترجمته الى اكتشافات وتنقيب وبحث عن الأسواق، وهو ما يجعل لبنان يفوت الفرصة عليه.
وعلى أي حال، فقد وضعت الخبيرة النفطية كارول نخلة دراسة مقارنة مطولة عن الوضع النفطي في لبنان، كانت قدمت لها قبل أسبوعين في مجلس النواب، وحصلت المستقبل عليها، وهي تقع في 154 صفحة. ونظراً لأهمية الاطار الضريبي المتعلق بالموارد النفطية، تنشر المستقبل الجزء المتعلق بهذا الشق:
تؤكد الخبيرة نخلة أن المرء يستطيع أن يحتسب حصّة الحكومة الإجمالية في النروج واسرائيل فقط. أما بالنسبة الى قبرص ولبنان، فمن الصعب تحديد حصّة الحكومة، ذلك أن الشروط الضريبية لم تُقرّ بعد في لبنان، علماً أن البعض منها خاضعٌ للمزايدة في حين أن كل الشروط، باستثناء ضريبة دخل الشركات، خاضعة للمزايدة في قبرص.
تميل البلدان التي تتمتّع بإمكانات جيولوجية مؤاتية، وتكاليف تطوير متدنّية، وبنية تحتية حسنة التطوير،
ومخاطر سياسية منخفضة الى منح الحكومة حصّة أكبر من المناطق ذات الجيولوجيا الأقل مناسبةً، وكلفة
التطوير العالية، والبنية التحتية المحدودة/ غير المتوافّرة، والمخاطر السياسية العالية، كما هي الحال في
اسرائيل. بالإضافة الى ذلك، في حين يطبّق كلٌّ من اسرائيل والنروج ضريبة على الربح غير المتوقّع
windfall tax وضريبة دخل الشركات، مع فرض إتاوة في اسرائيل، تُعتبر حصّة الحكومة في اسرائيل أقلّ مما هي عليه في النروج. والسبب الرئيسي وراء ذلك، هو أنه يمكن حسم الضريبة على الربح غير المتوقّع من قاعدة ضريبة دخل الشركات في اسرائيل ولكن ليس في النروج.
لا بدّ أيضاً من الإشارة الى أن حصّة الحكومة تُستخدم كمقياس شائع لتقويم أداء النظام الضريبي. ولكن ينبغي توخّي الحذر عند القيام بذلك، لأن هذا المقياس يتغيّر على ضوء متغيرات متعدّدة ولا يكشف عن الخصائص المهمة لتوقيت الايرادات وتقاسم المخاطر. فعلى سبيل المثال، لا تلقي حصّة الحكومة النروجية الضوء على تقاسم مخاطر الاستكشاف، علماً أن هذا الأمر يشكّل ميزة رئيسة في النظام المُعتمد في هذا البلد. لهذا السبب، لا يمكن الحكم على أداء نظام ضريبي من خلال التركيز على إحدى الأدوات أو على أعلى معدّل مطبّق للضريبة لأن الأمر يؤدّي الى استنتاجات مبسّطة وغير دقيقة.
وتلاحظ نخلة أن قانون الموارد النفطية في المياه البحرية يضم عقداً لتقاسم الإنتاج باعتباره الإطار الضريبي للنفط والغاز. غير أن هذا القانون لا يتضمّن تفاصيل عن الشروط الضريبية التي ترد، عوضاً عن ذلك، في اتفاقية الاستكشاف والإنتاج. ولما لم يكن مرسوم الاتفاقية قد صدر بعد عن مجلس الوزراء، لهذا السبب، لا يمكن القيام بتحليل مفصّل قبل أن تصبح الشروط علنيّة. بالتالي، يستند التحليل الذي يرد في ما يلي على عروض قدّمتها هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان.
يشمل النظام الضريبي في لبنان ما يلي: إتاوة، واسترداد التكاليف، وتقاسم الأرباح ما بين الحكومة والشركة
التي تستخرج الموارد، وضريبة دخل على حصّة الشركة، ومشاركة الدولة.
تُفرض الإتاوة على النفط (وسوائل الغاز الطبيعي، إن توفرت) استناداً الى سلّم متحرّك يتغيّر وفق ارتفاع الانتاج اليومي، فيما يبقى معدّل الإتاوة المفروضة على الغاز ثابتاً بنسبة 4 في المئة. والإتاوة هي أداة تنازلية، ذلك أنها تُفرض بغضّ النظر عن الكلفة. ولا يتيح الربط ما بين معدّل الإتاوة والانتاج تخطّي هذه المشكلة لأن حجم الحقل هو مؤشّر سيئ عن الربحية. الى ذلك، يُعتبر الأساس الذي تمّ الاستناد اليه لتحديد هذا السلّم غير واضح.
قام بعض الخبراء غير الضريبيين بتقويم النظام الضريبي للبنان استنادا الى الإتاوة فقط، فندّدوا بالمستويات المنخفضة مقارنة بالمعايير الدولية. غير أنه يتعيّن أخذ كل الأدوات الضريبية ومعدّلها وتصميمها وطريقة
تفاعلها مع أدوات أخرى بالاعتبار عند تقييم النظام الضريبي للنفط.
وفي حال لبنان، لا بدّ من التنبّه بشكل خاص الى الأثر الصافي للجمع ما بين الإتاوة وسقف استرداد التكاليف، نظراً الى أنهما يحقّقان الهدف عينه. كما أنه من غير الشائع إيجاد معدّلات إتاوة مرتفعة مفروضة على الغاز الطبيعي، لأن الجوانب الاقتصادية لمشاريع الغاز تطرح تحديات تفوق تلك التي تطرحها مشاريع النفط.
وبإمكان لبنان الإبقاء على المعدلات المتمايزة ما بين النفط والغاز، ولكنه يستطيع أيضاً النظر في إمكانية
اعتماد معدّل منطقيّ ثابت للبترول بدل من السلّم المتحرّك.
يحقّق سقف استرداد التكاليف الهدف نفسه للإتاوة وهو يتمثّل باستحداث ايرادات للحكومة حالما يبدأ الإنتاج.
غير أن تطبيق الإتاوة سيؤخّر استرداد التكاليف بالنسبة الى المستثمرين ويمدّد بصورة إضافية فترة السداد.
وسيتمّ استخدام النفط المُتاح (الايرادات الصافية المتوفّرة لاسترداد التكاليف بعد دفع الإتاوة) جزئياً من قبل
المتعاقد لاسترداد التكاليف، استناداً الى مستوى السقف. وبالتالي، فإن الإتاوة، متّى طُبّقت، ستقلّص من كمية
النفط المتوافّر لاسترداد التكاليف، ما يطيل بدوره فترة استرداد التكاليف.
يستند تقاسم الأرباح الى العامل- ر (R- factor) الذي يُحتسب على أساس فصليّ كنسبة ما بين التدفّقات
النقدية الواردة التراكمية والنفقات الرأسمالية التراكمية، بحيث تساوي التدفقات النقدية الواردة التراكمية نفط الربح الزائد نفط الكلفة ناقص النفقات التشغيلية، منذ بداية فترة الإنتاج الى حين انتهاء الفصل. وينبغي أن تجعل آلية تقاسم الربح النظام تقدمياً أكثر مما هو عليه، رغم أن النتيجة النهائية تعتمد على المعدلات وعلى التفاعل ما بين مختلف الأدوات. ويعتمد بعض البلدان معدّلًا واحدًا لتقاسم الربح، بما أن الآلية تستند الى الأرباح وليس الايرادات، ما يعني أن معدّلاً واحداً يمكنه أن يحمي الطبيعة التقدّمية للنظام وأن تطبيق نطاقات متعدّدة غير ضروري بالتالي. وكان دمج المستويات قد لاقى الرواج عندما كان من الصعب تحديد معدّل واحد.
لم يتّضح بعد ما إذا كان سقف استرداد التكاليف سيُعتبر أحد المعايير الخاضعة للمزايدة، الى جانب تقاسم
الربح، أو ما إذا كان أحدهما سيُعتمد الى جانب برنامج العمل. في هذه الحال، يوصى بتحديد النطاق الذي
يمكن ضمنه تقديم العروض أو يوصى بأن يكون الحدّ الأقصى لسقف استرداد التكاليف والحدّ الأدنى لتقاسم
الربح ثابتَين.
وقد أعدّت وزارة المالية، بالتعاون مع هيئة إدارة قطاع البترول، مشروع قانون للضريبة على الدخل الناجم عن
الأنشطة النفطية، وهو مشروع قانون يغطّي كل المسائل المتعلّقة بضريبة الدخل والمنطبقة على قطاع النفط. ويبدو أن المعدّل العام لضريبة دخل الشركات البالغ 15 في المئة من الحصّة الإجمالية للمتعاقد من نفط الربح سيُعتمد. هذه هي على أي حال المقاربة المفضّلة دولياً.
ويشير قانون الموارد البترولية في المياه البحرية الى مشاركة الدولة (المادة 6) على أنها مشاركة في أسهم رأس المال متى تمّ الاكتشاف التجاري من دون تحمّل مخاطر الاستكشاف back-in right . وبموجب ذلك، تحتفظ الدولة بحقّ المشاركة بعد الإعلان عن اكتشاف تجاري. ولن يتمّ تطبيق الحكم الخاص بمشاركة الدولة خلال دورة التراخيص الأولى، إذ يتعيّن تحديد معدّل المشاركة وشكلها بعد. وان تمّ تطبيقها، واستناداً الى شكلها، ستزيد مشاركة الدولة من حصّة الحكومة الإجمالية.
وتلفت نخلة أخيراً الى أن نظام الضريبة على النفط في النروج، صُّمم ليكون حيادياً، فيكون أي مشروع استثماري مربح بالنسبة الى مستثمر قبل الضريبة مربحاً أيضاً بعد تأدية الضريبة. وتتيح هذه الميزة تأمين ايرادات مهمة للمجتمع النروجي، وتشجّع الشركات على تنفيذ مشاريع مربحة.
يبقى انه لم يتخذ اي قرار بشأن المشروع لا في الحكومة ولا في مجلس النواب خصوصاً وان بعض المراسيم لا تزال عالقة والتي يحتاحها مشروع القانون الضريبي حتى ان اقر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.