8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السنيورة: للتدرج في استعمال مواردنا ولا لتلزيم أكثر من بلوكين

قنبلة نفطية من العيار الثقيل فجّرتها أمس خبيرة الاستشارات النفطية كارول نخلة بإعلانها أن لبنان هو الحالة الوحيدة الذي لم يُكتشف فيه النفط والغاز ولا تتوافر فيه معلومات عن وجود موارد محتملة مثبتة. ففي حين يخوض السياسيون ووسائل الإعلام نقاشات مطوّلة حول المصطلحات التقنية وحجم الاحتياطي والموارد المتوفرة مع ما أدى إليه ذلك من تبنّي لتوقعات غير منطقية، بينما يقبع بلدهم في المرتبة 121 بين 156 دولة بالنسبة للقدرة على استقطاب شركات النفط.
وفيما أعلن رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة النائب محمد قباني، أن أسوأ ما في مسيرة الغاز والنفط هو الغموض المحيط بالمعلومات ومحاولة احاطتها في اطار من السرية على مجلس النواب، وقال إننا وحتى الآن لم نحصل على معلومات حول المرسومين الموجودين لدى الحكومة، وهذا أمر مستغرب ومرفوض، طالب بالشفافية والعمل فوراً على وضع سياسة نفطية لبنانية واضحة، وبوجوب اعداد استراتيجية للترخيص واضحة.
القنبلة التي تناثرت شظاياها في قاعة مجلس النواب، خلال محاضرة عن ادارة وحوكمة قطاع النفط والغاز في لبنان، تلقفها كل من الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس هيئة القطاع البترولي وسام الذهبي، والرد بكثير من الشفافية على الملاحظات التي أوردتها الخبيرة نخلة في الملخص التنفيذي عن مقاربة الوضع النفطي في لبنان مع قبرص واسرائيل والنروج.
ولم تسلم ورشة العمل من الحدية في النقاش، خصوصاً وأن الآراء ووجهات النظر في الموضوع النفطي متشعبة، سواء في موضوع الاتفاق مع قبرص أو على مستوى انشاء شركة وطنية أو الشفافية بالاضافة الى موضوع التلزيمات.
وقال السنيورة إنه قبل التأكد من أن هناك احتياطات عالية من الممكن استخراجها، من العبث، انشاء شركة النفط الوطنية، علما أنه من الضروري أن يكون لدينا مثل هذه الشركة، ولكن السؤال هو متى يجب أن تكون، ورأى أن هذا القطاع يتطلب منا الذهن المنفتح والقادر على ان يستفيد من نجاحات الآخرين واخفاقاتهم، وأن يحاول التدرج في استعمال هذه الموارد، فنحن لدينا 10 بلوكات ولا يعني ذلك أنه يجب علينا ان نقفز ونلزمها جميعاً، فهذا أمر عبثي، فالغاية هي أن نعرض ما عندنا ولا نلزم أكثر من بلوكين، وعلينا أن نركز على موضوع الجامعات لايجاد كفاءة في هذا القطاع، وكيف يكون اقتصادنا مميزاً ويتلاءم مع هذا القطاع، فلا يكون عندنا مثلما حدث في الدول الأخرى حيث كان النفط وبالاً وليس نعمة عندما ضرب القطاعات الأخرى، ولا نريد ان نقع مثلما وقعت الدول الأخرى بالأخطاء، وعلينا أن نتكيف وان نتطور مع المتغيرات الحاصلة.
وأشار السنيورة الى أنه في موضوع المصادر والاحتياط، فنحن نتكلم عن اعماق تصل الى 2000 متر، وهو ما يؤدي الى أنه ليس هناك من أمر ثابت في ما يتعلق بما يتعلق بالاحتياطات الا بالحفر والاستكشافات، وساعتها يمكن الحديث عن التوقعات. وعليه يجب أن يكون تهدئة للتوقعات، فالقطاع واعد جداً للبنان ليس فقط على صعيد النفط والغاز، بل لكل الخدمات التي من الممكن أن تنشأ عن هذا القطاع، من تفعيل للدورة الاقتصادية في لبنان من دون الوقوع في ما يسمى الوقوع بلعنة الموارد، وأن يكبر القطاع على حساب باقي القطاعات الاقتصادية كما حصل في بلدان أخرى، وأكد أن هناك شعوراً كبيراً لدى اللبنانيين أنه بمجرد الانتاج النفطي والغازي ستنتهي مشكلاتهم الاقتصادية. النفط لا يحل مشكلة مستمرة. يحل مشكلة اذا توقفت على فترة، ولكن اذا كانت مستمرة في سائر قطاعاتنا المالية والاقتصادية، فهذا الامر لا يوصلنا الى النتيجة المرجوة بل على العكس من ذلك، وهو ما يجعلنا نفرط بهذا المورد الناضب، وعلينا تعديل توقعات الناس، حتى لا يكون فقط التركيز كيف سنستخرج النفط ونأخذ الاموال، فهو لنا وللأجيال القادمة، وعليه يجب العمل على ايجاد حلول حقيقية للمشكلات المالية والاقتصادية والمشكلات المتعلقة بادارتنا في الشأن العام.
وأعلن الذهبي، أنه لا يجوز المقاربة مع النرويج، بل يجب المقاربة مع الدول التي تتشابه مع لبنان، لافتاً الى أنه غير صحيح أن لبنان ليس لديه خطة نفطية، وإن كان الامر يتطلب تجديدها، كما أنه لا مانع من دمج القانونين البري والبحري لاحقاً، علماً أن مسودة القانون أنجرتها الهيئة في العام 2014، ولفت الى أنه في الموضوع الضرائبي والرسوم فإنَّها وضعت لجذب الشركات خصوصاً وهذا يتناسب مع مسألة الانخفاض السعري للنفط القائم حالياً.
واذ نفى الذهبي أن تكون أية أرقام تتعلق بالاحتياطات أو القيمة قد خرجت من الهيئة، أكد أن الهيئة تعد الآن دراسة فيما يتعلق بالموضوع القبرصي وما يحدث في دول الجوار لرفعه الى وزير الطاقة آرتيور نظريان ومن ثم الى الحكومة لاتخاذ اللازم، ولفت الى أن موضوع الشركة الوطنية سيقوم بعد الاكتشافات والانتاج. وتحدث وزير الطاقة آرتور نظريان، عن الخطوات التي قامت بها الوزارة وهيئة ادارة القطاع البترولي، لافتاً الى أن الوزارة تعمل على دورة التراخيص الأولى.
وفي عرض دراستها المطول، قالت الخبيرة نخلة، إن النرويج وحدها اعتمدت سياسة نفطية رسمية واضحة المعالم، في حين نشرت إسرائيل على الموقع الإلكتروني لوزارتها غايات محددة. والأمر مماثل في قبرص، مع وجود تفاوت في درجات التحديد. أما في لبنان فإن غياب السياسة النفطية ذات الأهداف الواضحة لهذا القطاع يحتم الحاجة الماسة إلى وضع سياسة نفطية جديدة وحديثة. ولفتت الى أنَّ لبنان هو الحالة الوحيدة الذي أقر قانوناً منفصلاً يُعنى بالموارد النفطية في المياه البحرية والذي يفتقر إلى الدقة التي تتميز بها القوانين المماثلة للحالات الأخرى، لا سيما قانون النرويج. في حين أن في الحالات الأخرى يوجد قانون واحد يسري على كل أنشطة النفط والغاز في مرحلة ما قبل الانتاج، سواء أكانت الأنشطة تتم على البر أم في المياه البحرية، كما أنَّ لبنان هو البلد الوحيد الذي لا يشير إلى النفاذ العام إلى المعلومات المتعلقة بمسائل النفط والغاز في قانونه الخاص بالموارد الهيدروكاربونية، على الرغم من أن الأنظمة واتفاقية الاستكشاف والإنتاج تأتي على ذكر هذا الأمر. وأوضحت أنه رغم تعاون ومشاركة الجهات المعنية واضح في كل من الدول الأربع (لبنان، قبرص، اسرائيل والنرويج)، وإن بدرجات مختلفة، غير أنه لم ينهج الطابع الرسمي في لبنان. حيث تظهر المقارنة أيضاً اختلافات بين الحالات الأربع المُختارة، لا سيما:
- يعتمد كل من لبنان وقبرص والنرويج أسلوب التراخيص لمنح بترول وغاز. ولكن شروط التراخيص والمعايير الخاضعة للمزايدة تختلف من بلد إلى آخر. فقبرص تقف في أحد الطرفين، وتخضع كل الشروط الاقتصادية للمزايدة، في حين أن النرويج تركّز على برنامج العمل. ويدرس لبنان، من جهته، إمكان استخدام المعايير الضريبية كشروط خاضعة للمزايدة، إلى جانب برنامج العمل، رغم أن هذه المقاربة تتّسم بعيوب كثيرة. أما إسرائيل، فقد اعتمدت أسلوب تقديم الطلبات المباشر، غير أنها في آب 2016 أعلنت أنها ستبدأ بجولة التراخيص الأولى لها.
- يعتمد كلٌ من لبنان وقبرص الترتيب التعاقدي، فيما تتبع النرويج وإسرائيل نظام الامتياز. لم يتم إصدار الشروط الضريبية في لبنان بنسختها الأخيرة ولم يتم الإفصاح عنها بعد. أما قبرص، فتعتبرها كلها خاضعة للمزايدة. في النرويج وإسرائيل، تنصّ التشريعات على هذه الشروط وهي تنطبق على جميع المستثمرين، من دون أي تمييز. إضافة إلى ذلك، اعتمدت كل من إسرائيل والنرويج نظاماً بسيطاً نسبياً. والمثير للاهتمام هو أنه على الرغم من اعتماد النظام الضريبي للبترول في النرويج على أداتَين أساسيّتَين تستندان إلى الربح (ما من إتاوة أو أداة أخرى قائمة على الإيرادات)، فإن هذا النظام يستحدث الحصة الحكومية الأعلى التي تبلغ 78 في المئة، خصوصاً إذا قورنت بـإسرائيل التي تعتمد بشكل رئيس نظام الإتاوة، والضريبة على الربح غير المتوقع، وضريبة الدخل، غير أن الحصة القصوى لا تتجاوز 60 في المئة.
- ما زال على لبنان أن يتخذ قراراً بشأن شركة البترول الوطنية. فقانون الموارد البترولية في المياه البحرية لا ينص صراحة على ضرورة إنشاء هكذا شركة.
- بالنسبة إلى إدارة الإيرادات، لا يوجد حل مناسب للجميع. فاختيار الاستراتيجية والسياسات يعتمد على عوامل متعددة، مثل الظروف الاقتصادية وحجم الدين، وتوفّر رأس المال، وحجم الاحتياط، والإنتاج المحتمل للموارد الهيدروكاربونية، والسياق المؤسسي، والنظام السياسي للبلد، من بين أمور أخرى. وقد أنشأت النرويج من جهتها صندوق ثروة سيادياً هو الأكبر في العالم، وهو يعمل وفق قواعد تشغيلية صارمة. أما إسرائيل فقد أنشأت صندوق ثروة سيادياً، فيما تعمل قبرص حالياً على إنشاء هكذا صندوق. وبموجب القانون، من المفترض أن ينشئ لبنان صندوقاً سيادياً لإدارة إيرادات النفط المحتملة، غير أن الإدارة الناجحة لهذا الصندوق ستعتمد على قدرة الحكومة على تلبية مقتضيات محددة، لا سيما في مجال الحوكمة، ووضوح الأهداف والمهام، واستراتيجيات التخصيص، والقواعد التشغيلية، بالإضافة إلى أمور أخرى.
- يفرض القانون، في الحالات الأربع، قيام الحكومة بدراسة للأثر البيئي قبل البدء بأي نشاط بترولي، يطابق نظام الحوكمة البيئية في لبنان المعايير البيئية العالمية إجمالاً، غير أن الكثير من الثغرات ما زالت تشوبه.
- لم ينضمّ لبنان وقبرص إلى أي مبادرة شفافية دولية، مثل مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية وشراكة الحكومات المفتوحة، خلافاً للنرويج وإسرائيل. غير أن قبرص، بصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، قد اعتمدت نظام ضوابط وموازين جدياً مقارنة بلبنان.
وأشارت نخلة، الى أنَّ لبنان يعتبر من ضمن قائمة الدول التي انضمت حديثاً إلى ساحة النفط والغاز، حيث تقع على عاتق أصحاب القرار مسؤولية كبيرة رغم حتمية ارتكاب الأخطاء في المراحل الأولية.
عقب الورشة، طالب النائب عاصم قانصوه بإنشاء وزارة مختصة بالنفط، في حين طالب النائب نواف الموسوي بتعجيل القانون الضريبي لمناقشته، وقال إن لبنان تتهدده 3 أمور: العداء مع اسرائيل والتجاور في المنطقة الاقتصادية، التخوف من الشركات من السيطرة في ظل الفساد المستشري، وموضوع الاتفاقية مع قبرص حيث كان أداء المفاوض اللبناني سيئاً.
وهنا رد الرئيس السنيورة بأنه لا يمكن ان توقع اتفاقية دون جلوس الطرف الثالث، هناك مادة في القانون تنص على أنه على قبرص أن تتشاور مع الطرف الثالث قبل توقيع اتفاقية.
كما كانت كلمة مقتضبة للخبير وليد خدوري فيما يتعلق بالموضوع القبرصي-اللبناني، أما النائب جوزيف المعلوف فرأى أنه توجد قوانين تتعلق بالمساءلة والشفافية إلا أن المشكلة تكمن في عدم جود رئيس للجمهورية، أما مستشار لجنة الأشغال الخبير ياغي فرأى أن الشفافية لا تسوي مع المحاصصة الطائفية والسياسية، النائب باسم الشاب دعا لبنان الى البحث عن الأسواق للتصدير ودعا الى اعادة تشغيل خط الانابيب ليكون لبنان منصة تصدير للنفط الخليجي والافادة من موقعه الجيوسياسي، النائب ياسين جابر دعا الى التسريع في القانون الضرييبي واصدار المراسيم.
ويشار الى الورشة ادارة وحوكمة القطاع النفطي في لبنان نظمتها لجنة الاشغال بالتعاون مع مؤسسة ويستمنستر، حضرها عدد كبير من النواب، كما حضرها عدد من ممثلي عدد من الوزارات والسفارات وعدد من الخبراء وأعضاء هيئة القطاع البترولي، وعدد من ممثلي الهيئات المهتمة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00