كشفت مصادر مراقبة لـالمستقبل، أن هناك ضغطاً أميركياً كبيراً على لبنان لحل مشكلة البلوكات الجنوبية 8 و9 و10 المتنازع عليها مع اسرائيل، وذلك من باب المصالح الأميركية في المنطقة. وهو امر يفتح مجالاً للتكهنات أن لبنان ذاهب الى التفاوض مع اسرائيل في الناقورة برعاية الامم المتحدة، وهو ما لم تستبعده هذه المصادر، لأنه الطريق الوحيد أمامنا لقطع اليد الاسرائيلية من التمدد نحو ثروة لبنان النفطية والغازية.
وقالت المصادر إنَّ الرسالة التي تلقاها رئيس مجلس النواب نبيه بري من الأميركيين، واضحة، ومفادها ان الجانب الاميركي مستعد لتفكيك فتائل التفجير النفطية في ضوء بروز مؤشرات الى أرجحية فوز شركة اكسون موبيل الأميركية العملاقة بحقوق التنقيب عن النفط والغاز تحت البحر قبالة الساحل الجنوبي لقبرص.
وتقول المصادر ان هذا السباق المحموم بين دول الجوار، اي مصر وقبرص واسرائيل على الاكتشافات والانتاج النفطي والاتجاه نحو حجز اسواق لها، سيفوت فرصة كبيرة على لبنان لجهة احتمال ان تدير شركات النفط العالمية ظهرها للبنان بسب الخلافات السياسية القائمة وعدم وضوح مستقبل هذا القطاع. ومن هنا يأتي تخوف المعنيين بالشؤون النفطية في لبنان، من انه في حال فوز اكسون موبيل بالتراخيص المذكورة اعلاه، فان هذه الشركة ستتمكن بالتالي من التنقيب في المياه القريبة من حقل ظهر المصري الذي اكتشفت فيه شركة ايني الايطالية اكبر حقل غاز طبيعي في المتوسط في آب 2015 (يقدر مخزون هذا الحقل بنحو 850 مليار متر مكعب). بالاضافة الى ذلك، فان كلا من قبرص ومصر يسعى لنقل الغاز من حقل افروديت القبرصي الى مصر عبر انبوب بحري، تأمل نيقوسيا من خلاله بتصدير الغاز، وربما النفط، الى الاسواق الاوروبية خصوصا بحلول 2022.
وكان الرئيس بري قد تلقى عبر السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيت ريتشارد رسالة من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين، حول العرض الذي كان تقدّم به رئيس المجلس لمعالجة مسألة ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، ومعاودة المحادثات في هذا الشأن.
وتأتي الرسالة الأميركية أيضاً، في ضوء المعلومات التي تقول ان اسرائيل بصدد اجراء مناقصات للتنقيب على بلوكاتها النفطية القريبة من لبنان (نحو 30 بلوكاً)، وهذا بحد ذاته مصدر قلق على المكامن المشتركة بين لبنان واسرائيل.
كما أنها تأتي بالتزامن مع استئناف العلاقات بين تركيا وروسيا، القوتان اللتان تسعيان الى فرض نفوذهما في منطقة البحر الاسود الاستراتيجية ومنطقة الشرق الاوسط، حيث كان النفط هو الطبق الرئيسي بين رئيسي الدولتين فلاديمير بوتين ورجب طيب أرودغان. إذ قال هذا الاخير أنه يريد الآن ان ينفذ مشروع تركستريم بالسرعة الممكنة، بينما قال بوتين ان العمل في المشروع قد يبدأ في المستقبل القريب، وهو ما يثير فعلياً المخاوف في لبنان إن لجهة الأسواق أو الأسعار أو لجهة ادارة الشركات ظهرها للبنان في ظل التخبط السياسي القائم.
وتتقاطع هذه المعطيات الجيوسياسية للنفط، مع المعطيات التقنية والتشريعية التي أعلنتها مساعدة المدير في وزارة البترول والطاقة النروجية مات آغيراب، التي أعلنت أن لبنان متقدم بشأن التشريعات والنظم الادارية وفي مسألة العقود والسلامة والبيئة.
وقالت آغيراب التي تحدثت مطولاً، في ندوة متخصصة عن الاطار التشريعي لقطاع النفط والغاز مخصصة للصحافيين ومنظمات المجتمع المدني في لبنان، إنَّ لبنان استفاد فعلياً من برنامج التعاون مع النروج إن لجهة وضع التشريعات أو لجهة النظم الادارية، لافتةً الى أنَّ لبنان وضع سياسة نفطية واستراتيجية مهمة في هذا المجال. وأضافت الى أن لبنان يحتاج فعلياً الى الشركات العالمية، وأن هذا يتماثل مع ما قامت به النروج مع بداية استكشافاتها النفطية في العام 1965، وأن الشركة الوطنية النروجية لم تنشأ إلا بعد سبعة أعوام من الانتاج.
وقالت الخبيرة النروجية، إن لبنان حقق تقدماً رائعاً في مجال التشريعات والقوانين والعقود ذات الصلة، وهو مهم جداً بالنسبة للمفاوضات لاعطاء شروط تفضيلية للبنان سواء في مجال الفوائد المالية والاقتصادية خصوصاً وأنَّ الشركات لديه قوة.
وأوضحت أنّ لبنان عليه أن يعرف أن الموارد النفطية غير قابلة للتجدد، وما قام به لبنان من مسوحات مهم اذ يتكامل مع القدرات البشرية التي يذخر بها لبنان، وهذا ما جعل النروج تتعاون مع لبنان في هذا المجال منذ 2007، واعطائه أفضلية عن سواه.
ودعت الخبيرة النروجية اللبنانيين، الى تفادي المرض الهولندي، أي الاتكال فقط على الموارد النفطية والغازية على حساب القطاعات الاخرى، التي عليها أن تواكب الفورة النفطية المنتظرة، بحيث تكون فرص العمل متاحة للجميع، وأمَّا الامر الآخر فهو الشفافية التي عليها أن تتكامل مع هذا الملف. ورأت آغيراب أن على لبنان الاتجاه نحو سياسة المحتوى المحلي، بحيث تكون 80 في المئة من الاعمال النفطية تستند الى هذا المحتوى سواء في مسائل السلع، أو صناعة السفن ومنصات النفط والانابيب، على أن تكون سياسة المحتوى المحلي هي للمدى الطويل.
وحذرت من أن الارباح النفطية ليست سريعة بل إن الارباح هي على المدى الطويل والتي ستنتظم من خلال الصندوق السيادي، وقالت إنه لا يمكن انشاء شركة نفط وطنية سريعاً قبل اكتساب الخبرات من الشركات النفطية القوية، وهذا ما بدأته النروج حين أنشأت شركتها الخاصة بها وجعلتها بداية شركة بنكهة نروجية، ومن ثم استقلت.
وفي سياق التأكيد على أن لبنان انتهى من المسائل التقنية والفنية، اعلن رئيس هيئة القطاع البترولي، وسام الذهبي أنَّ 80 في المئة من المياه اللبنانية مسحت بأبعاد ثنائية وثلاثية الأبعاد، وقال إن القوانين التي وضعتها الهيئة شملت كل المناحي التي يمكن أن تواكب فورة النفط والغاز، من البيئة الى الاموال الى السلامة العامة، وحتى سياسة المحتوى الكلي التي بموجبها سييكون 80 في المئة من اللبنانين هم من العاملين في القطاع النفطي، وقال إن قرار إنشاء الشركة الوطنية هو قرار سياسي، ويرتبط بالكميات التجارية.
ولم يخف الذهبي أن المسألة النفطية في لبنان، هي مسألة سياسية ومرتبطة بها، والاجماع السياسي مهم من أجل النهوض بالقطاع، مشددا على ان هناك ثمة توافقا على التلزيم التدريجي للبلوكات.
وإذ حيا اجتماع السياسيين على الامر النفطي، رفض الذهبي مقولة الاستنساخ النروجي، وقال إن نظامنا هو نظام تعاقدي ولديه معايير مختلفة عن النموذج النروجي. وأوضح اننا تلقينا مساعدات تقنية من صندوق النقد والبنك الدوليين وسنتلقى من الاتحاد الاوروبي ولا سيما في المجال الاستشاري، لافتاً الى أن مسائل التدقيق والمحاسبة والمراقبة ستترافق مع بداية الانطلاق في عمليات الاستكشاف والتنقيب.
ومع ما كل تقدم، ينبغي اخذ العبر والاقتداء بتجربة النروج التي تتمتع بتعدد الاحزاب والمعارضات لكنها آثرت وضع خلافاتها جانبا والاتحاد والتوافق على ثروتها الوطنية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.