أحال رئيس مجلس النواب نبيه برّي سريعاً اقتراح القانون المتعلق بالموارد البترولية في الأراضي اللبنانية، أي البر، الى اللجان النيابية المشتركة فور تسلمه الاقتراح المذكور من رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة النيابية النائب محمد قباني أول من أمس. وهي إشارة واضحة الى السباق الزمني الذي يخوضهُ لبنان مع دول الجوار التي بدأت عمليات الاستكشاف والتنقيب، فيما لبنان يتعثَّر سياسياً وتقنياً على مستوى التقدم لا سيما في الموضوع البحري.
لا شك أن عدم اقرار المرسومين الخاصين بتقسيم البلوكات، ونموذج الاستكشاف والانتاج في مجلس الوزراء سيؤخر انتاج النفط ما لا يقل عن 8 سنوات. ومن الخبراء من يتوقع تأخراً أكثر من ذلك إذا ما بقيت حال المراوحة السياسية، خصوصاً وأنَّ الرئيس تمام سلام يبدو متريثاً ومتهملاً، بعد تلقيه عدداً من النصائح والملاحظات على المرسومين المذكورين، كما تشير مصادر حصلت عليها المستقبل.
ويشمل اقتراح قانون النفط البر ((onshore، من الاستطلاع الى الاستكشاف، فالانتاج والنقل والتخزين والتصفية والبيع، وتحديد العائدات النفطية التي سيقتطع منها رسم خاص بالبلديات قبل ان توضع في صندوق سيادي، على أن تحصل الشراكة بين الدولة والشركات الخاصة. اضافة الى انشاء شركة نفط وطنية تؤسس لخبرات وطنية محلية. وإذا كان مشروع التلزيم البحري جاهزاً، فلا يعني ذلك أن بدء الأعمال وظهور النتائج سيكون قريباً، بينما تبدو الآية معكوسة في ما يخص النفط البري، في ظل مؤشرات إيجابية أظهرتها المسوحات، والسبب أن عملية التنقيب تحت سطح البحر مكلفة أكثر من التنقيب فوق سطح الأرض، خصوصاً في لبنان.
وفي المقابل، فإن الحفر في البر يكون سريعاً (أشهر قليلة بعد التلزيم) وأقل تكلفة، وعملية نقل آلة الحفر (OIL RIG) تكون سهلة جداً (في البحر تحتاج إلى شهور بينما في البر تحتاج إلى أسابيع).
يعتبر النائب قباني، أن طرح اقتراح التنقيب البري الآن، لم يتأخر، إنما ما حصل هو نتيجة الاكتشافات البحرية السريعة في المنطقة، وهو ما دفع للاسراع في التركيز على التنقيب البحري. إلا أنَّ ثمة معوقات، يقول، لا تزال تعترض الملف البحري، منها الترسيم في المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اسرائيل أو المعوقات مع قبرص، أو على مستوى التوافق الداخلي لاقرار المرسومين في الحكومة. ويلفت الى ان المشكلات التقنية والسياسية التي يواجهها لبنان في البحر لن يواجهها في البر، متحدثا عن نقطتين:
- الأولى: ان قاعي البر والبحر في لبنان متكاملان، ولا يوجد أي حاجز طبيعي بينهما، وبالتالي فإنه حين وجود موارد بترولية وغازية في أحدهما، من الطبيعي أن تكون موجودة أيضاً في الجانب الآخر. وقد أظهرت الدراسات والمسوحات التي اجرتها الشركة الاميركية-البريطانية TGS التي قامت بمسوحات في كل الحوض الشرقي - أي المنطقة البحرية الممتدة بين لبنان وفلسطين ومصر وسوريا وقبرص - وجود كميات هائلة من الغاز في هذا الحوض. وبالتالي فإن هذا الحوض هو امتداد فعلي لليابسة، والتي من المتوقع أن يكون لديها التضاريس الجيولوجية نفسها.
- الثانية: جرت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي عمليات تنقيب في بعض المناطق اللبنانية، الا انها توقفت بعد فترة بسبب تكلفة التنقيب العالية مقابل سعر برميل النفط الذي لم يكن يتجاوز الـ4 دولارات، مما جعل هذا التنقيب غير مجدٍ اقتصادياً.
يشار الى أنَّ البحث عن النفط في لبنان، بدأ أيام الانتداب الفرنسي عندما أصدر المفوض السامي الفرنسي هنري دو جوفنيل العام 1926 تشريعاً أجاز فيه التنقيب عن مناجم النفط والمعادن واستثمارها واستخراجها، ولاحقاً أجريت العديد من الدراسات لمعرفة وجود ثروات معدنية وغازية في لبنان، أبرزها الدراسة التي أعدها الباحث الفرنسي لويس دوبرتريه Louis Dubertret في العام 1932، ودراسة أخرى أجراها الجيولوجي الأميركي جورج رونوراد Renouard عام 1955 توقع فيها وجود نفط في لبنان. وفي العام1946، قامت شركة نفط العراق IPC بأعمال الحفر في منطقة تربل في الشمال. وفي العام 1953، تمّ حفر بئر أخرى في منطقة يحمر في البقاع الغربي. وبين عامي 1960 و1961 قامت شركة ألمانية بحفر بئر لمصلحة الشركة ذاتها في منطقة عدلون. وفي العام 1963 عمدت شركة إيطالية إلى حفر بئرين في سحمر وتل زنوب (البقاع) كما في عبرين شرق البترون.
أضاف قباني استناداً الى هاتين النقطتين، أصبح من الضروري فتح ملف التنقيب في البر مجدداً، ومن هنا جاء التكليف من الرئيس بري، لاقتراح القانون هذا، والذي أوزع فيه مباشرة الى احالته للجان النيابية المشتركة لمناقشته. وأوضح أن الإستفادة من الثروات الوطنية، وفي مقدمها ثروة النفط والغاز، هي واجب وطني، خاصةً مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعانيها لبنان. كما أن التكامل بين استثمار هذه الثروة في البرّ، كما في البحر، هو أمر طبيعي. فقاع البحر هو استمرار لأرض البر، وبالتالي، فإن التكامل بين قانوني البرّ والبحر أمر طبيعي والمرجعية يجب أن تكون واحدة.
وأشار قباني الى أن هناك أساسيات راعتها المواد الـ87 التي تؤلف اقتراح القانون المقدم، وهي الآتية:
- أن يكون النفط والغاز في البر والبحر، تابعا لمرجعية واحدة هي إدارة القطاع النفطي ومن فوقها مباشرة وصاية من وزير الطاقة والمياه، على أن يكون مجلس الوزراء هو المرجعية النهائية.
- مراعاة أن واقع التنقيب على البر هو بخلاف ما يحصل في البحر. إذ أنه سيكون في الكثير من المواقع يقع على أملاك خاصة، والتي توجب تفاصيل قانونية متعلقة بهذه الاراضي سواء في لجهة الإشغال أو الاستملاك، فالتنقيب في البحر هو حق للدولة البنانية حصراً ثم في منطقتها الاقتصادية الخالصة.
- إن تكلفة التنقيب هي أقل تكلفة وبشكل ملحوظ عن التنقيب في البحر، فالأعماق في البحر قد تصل الى نحو 1500 متر.
- استناداً الى هذا القانون، ستقسم الأراضي وتحدد وفقاً لاحداثيات، وذلك من خلال مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. ومن الممكن أن تكون رقع مشتركة بين البر والبحر، وهي ستحدد أيضاً بمرسوم في مجلس الوزراء.
- من الضروري الاشارة الى أن ملكية الموارد البترولية والغازية، هي للدولة اللبنانية حصراً، حتى لو كانت ضمن أراضٍ خاصة.
- اقتراح القانون يشمل امورا مشتركة ما بين القانون البحري والبري، اذ فيه اطلاق دورات التراخيص وانشاء شركة وطنية.
- يتم اقرار نصوص الاتفاقات في البر مثلما هي في القانون البحري.
- يتطرق الاقتراح المذكور الى أهمية حماية الارث الثقافي فور البدء بعمليات التنقيب، حيث ستحدد أصول عمليات التصرف في مثل هذه الحالات.
- هناك مسائل تتعلق بالاتاوة وتقاسم الانتاج والرسوم مشابهة تماماً لما هو موجود في موضوع التنقيب في البحر.
- يحرص الاقتراح المذكور على تأمين الصحة والسلامة والعوامل البيئية، وهذه الامور تتم بموجب قرارات تصدر عن مجلس الوزراء.
يبقى أن اقتراح القانون هذا لم يتطرق الى مسألة ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا، والتي من الممكن أن يتواجد فيها مكامن غازية ونفطية مشتركة بين الدولتين، ستشكل في المستقبل مشكلة. يقول قباني ما زلنا في البدايات وكل شيء سيعالج في حينه في اللجان المشتركة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.