مليارا دولار سنوياً هي خسائر الدخل القومي اللبناني نتيجة زحمة السير، كما تشير دراسات أعدتها جامعتا هارفرد ولويزيانا الأميركيتان والحكومة اللبنانية، بفعل الوقت الضائع الذي يخفّف الإنتاجية، وحرق الطاقة، وصيانة السيارات، فبيروت كما المدن الأخرى في البلاد تحولت الى كاراجات كبيرة للسيارات العابرة فيها، فبيروت ووفقاً لاحصاءات مجلس الانماء والاعمار، يدخلها نحو 400 ألف سيارة يومياً، 294 ألف سيارة من المدخل الشمالي، و126 ألف من المدخل الجنوبي، ونحو 95 ألف من المدخل الشرقي، في لبنان نحو 1،6 مليون سيارة ومركبة مسجلة، إلا أنَّ السيارات المخالفة والسيارات الأجنبية التي زادت مع النازحين، حولت لبنان وبالتالي فإن المسألة ليست مسألة طرقية فحسب بل هي أيضاً سياسية، مع الحمايات التي يوفرها السياسيون لأصحاب المحال التجارية التي تقع على الطرقات العامة، من خلال ركن السيارات دون قمعها، يضاف الى هذا الهدر الزمني إذا اعتبرنا ان كل سيارة فيها شخص واحد، تعبر على كل مدخل من المداخل الثلاثة للعاصمة تهدر15 دقيقة اي ربع ساعة في عرقلة السير، وتأخير الوصول الى مقصدها، وبدون احتساب الفاتورة الصحية الناجمة عن التلوث،
طريق جونية لديها مشكلتان طريق ضيقة، ولا تستطيع استيعاب الزحمة، وبالاضافة الى استعمال الطريق كزاورب والسيارات تقف أمام المحال التجارية الكبرى، والاوتوستراد لا يستعمل لوظيفته الاساسية، واذا بقي كل الاوتوسترادات ستتحول الى غير شبكة صالحة للسير، فعقدة السير في لبنان والتي تبدو عصية من وجهة نظر اللبنانيين، يمكن حلها في لو التزم المواطن بقوانين السير، وفي ما لو توافرت الارادة الفعلية لحل الأزمة المتكررة والتي تستنفد طاقات المواطنين وأعصابهم مضافاً اليها الهدر الذي يكبد الاقتصاد خسائر جمة، ولا سيما في الصيف حيث يشكل الاختناق المروري أزمة للسائحين الوافدين الى لبنان.
بعد انتهاء الحرب اللبنانية توالت البرامج والخطط لإعادة بناء لبنان، منها برنامج التأهيل العاجل في العام 1991 الذي تبنته الحكومة وبرنامج الأفق 2000 في العام 1993 و الخطة الخماسية للتنمية الاقتصادية. وفي العام 1999 والبرنامج الانمائي في العام 2003 نتيجة ذلك، شهد قطاع النقل البري للاشخاص، ومنذ العام 1992 حتى اليوم، ورشة ضخمة من عمليات الترميم وإعادة التأهيل على شبكة الطرق في لبنان بالاضافة الى شق وتنفيذ طرق جديدة. وقد بلغت قيمة المشاريع المعقودة في هذا القطاع منذ العام 1993 وحتى العام 2014 حوالي 2258،33 مليون دولار، منها 1273،58 مليون دولار قيمة المشاريع المنفذة لغاية نهاية عام 2014
و984،75 مليون دولار قيمة المشاريع التي ما يزال تنفيذها جارياً لتاريخه. ولكن مشروع النقل الحضري الذي كان يفترض به أن ينتهي العام الجاري لم ينتهِ، ومشروع تطوير النقل الحضري لبيروت الكبرى وجبل لبنان، كان هدفهُ تسهيل حركة السير في بيروت الكبرى وهو يتألف من ثلاثة أجزاء. تحسين محاور السير الرئيسية، ويتضمن انشاء جسور وأنفاق عند 19 تقاطعاً للطرق، وتنفيذ أشغال أخرى على امتداد الطرق الرئيسية. تركيب 330 اشارة ضوئية للسير، و 30 كاميرا لمراقبة السير، واشارات للمرور، وتخطيط الطرقات بعلامات السير، وانشاء مركز مراقبة وادارة لحركة السير، وتحسين ممرات المشاة. برنامج ادارة مواقف السيارات مع عدادات للوقوف بسعة 5000 موقف سيارة، على الرغم من مشاريع داخل هذا المشروع قد أنجزت، وترى دراسة وضعها مجلس الانماء والاعمار، ان اعادة احياء بيروت كعاصمة عالمية كبيرة تتوجب خطة للنقل تتلاءم مع هذا الهدف في سنة 2015، أي العام الماضي، متوقعة أن يقطن منطقة بيروت مليونا نسمة، كما تشير الى أن الطلب على النقل سيصل الى نحو 5 ملايين رحلة في اليوم في منطقة بيروت الكبرى بحلول 2015.
وقال مدير المشروع في مجلس الانماء والاعمار المهندس ايلي حلو، لـالمستقبل مشروع النقل الحضري لم ينتهِ بمجمله، لعدم وجود تمويلات ولا سيما لمشروعي غاليري سمعان والدكوانة، فهناك قسم يحتاج الى تمويل داخلي لاجراء استملاكات، وهذا غير متوفر الآن، وهناك جزء يحتاج تمويلاً خارجياً أيضاً هو غير موجود، والسبب أنه منذ العام 2010 والدولة تعيش في حالة سياسية واقتصادية ضبابية.
ولفت الحلو الى أنَّ موضوع عرقلة السير هو من طبيعة المدن، وهي تزداد من سنة الى سنة، وهذا مرتبط بالنمو، لأن وسيلة النقل الوحيدة في لبنان هي السيارة، وما من وسائل نقل أخرى، وفي ظل غياب وسائل أخرى ينمو الطلب على السيارات، ووسائل المواصلات هي الطرق الموجودة غير القابلة للتوسع، وكلما وسعنا طريقاً تزداد القدرة الاستيعابية عليها وبالتالي تخدمنا سنة أو سنتين، ونحن نعمل لايجاد وسائل نقل اخرى، والانماء والاعمار يعمل على خطة للنقل العام في اطار مدينة بيروت الكبرى وخارجها، وبالتالي الآن يجري العمل مع البنك الدولي لشراء باصات وادخال نمط جديد من الباصات السريعة (BRT) Bus Rapid Transit)، والتي تعني أن الباصات ستمشي على خطوط محددة لها، بسهولة على غرار ما يحصل في مدينة اسطنبول، ولا تدخل عليها السيارات بشكل أنه يستطيع أن ينقل أكبر عدد ممكن من الركاب بسرعة ووتيرة عالية، ليخدم زيادة النمو في الركاب، ونحن ما زلنا في اعداد الدراسات لنحو 6 أشهر ودراسات بيئية 7 أشهر، وبنتيجة الدراستين اللتين سترفعان الى مجلس الوزراء سيتم التواصل مع البنك الدولي لانشاء نظام كلي ضمن شبكة الطرقات، وهو لا علاقة له بالنقل الحضري، وبالتالي في نوع من التكاملية بين الباصات العادية والباصات السريعة، وشبكة الباصات سوف تكون ضمن بيروت الكبرى، تتيح التنقل من بيروت إلى جونيه وصولاً الى طبرجا، على أن تكمل طريقها على الاوتوستراد العادي، ونحضر ايضاً لمدخل بيروت الجنوبي، ونحن نجري محادثات مع البنك الاسلامي وفي مرحلة ثالثة يضع مجلس الانماء والاعمار نصب عينيه دراسة حلول في ما يتعلق بالمدخل الشرقي.
أما ما يتعلق بأزمة المواقف وتأمينها، فيؤكد حلو هي ليست جوهرية في الأمر، والمواطن الذي يشتري سيارة، الدولة غير مجبرة على تأمين موقف له، لأن ذلك من مسؤوليته، على الناس ادراك أهمية ذلك. ونسبة استعمال السيارة هي 1.6 كمعدل وسطي وهي مرتفعة اذا ما قورنت بالمعدل الوسطي في دول العالم الذي يصل الى 2.5، في لبنان هناك تكلفة زهيدة لاقتناء سيارة في لبنان، وهذا ما يزيد في أعداد السيارات، وهناك قبول أيضاً على اقتناء الدراجات التي من الممكن أن تشكل خطراً على السلامة العامة.
واعتبر حلو أن مشروع النقل الحضري مضافاً الى مشروع BRTالذي ستكون تكلفته نحو 250 مليون دولار، من الممكن أن يشكلا حلاً لكن ليس قبل سنتين على الأقل، ولكن يمكن التخفيف من حدتها عبر ازالة المعوقات عن الطرق ولا سيما البسطات وهذا من عمل البلديات، وهذا ليس موضوعاً تقنياً، وأوضح أن مجلس الانماء والاعمار بدأ الآن مرحلة تنفيذ مشروع سكة الحديد في الشمال بتكلفة تصل الى 90 مليون دولار للمشروع، وهذا المشروع سيربط بين طرابلس وسكك الحديد في سوريا لجهة الشمال ومنها الى المشرق العربي، وهو سيستخدم للأغراض التجارية ونقل الركاب.
ودعا حلو اللبنانيين، الى الالتزام بقيادة سوق المركبات، التي تشكل جزءاً لا يستهانُ به من المشكلات والتخفيف من الدراجات النارية، فبيروت تحولت الى موقف لان الطريق لا تستعمل لهدفها الاساسي.
ويشار الى أن اللجنة النيابية المختصة تابعت أكثر من مرة موضوع أزمة السير والخطوات التنفيذية المطلوبة لحل مشاكل الأزمة وتخفيف الازدحام المروري، إلا أن السؤال اليومي للمواطن متى ستوضع خارطة الطريق لحل أزمة السير قبل أن تصبح أزمة عصية كأزمة الكهرباء وغيرها..
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.