8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طرابلس تشكو فقدان الإنماء السياحي وتستنجد بالإعلام والدولة

عاد ملف السياحة الى العاصمة الثانية، الى الواجهة، مع بداية تشكيل هيئة تأسيسية للمجلس السياحي في طرابلس، والذي من المنتظر أن يقوم وفدٌ منهُ بزيارة اليوم الى وزارة السياحة للقاء الوزير ميشال فرعون، وبحث مشكلات واقع القطاع، خصوصاً وأن أرقام السياح والوافدين الى طرابلس غير مشجعة أبداً، رغم كل المقومات التي تضمها المدينة، وهو ما يأسف حيالهُ الطرابلسيون خصوصاً وأن واردات القطاع إذ أُحسِنَ استنهاضه، من الممكن أن يشكل استنهاضاً للواقع الاقتصادي المأزوم في المدينة، في ظل المؤشرات السالبة لأعداد الفقراء، وتسب البطالة المرتفعة بالمقارنة بين طرابلس وسواها من المناطق.
وفعلياً، فإن السياحة الطرابلسية تعيشُ مأزقاً جدياً، يتلخص بضعف الزائرين والسياح، وبحسب الاحصاءات السياحية التي حصلت عليها المستقبل من وزارة السياحة، فقد بلغ عدد السياح الى العاصمة الثانية في العام 2012 نحو 3.247 وفي العام 2013 نحو 1.153 سائحاً، وفي العام 2014 نحو 1.465 سائحاً، وفي 2015 بلغ عدد السياح 2.129 سائحاً، أما نسبة التغيير بين 2012 و2013 فهي -64.49 في المئة، وبين 2013 و2014 فهي 27.06 في المئة، وبين 2014 و2015 فهي 45.32 في المئة.
وتصبح هذه الأرقام مدعاةً للتساؤل، مع تصنيف طرابلس، المدينة الثانية في العالم العربي من حيث الآثار المملوكية، كما أنها من أهم المدن السياحية على المتوسط، بوجود أكثر من 134 أثراً ومعلماً سياحياً، غير مستغلة، مع تغييب طرابلس عن الخارطة السياحية، واعتبارها كوجهة سياحية مفضلة للوافدين الى لبنان، ويستدل من أرقام الانفاق السياحي أن العاصمة الثانية لا تستحوذ على أكثر من 2 في المئة من انفاق السائحين مقارنة بـ81 لصالح العاصمة الأولى.
ويعزو خبراء من المدينة مسألة التراجع السياحي في المدينة، الى غياب الاستثمارات السياحية، فعدد فنادق 5 نجوم 18 فندقاً في لبنان، 95 منها في بيروت و5 في المئة في جبل لبنان، أما في طرابلس، فلا يوجد فيها سوى فندق كواليتي إن إضافة الى فنادق صغيرة وغير معروفة، الأمر الذي يجعل مؤشرات النمو السياحية الإيجابية غير منافسة على الإطلاق.
ويرى كثيرون أنَّ معالجة ضعف الحركة السياحية الشمالية يجب أن تبدأ من البحث عن آفاق تسويق الشمال سياحياً لاستدراج الزبائن، من خلال التركيز على سبل انماء السياحة شمالاً، من خلال جذب السائح الشمالي أو اللبناني، ومن ثم جذب السياح من البلدان العربية والأجنبية، إلا أنَّ ذلك يتطلّب جهوداً مضاعفة، يأتي في مقدمها غياب طرابلس عن الخارطة السياحية للبنان، لا سيما من مطار رفيق الحريري الدولي ومكاتب السفر والسياحة المعروفة، والذي يشكل حالة من القلق للمسؤولين، بسبب استبعاد طرابلس سياحياً، وعلى عدم تسويقها أسوةً بالمناطق الأخرى التي تشهد أعداداً كبيرة من السائحين والزوار.
زيارات قليلة قام بها وزراء السياحة الى طرابلس، والحديث عن سياحة لكل لبنان كما الانماء المتوازن، بات قولاً لا فعلاً، فهناك انكفاء عن المبادرة من المهتمين بالشأن الاقتصادي/السياحي، ويطالب المعنيون وزارة السياحة إدراج طرابلس ضمن خططها المتعددة، وصولاً الى حالة الانماء المتوازن سياحياً، وكنقطة جاذبة للسياحة واستثماراتها، ويرىى هؤلاء أن المطلوب الآن من الوزارة إصدار أكثر من دليل حول مكونات الشمال السياحية والأثرية ومناطق الاصطياف والتزلج والرياضة البحرية فيه، وتطوير مكتب استعلامات الوزارة في هذا الشأن، وتشجيع إقامة المهرجانات السياحية، وإقامة مؤتمرات خاصة للأدلاء السياحين وتكثيف دورات التثقيف السياحي، على ان يصار الى تقديم خدمات نوعية بأسعار مخفضة، والسعي لادراج طرابلس ضمن لائحة المدن الأثرية العالمية، والتفكير باقامة متحف في الشمال يضم القطع الأثرية أو متحف للشمع، وتسليط الضوء على الصناعات الحرفية والتي تؤول للانقراض، أو معارض متنوعة. أما في ما يخص وزارة الاعلام، فيرى المعنيون ضرورة ايلاء طرابلس الصورة الايجابية وأن طرابلس لا يمكن اختصارها فقط بمناطق التوترات، التي انتهت فعلياً مع دخول الخطة الأمنية الى المدينة قبل سنوات، فطرابلس تشكل لوحةً حية بكافة مناطقها، وهذا ما يجب العمل عليه إعلامياً دون الانتقاص من حقها.
المجلس السياحي الذي يُنشأ حديثاً في طرابلس ويضم أطيافاً متنوعة من الهيئات المعنية وممثلين عن الأحزاب السياسية، سيطلب في أول زيارة له اليوم الى وزير السياحة ميشال فرعون، أن تبادر الوزارة الى تحريك موضوع الانماء السياحي، وتحقيق مطالب قطاعات السياحة في المدينة، ومعالجة المشكلات الآتية:
- ضعف البنى التحتية في بعض المناطق واستمرار انقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه اضافة الى تكلفة المنتج السياحي وقلّة إمكانات الترويج.
- تنشيط الاستثمار السياحي من خلال بناء فنادق ومؤسسات سياحية، يساير ويواكب المرحلة الاقتصادية، وهنا لا بد من وجود تعاون مع القطاع الخاص.
- انعدام جلب مجموعات سياحية الى طرابلس، عبر المكاتب السياحية الموجودة في الخارج، وهذا يتوقف على التعاون مع الاعلام والمؤسسات، حيث تفتقد طرابلس الى التسويق، لجذب السياح اللبنانيين.
- غياب سياحة المؤتمرات العلمية والدينية والبيئية والطبية والحرفية ورجال الاعمال من والى طرابلس، والأهم دعوة المغتربين الطرابلسيين الى زيارة مدينتهم، وقضاء عطلهم في العاصمة الثانية.
- تشجيع المكاتب السياحة والسفر لتقديم سلة متكاملة للسياح القادمين الى طرابلس.
- دعم طرابلس بما يمكنها من تفعيل المهرجانات السياحية أسوة ببقية المناطق، والاستفادة من معرض رشيد كرامي الدولي في هذا المجال.
- السعي لتحسين صورة طرابلس، وهذا دور السياسيين، وأن يكون هناك دعم للمجلس السياحي الذي يُنشأ حديثاً.
الواقع الحالي
في طرابلس هناك جمعية طرابلس السياحية التي لعبت دوراً مميزاً، منذ 2001 الى اليوم، رغم السنوات العجاف التي عرفتها العاصمة الثانية، وهي تعتبر الى الآن الجهة السياحية التي تملك شرعية على صعيد تمثيل هذا القطاع، ولديها تشاركية قوية مع بلدية طرابلس، حيث استطاعت أن تقوم بمهرجانات سنوية لفرق عالمية، إلا أنها كانت تخفف من نشاطها خلال الأزمات الأمنية التي عرفتها المدينة، حفاظاً على المواطنين والفنانين، كما يقول رئيس الجمعية محمد مجذوب.
وقال مجذوب لـالمستقبل، إن الاختلال السياحي في العاصمة الثانية، مردهُ الى الصورة السالبة لطرابلس في الاعلام، وهي جداً مغلوطة، وهذا يأتي بسبب الحديث عن السياحة مع أناس لا علاقة لهم بالشأن السياحي أو المجتمع المدني، دائماً اختيرت طرابلس كنموذج للوضع غير المستقر، وهذا غير صحيح أبداً، فطرابلس بالفعل شهدت أحداثاً مؤلمة، لكنها كانت محاصرة ببقعة جغرافية محددة وسرعان ما كان يستقر الوضع ويعود الى طبيعته، وما شهدته طرابلس شهدته أيضاً المناطق الأخرى، وبالرغم من ذلك كان لدينا اصرار لاقامة المهرجانات والأنشطة السياحية.
ويلفت مجذوب الى أن هناك سعياً حثيثاً لاقامة أنشطة شهرية دائمة للسياحة، وهذا سيتخذ مع المجلس الجديد للجمعية، الذي من المقرر انتخابه في الأول من آب المقبل، وبالتعاون مع المجلس السياحي للمدينة، الذي يُنشأُ الآن برئاسة يحيى فتال عضو المجلس البلدي الحالي، بهدف الترويج للسياحة في العاصمة الثانية، ونحن لا نريد أن نكون من ضمن الهمروجة السياحية في البلد، بيد أننا نحبذ سياحة اليوم الواحد، ولذلك نطلبُ دعماً من وزارة السياحية لاحداث صدمة ايجابية على هذا المستوى، وانطلاقاً من مبدأ الانماء السياحي المتوازن. مجلس وأوضح أن المجلس السياحي في طرابلس لا يتعارض ولا يتضارب مع مشاريع الجمعية التي ستكون مكوناً أساسياً فيه، سيما وان الهدف هو اعادة طرابلس الى الخارطة السياحية.
وقال إن من أبرز المعوقات السياحية في المدينة، هو عدم وضع طرابلس على الخارطة السياحية، كما أننا نحتاج الى أدلاء سياحيين ناشطين، ونحن كجمعية أهلنا نحو 450 مرشداً، وتفعيل المجتمعات المحلية وتأهيلها نحو ثقافة سياحية، فطرابلس لديه الكثير من المحفزات إن على مستوى المراكز الأثرية والمعالم السياحية من منتجعات ومطاعم، إضافة الى العامل السعري المقبول بالمقارنة مع المناطق المعروفة سياحياً، لكن ذلك يحتاج فعلياً الى استثمارات في هذا القطاع، كانشاء فنادق وقصر للمؤتمرات، وتسليط الضوء على أن طرابلس هي متحف حي، فهناك مثلاً خان العسكر الذي تمَّ تأهيله، لكن للأسف لم يتم فتحه أمام الزوار من قبل الدولة، لأسباب أمنية كما تقول الدولة، وهنا أناشد وزيري السياحة والثقافة، لاعتبار طرابلس كنزاً سياحياً غير مستغل.
أمّا الخبيرة في الشؤون التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعضو المؤسس في المجلس السياحي لطرابلس ندى الشهال، فترى أن واقع السياحة في العاصمة الثانية هو الى تحسن، مقارنةً مع الفترات السابقة، إلا أن القطاع في طرابلس يشكو من مسألة التنظيم وتجميع القدرات، وهذا ما سنعمل عليه من خلال المجلس السياحي، وفعلياً دورنا هنا هو تجميع القدرات ومعرفة الامكانات والبناء عليها لوضع دراسة علمية، تكون بمثابة منصة انطلاق للقطاع، فحتى وزارة السياحة لم تعطنا احصاءات عن واقع طرابلس، اذاً علينا البدء لمعرفة مكامن القوة والضعف. وأضافت أن طرابلس عانت من صورة سلبية في الاعلام، إلا أنه لا يمكن نكران عدم وجود بنية تحتية تكون رافعة للسياحة بالاضافة الى انعدام الخدمات السياحية، رغم أن طرابلس تعتبر متحفاً حياً لكون 20 في المئة من أحيائها هي تراثية، أما الامر الآخر فهو يحتاج تعاوناً ما بين الدولة ممثلة بوزارة السياحة وبلدية طرابلس، ولتنمية السياحة الداخلية قبل أن يرتفع منسوبها وتتحول الى سياحة عربية ودولية. وتشير الشهال الى أنَّ المسألة تحتاج أيضاً الى دراسة حاجات السياح، قبل اطلاق أي مشروع، فلطرابلس ميزات خاصة من تكايا وزوايا وكنائس تعود الى العام 1500، فهناك ما يتجاوز الـ134 أثراً دينياً وغير ديني، والأهم هناك قلعة سان جيل التاريخية فوق كتف نهر أبو علي، وهذا ما يهتم له السياح الغربيون.
ورأت الشهال أن المطلوب من الدولة تسويق طرابلس، واستقدام شركات سياحية، وتشجيع السفارات لزيارة طرابلس، ورفع الظلم الاعلامي والسياحي عن طرابلس.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00