ارتفعت وتيرة الحراك النفطي على ايقاعين، داخلي وخارجي. الاول تمثل بتقارب عون- بري، فيما الثاني اقليمي تمثل باتفاقية المصالحة بين تركيا واسرائيل. هذه الاتفاقية يمكن ان يكون لها تداعيات أمنية واقتصادية في المنطقة، والتي، كما يرى الخبراء، تزيد من فرص نفوذ اسرائيل وقدرتها على التحكم بالحقول النفطية المشتركة والمتداخلة في حوض البحر المتوسط مع كل من لبنان وقبرص ومصر، وتضمن لها خطوط امداد غازها على الاراضي التركية باتجاه أوروبا، وتعطيها غطاء إقليميا لسرقة غاز شرق المتوسط. اضافة الى انها تساعدها في الانضمام الى التكتل النفطي في الشرق الاوسط المكون من تركيا واليونان ومصر للاستفادة القصوى من حقول الغاز في تلك المنطقة، وبالتالي الخشية من تحول الموضوع النفطي في لبنان الى لعنة موارد، وهذا ما يقتضي أن يبدأ به لبنان قبل الغد في رحلة النفط اللبنانية.
من هاتين الزاويتين، يرى رئيس هيئة ادارة القطاع البترولي في لبنان وسام الذهبي في حديث لـالمستقبل، ضرورة التعجيل في الملف النفطي واقرار المرسومين العالقين في مجلس الوزراء. ففي الزاوية الداخلية التي يصف فيها التفاهم بين حركة أمل والتيار الوطني بـالايجابية، كونها اتفاقا بين مكونين أساسيين في البلد، لذا لا ينبغي النظر اليه الا من زاوية ايجابية وبالتالي ينبغي على القوى السياسية الاخرى مواكبة الأمر، لافتاً الى أنه يجب الاعتراف من حقيقة أنَّ السياسة في لبنان تشكلُ جزءاً لا يتجزأ من هذا الملف الحيوي، وهو الأمر الذي يتطلب توافقاً بين القوى السياسية، وهذا يؤثر على اقرار المرسومين ايجاباً.
إلا أنَّ الذهبي يرى في موضوع التفاهم ما هو أكبر من موضوع اقرار المرسومين، فالأمر يتعلق بوضع خارطة طريق تقنية لكامل الملف، فنحن الآن كهيئة نسأل متى سنفتح أو نعيد دورة التراخيص؟ دورة التأهيل المسبقة؟ متى سنستلم العروض؟ متى سيكون هناك فض مزايدات؟ كيف سنفتح للبلوكات للتلزيم هل دفعة واحدة أم بالتدرج؟ أكيد هناك اتفاق سياسي مبني على شيء تقني تريده الهيئة، وهو التلزيم التدريجي، من المؤكد أن الملف ذو أبعاد داخلية، سياسية واستراتيجية، ومن حق القوى السياسية أن يكون لها الرأي في هذا الموضوع.
أما في الزاوية الاقليمية، فيرى الذهبي أن اتفاق المصالحة التركي - الاسرائيلي يشكل خطراً فعلياً على الملف النفطي في لبنان، كونه يفتح سوقاً كبيرة لاسرائيل نحو تركيا ومنها الى أوروبا، كما تستفيد تركيا من هذه المصالحة لحماية حقوقها وحقوق قبرص التركية النفطية، وتجعل من أراضيها الممر الرئيسي لصادرات الغاز الطبيعي لشرق المتوسط الى أوروبا. وبالتالي، فإنه على لبنان وضع القطار النفطي على سكة المعالجة للحفاظ على حقوقه النفطية والغازية من الأطماع الإسرائيلية وتأمينا لمصادر تسويق صادراته النفطية الى أوروبا اضافة الى تثبيت موقعه الجيوستراتيجي في المنطقة، خصوصاً أن اسرائيل حلت مشكلاتها التعاقدية مع الشركات النفطية وبدأت بعمليات تنقيب، فيما القبارصة أجروا دورة تراخيص ثالثة من المقرر أن تظهر نتائجها في 22 تموز الجاري. كذلك، أعلنت مصر أن حقل ظُهر الذي اكتشفته شركة إيني الإيطالية في البحر المتوسط في آب الماضي، سيبدأ الإنتاج عام 2017، والذي يوازي تقريبا حجم حقل لوثيان للغاز قبالة سواحل إسرائيل، وحقل تمار الاسرائيلي الذي تبلغ احتياطاته عشرة تريليونات قدم مكعبة.
وقال الذهبي إنَّ الحَراك النفطي الحالي في لبنان، يشكل بوادر للحلحلة، لافتا الى ان هيئة ادارة القطاع رفعت للمسؤولين تقريراً استند الى مسوحات اجرتها شركة TGS البريطانية - الأميركية، والتي أظهرت وجود حقول مشتركة ومتداخلة بين البلوكات الجنوبية 8 و9 والبلوكات النفطية في شمال فلسطين المحتلة. واوضح الذهبي ان هذه المسوحات لم يكن للدولة علمٌ بها، وان الشركة قالت إنها أخذت موافقة شفهية من وزارة الطاقة. لذا، اخذت هيئة ادارة القطاع على عاتقها متابعة الموضوع منذ تعيينها، فقامت بتحليل مسوحات، حيث تبين وجود معطيات ومعلومات لم تكن متوافرة لنا، اذ هناك مكامن نفطية وغازية مشتركة ما بين حقل كاريش الاسرائيلي وما هو أبعد منه وبعض البلوكات في لبنان. اضاف ان الجانب الاسرائيلي كانت لديه بعض المشكلات التشريعية التي جعلته متسمراً في موضوع النفط والغاز، ولا سيما مع شركة نوبل انرجي التي كانت تطالب باحتكار في الاسواق لجهة الاسعار. هذا الامر ادى الى تعيين مدعي عام للاحتكار هو ديفيد جيلو اقيل لاحقا ليستلم الملف وزير الاقتصاد الاسرائيلي. بعدها رسا الملف على رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الذي استطاع قبل شهرين حل المسألة. وقد بدأت تتسارع وتيرة تطوير الحقول والاستكشاف عند العدو، وبالتالي ارتفعت وتيرة التسابق على الاسواق. فبدأت المفاوضات مع الاتراك لبيع تركيا الغاز. اما في قبرص، فهناك ثلاث بلوكات 8 و6 و10 معروضة للتلزيم في 22 تموز الجاري لتقديم الطلبات. نحن اليوم ننتظر الشركات التي ستتقدم اليها، فهذه البلوكات قريبة من مصر حيث تم اكتشاف حقل أبو ظهر... السوق المصرية بحاجة الى الغاز، وبالتالي فان الطرف الاسرائيلي سيتجه اليها على امل ابرام عقود مع شركة القطاع الخاص المصرية. هذه التطورات حفزتنا على رفع تقارير وتوصيات الى المعنيين للاسراع في بت هذا الملف.
وكانت هيئة الحوار قد خطت خطوة متقدمة في مقاربة ملف استخراج النفط من المياه الاقليمية وإصدار المراسيم اللازمة لتلزيم بلوكات الحفر، من خلال موافقة كل الأركان على اقتراح رئيس الحكومة تمام سلام دعوة اللجنة الوزارية التقنية المختصة بملف النفط.
ينفي الذهبي علمهُ بامكان أن يكون هناك أي نوع من المقايضة السياسية بين بري وعون والخلط بين الملفين الرئاسي والنفطي، أي هذا مقابل ذاك، ويؤكد أنَّ دور الهيئة ليس في السياسة، بل هناك مصلحة للهيئة وللبنانيين في انتاج اتفاق سياسي بين كل الاطراف للتسريع بالملف.
وحول ما اذا كان هناك فعلياً تقسيم طائفي ومذهبي للبلوكات العشرة في لبنان، ينفي الذهبي بسخرية هذه النظرية، ويقول إن نظرية المؤامرة دائماً حاضرة لدينا، البلد صغير ومساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة 28700 كيلومتر مربع. لا وجود لبلوكات طائفية ومذهبية. ان وجود مثل هذا التفكير خاطئ، دعونا نفكر الى أين ستذهب الاموال في هذا الموضوع؟ هل اذا تم تلزيم بلوك في الشمال سيكون لأهل الشمال؟ هذا غير صحيح.. قسم من هذه الاموال سيذهب الى صندوق الثروة السيادية والقسم المتعلق بالضرائب سيذهب الى خزينة الدولة، والافادة التي ستتأتى من عائدات القطاع ستكون حتماً في قطاع الخدمات حيث سيعمل الجميع فيه.
أين عقدة اقرار المرسومين؟، يجيب الذهبي ان العقدة هي أكبر من المرسومين وأكبر من ملف النفط، ليس هناك عقدة في الملف النفطي، بل يجب معالجة الملف بروية. هو مقسم وفقاً لازمنة معينة وهو ما يجعل الوقت طويلاً بعض الشيء.. هناك جانب منه يتطلب محادثات سياسية واخرى مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والطلاب. لقد تطلب انشاء الهيئة سنوات ومثلها القانون البترولي، والمسار طويل. وما نشهدهُ اليوم من مخاض هو بداية لحلحلة الأمر.
لا يتوقع الذهبي زيارة قريبة للموفد الاميركي عاموس هوكستين. ليس لدينا أي جديد، لقد جاء في تموز 2015، وقد أخذ مرة ورقة موحدة من كل القوى السياسية تستند الى حقنا في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وان من حقنا ان تواكب الامم المتحدة أي خطوة نقوم بها. هناك طروحات جاء بها من قبل مساعد الموفد الاميركي للشرق الاوسط فريدريك هوف، انتزع لبنان منه اعترافا بسيادته على جزء كبير من مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة مع العدو الاسرائيلي في المنطقة الاقتصادية والتي تبلغ مساحتها نحو 850 كيلومتر مربع، إلا ان الموضوع لم يستكمل للأسف من قبلنا.. طلبنا دعماً تقنياً أميركياً كوننا منضوين في قانون البحار، كما طلبنا من المنظمة الدولية ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل. الا ان أنَّ مكتب الامم المتحدة لم يبدِ حماسة في الامر.. نعم هناك قضية ترسيم حدود بحرية مع العدو الاسرائيلي ولكن لا ينبغي ان تشكل مانعا لاستكمال الملف.
وختم الذهبي نحن فعلياً نريد أن تأتي الشركات الينا، هناك شركات تريد المشاركة ولا تستطيع التوقف بسبب هبوط الاسعار أو غير ذلك. فالشركات لا توقف عملها، وبالتالي، يتوجب علينا ان نفتح البلوكات للتلزيم، وألا يكون موضوع الحدود عائقا للعمل. واذا ما انتظرنا مدة اطول، لا نستخرج الغاز لتلبية حاجة السوق او التصدير الى الاسواق او المشاركة في خط الغاز العربي، ولا نساهم في خلق فرص العمل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.