8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إفلاسات وإقفالات مع تراجع الحركة التجارية الى 95% والمحرومون 61%

61 في المئة هي نسبة المحرومين في العاصمة الثانية التي يفوق عدد سكانها الـ600 ألف نسمة. أما الأشد حرماناً فهم يشكلون 28 في المئة، وقد ترتفع الى 87 في المئة في منطقة باب التبانة، لو تمَّ تقسيم طرابلس الى أحياء، كما أعلن ذلك قبل أسبوع من الآن الاحصائي أديب نعمة. وتكاد هذه النسب المهولة، إذا ما أضيفت إليها نسب التراجع الاقتصادي والاقفالات والافلاسات، ترسمُ خارطة الأمن المفقود الذي تعيشه العاصمة الثانية، بعد 20 جولة عنف، وهو ما ينذر بمؤشر كارثي. وهو الأمر الذي دعا المجتمع المدني بطرابلس، الى الانعقاد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، وتوجيه رسالة الى السياسيين لضبط ايقاع المدينة والحلول دون انهيارها، مع وصول وضع المدينة الى مرحلةٍ كارثية مع تفاقم حالات البطالة وازدياد معدلات الفقر الى مستويات غير مسبوقة.
طرابلس التي يفتك النار الأمني والاقتصادي بجسدها، باتت مدينة منكوبة، بفعل الحرمان وتقلّص دورها الاقتصادي، وانعزالها عن محيطها الاجتماعي. كما باتت تشهد نوعا من سريالية المشهد، مع حركات النزوح الداخلية، بعد 8 أيام من الاضطراب في الجولة الرقم 20. فالاقتصاد الطرابلسي الذي كان يشكل 20 في المئة من مجمل الاقتصاد الوطني، بات لا يشكل اليوم أكثر من 10 في المئة، مع استمرار جولات العنف. فهي قد منعت فعلياً الدخول الى طرابلس لغير سكانها، وهو ما أشّر اليه عدد من التجار، من أنّ كثيرين نقلوا أعمالهم ومؤسساتهم الى المناطق القريبة من طرابلس.
ومأساة طرابلس هو في فائض الجولات العنفية، والتي تلتهم كل ما في طريقها، من مشاريع واستثمارات، وتحرق كل الرساميل الوافدة بدءاً من بوابتيها الجنوبية والشمالية. فلا تزال العاصمة الثانية التي باتت اسماً مفرَّغاً من مضمونهِ، تفرضُ ايقاعاً ينذر بتوسيع رقعة الفقراء وتحولّهم الى استثمار في الحروب الصغيرة الدائرة، فالآن لا مشاريع لتحريك اليد العاملة المتنامية في طرابلس والشمال، ولا بيئة جاذبة للاستثمارات رغم أنّ طرابلس مؤهلة للعب هذا الدور. ويمكن النظر الى تضاؤل حجم التسليفات المصرفية للقطاع الخاص التي لا تتجاوز أكثر من 3،7 في المئة، وحين ننظر الى السياح في طرابلس فإن عددهم لايتجاوز نحو 2 الى 3 في المئة والانفاق مثله. في شهر شباط لم يأتِ سوى سائحين فقط، وحين ننظر الى مجموع الصفقات العقارية لا تتجاوز نسبته الـ7 في المئة، والاستثمارات لا تتجاوز 5 في المئة من مجمل الاستثمارات في البلد. على أن اللافت هو تراجع حصة الشمال من كفالات من 139 في العام 2012 الى 99 خلال العام 2013، وهو ما يعني عدم استقرار البيئة الحاضنة للاستثمار.
وفيما استحوذت منطقة بيروت وضواحيها على نسبة 78,59 في المئة من إجمالي القروض الممنوحة للقطاع الخاص، فإن الشمال جاء خلف جبل لبنان ولبنان الجنوبي بنسبة 3,78 في المئة، علماً أن عدد الزبائن في منطقة بيروت يشكلون نسبة 57,62 في المئة من إجمالي عدد الزبائن المدينين في القطاع المصرفي.
ويقول مدير مصرفي محلي، رفض ذكر اسمهِ الوضع الاقتصادي في المدينة بات مأسوياً ومزرياً، بفعلِ تتالي جولات العنف، إذ يمكن ملاحظة أن المحيط خارج العاصمة الثانية، بدأ الاتكال على نفسه وأصبح لديه اكتفاءٌ ذاتي، وهو ما أدى الى انخفاض عدد المستهلكين في طرابلس، وأصبحت الحركة داخلية، وهو ما يناقض مفهوم العاصمة الثانية، وهذا سيؤدي الى العديد من الافلاسات.
ويضيف إن الركود المشهود منذ ثلاث سنوات، قد أثّر على التجار وبعلاقتهم مع المصارف، إذ ان هناك فائضا في حركة الشيكات المرتجعة، بالإضافة الى التعثَّر الواضح في عملية سداد القروض الى المصارف، وهو ما أدى بالطبع الى انخفاض حذرٍ كبير لدى المصارف المحلية في عملية الاقراض لهؤلاء، مع انخفاض نسبة التأمينات التي كانوا يقدمونها سابقاً، والتي كانت تحفِّز ادارات المصارف على التعامل المرِن مع التجار.
وقال أمين المال في غرفة طرابلس توفيق دبوسي، إن الوضع هو الى انحدار ولا يمكن لجم التدهور إلا باحلال الأمن، نحن لدينا ثقة كبيرة بالقادة السياسيين والأمنيين والمرجعيات الفاعلة، لكن لا ينبغي التعامل مع المدينة بهذا الشكل ويجب أن تكون طريقة المعالجة جدية أكثر.
ولفت الى ان الوضع بات أشد خطورة على وضعِ المدينة ككل مع الانتشار غير الشرعي للسلاح من مناطق المحاور التقليدية بين باب التبانة وجبل محسن الى أزقة المدينة وحاراتها وشوارعها، وهو ما ينبغي الحدُّ منهُ سريعاً، وفرض الأمن على ألا يكون بالتراضي. فالدولة مطالبة بفرض هيبتها، لأن التراجع الاقتصادي الذي يراوح ما بين 90 في المئة الى 100 في المئة، بات شبه يومي، ونحنُ نشعر مع التجار لكن الغرفة لا يمكنها أن تضع أية خطة فيما لو بقي الأمن مفقوداً. وأشار الى أن صغار التجار وهم يشكلون الغالبية من تجار المدينة، باتوا في حالةِ عثرةٍ مادية وأوضاع مالية صعبة، ولا سيما أولئك المرتبطين منهم بقروض مع المصارف، التي لا خطر عليها، مقابل الضمانات المسبقة التي تحصل عليها، لكن ماذا عن الرهون التي يدفعها التاجر والتي تشمل مؤسسته ومنزله، هي فعلاً كارثة وعلينا تداركها سريعاً، غرفة التجارة بامكانها فقط تحفيز المؤسسات الكبيرة على الاستمرار، لكن هناك مؤسسات تنهار بفعل وطأة الانفلات الجامحة، وقال دبوسي إن أهم ركائز الدولة هو الركيزة الاقتصادية، كيف يمكن للخزينة أن تستمر إذا استمر حرمانها من الموارد الآتية من الشمال، بفعل التعطيل والافلاس والخسائر المتلاحقة.
وقال رئيس تجمع رجال الأعمال في طرابلس والشمال عمر الحلَّاب، إن جولة العنف الدائرة الآن، هي الأكثر ضرراً لطرابلس، فقد شاهدنا اقفالاً للمؤسسات والمحال وهناك من عرض البيع والايجار بداعي الهجرة، وهذا ينذر بتفريغ المدينة، كما شهدنا عمليات صرف للعمالة بلغت مستوىً مرعباً وصلَ الى 20 في المئة، ولم تنحصر الأضرار كما في كل جولة عنف على الأسواق المتاخمة لمناطق النزاع، بل الى المناطق البعيدة في العاصمة الثانية.
أضاف الحلاب إن خطورة هذه الجولة تتمثل في زيادة نسب البطالة مع صرف العمال واقفال المؤسسات، فالتراجع عموماً في المبيعات بلغ نحو 75 في المئة، وفي قطاعات أخرى 100 في المئة، والأهم هو تراجع شراء العقار والاستثمار، فأسعار العقارات تراجعت نحو 20 في المئة في الأسعار، لكن من يشتري؟، لا أحد، المعروض بات واضحاً ولا أحد يطلب، للأسف هناك مستثمرون ندموا على وضع أموالهم في العاصمة الثانية وهناك آخرون سيأتون عندما استقر الوضع قليلاً قبل هذه الجولة....لكن كل شيءٍ تبخر.
من جهته، قال أمين سر جمعية تجار طرابلس غسان حسامي، إن نسبة التراجع في الحركة التجارية هي ما بين 90 في المئة و100، وبشكلٍ متنوع لكافة النشاط القطاعي في العاصمة الثانية، فمدينتنا فقدت مركزيتها كعاصمة تجارية، ومركزيتها المصرفية، كما مدارسها وجامعاتها التي هجرت. صارت المناطق المحيطة مكتفية ذاتيا. اضاف أن الخطر هو إفراغ الأسواق مع حركة الانتشار لتجار سوقي التبانة والخضر، واللذين يعدان مقصداً، الى الأرياف وغيرها من المناطق الآمنة، وهو ما يفقد أسواق طرابلس تخصصها، ولا سيما أن معظم مالكيها هم من أبناء الطبقة الوسطى في المدينة. واوضح انه يمكن احتساب الخسارة في كل يومٍ من ايام العنف بنحو مليوني دولار، ويوضح أن الأخطر هو مسألة نزوح القطاعات من المدينة، والتي تخالف المنطق السائد فبدلاً من النزوح من الأرياف الى المركز، الآن هناك نزوح من المركز تجاه الأطراف.
وناشد الحسامي، حكومة المصلحة الوطنية بأن تخصص جلسة لطرابلس لرأب وضعها المتدهور، وأن تعقد هذه الجلسة في طرابلس، لإشعار طرابلس بأنها لا تزال موجودة على خارطة الوطن.
وقال حازم درويش الذي يمتلكُ متجراً في شارع قاديشا المعروف في وسطِ المدينة، إن نحو 13 مؤسسة تجارية معروفة، في شارعي عزمي وقاديشا التجاريين، أقفلت خلال الشهر الماضي، وهناك العشرات من المؤسسات التي تُقْفِلُ تباعاً، مع كل جولة عنف. وأشار الى أنَّ هذا أدى الى انخفاض قيمة الاستثمارات أو الايجارات بنسبة لا تقل عن 30 في المئة، لكي لا تضطر المحلات أو المؤسسات الى الاقفال، ولفت الى أن محلاً أقفل كان ايجاره السنوي بنحو 28 ألف دولار تم خفض الايجار الى 22 ألف دولار، نتيجة تراجع نسبة النشاط الاقتصادي لكافة الحركة التجارية بما لا يقل عن 64 في المئة، وهي مستويات صفرية، إذ انَّ المدينة لم تعرِف الهدوء منذ العام 2011، وهي عجوز مضاعفة أو تراكمية، بفعل 20 جولة عنف.
وطالب درويش، بغرفة انعاش اقتصادي، تبدأ بفرض الأمن، وإعادة إحياء المهرجانات، وبمعالجة موضوع ارتفاع الايجارات والاستثمارات، وتخفيف الضرائب البلدية في هذه المرحلة، كي تمرَّ الأزمة بسلام، وإلا فإننا حتماً سنقع بكارثة لا تُحمد عقباها..


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00