90 في المئة هي نسبة تراجع الحركة التجارية في طرابلس، تحت وطأة الامن غير المستتب، واستمرار جولات العنف. ولا يتوقف الأمر هنا، انما ينسحب على القطاعات الاقتصادية عموما. فالافلاسات تطل برأسها مع تكرار الأزمات الأمنية، وهو ما حذّر منه اقتصاديو المدينة، حيث يتم تفريغها من اقتصادها، إذ بدأ المستثمرون الطرابلسيون، البحث عن ملاذات آمنةٍ لاستثماراتهم خارج العاصمة الثانية، وهو ما يعني زيادة منسوب الفقر الذي بات يرواح ما بين 57 في المئة الى 64، من سكان طرابلس البالغ عددهم نحو 600 ألف نسمة، بعد وصول اقتصاد المنطقة الى مستوياتٍ خطرة جداً. فمن أزمة الأمن يطلُّ شبح أزمة اجتماعية خطرة، مع تكرار حوادث السرقات وزيادة مشاهد البؤس في المدينة. وبدلاً من طحشة تقوم بها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تقوم اليوم بمهمة تصريف الأعمال، مارست انسحاباً من المسؤولية بحقِ المدينة حتى انها تمنّعت عن دفع مئة مليون دولار كانت مخصصة لطرابلس. فلا مبادرة انقاذية ولا حتّى تصريحاتٍ اقتصادية سواء لوزيري الاقتصاد او المال أو او حتى ميقاتي.
إلى الآن، طرابلس يتيمة رغم أنّ الحكومة هي طرابلسية بامتياز. فمعدلات التضخم أصبحت كبيرة، مع تراجع كل قطاعات الانتاج الى مستويات صفرية. وهو ما يهدد بأفول الاقتصاد الطرابلسي على كافة محاوره.
وقالت نقيبة عمّال المصارف الشمالية وموظفيها، مهى المقدم، إن القطاع المصرفي يشهد انحساراً، بفعل تراكم الأزمات، وعدم انتاج حلول، لافتةً الى مؤشر خطرٍ جداً يتمثل بإغلاق حسابات للمودعين من خارج العاصمة الثانية. ووصفت الوضع بالمأسوي، وانه مرشح للتفاقم في ما لو استمرت المراوحة بعد ايجاد علاجِ جدي وسريع للحؤول دون انهيارات في بقية القطاعات. مضيفة أن مؤسسات تجارية مهمة أقفلت أبوابها منذ قرابة الشهر في أهم شارعين اقتصاديين في المدينة، وأما الحركة التجارية، فزادت من وتيرة تراجعها مضافاً الى تراجعها السابق ما بين 20 الى 30 في المئة.
وهو أيضاً ما حذر منه رئيس جمعية تجار طرابلس فواز الحلوة، الذي قال إن الحركة التجارية تراجعت 90 في المئة في سائر أنحاء المدينة، أمّا في مناطق الاشتباكات، فهناك اقفال وإفلاس ولا حركة مطلقاً.
وقال تجار آخرون، إن الخطة الأمنية لطرابلس، ليست كافية، فالمطلوب أن تتزامن مع خطة اقتصادية رشيقة، بامكانها نشل الاقتصاد المتهاوي، فقطاع المفروشات الذي يعد من أهم القطاعات الانتاجية والصناعية في طرابلس بات مهمشّاً، بفعل المنافسة الخارجية والتحديات الداخلية، وقد أطلقت نقابة أصحاب المفروشات صرخة الشهر الماضي للجم تدهور القطاع.
وقال رجل الأعمال الطرابلسي عمر حلاب، إنَّ طرابلس خلال 2012 ـ 2013، مرَّت بعنف وتخريب متعمدين، وهي على فوهة بركان، ولكن الأزمة الاقتصادية بدأت ملامحها مع الخضات الأمنية الكبرى منذ الثمانينات وصولاً الى التخريب المتعمد في تفجيرات مسجدي التقوى والسلام وما تبعها من جولات عنف، أرهقت الاقتصاد الطرابلسي.
وسأل كيف يمكن الشكوى في ظلِ الفراغِ الحكومي الهائل، فلا اجراءات، والحلول مشلولة هناك قطاعات لا تعمل وانحدار بالايرادات من 60 في المئة الى 70 في المئة، وقطاع الملبوسات 35 في المئة فقط خلال الشهر الحالي، فيما القطاع العقاري مجمّد كلياً، ولا سيما في أهم منطقة بطرابلس وهي منطقة الضم والفرز، هناك شققٌ معروضة للبيع لكن من يشتريْ الآن؟ لا أحد بالطبع، حتى مهندسي البناء يصرخون من ندرة الرخص المطلوبة للبناء، المسألة هي أنه لا أمن لا أقتصاد.
ولم يختلف رأي المدير العام لمؤسسة جباضو للبناء المهندس فوزي جباضو، الذي أنحى باللائمة في وضعية العقار الطرابلسي، على الأوضاع المتوترة في سوريا وتداعياتها في طرابلس. وقال إنّ هناك حركة جمود مسيطرة على السوق العقاري في لبنان ككل، ومن ضمنها القطاع في العاصمة الثانية الذي يهتزُّ مع الضربات الأمنية ومنها جولة العنف الأخيرة والتي سبقتها تفجيرات مسجدي السلام والتقوى وأودت بأكثر من 51 شهيداً ومئات الجرحى. وأضاف جباضو الذي لديه سلسلة من المشاريع العقارية في طرابلس، إن التجار يفكرون بملاذات آمنة لوضع استثماراتهم فيها، ونحن ما نزال ننتظر أن يسود الهدوء وإلا فإننا سنفتش عن مكانٍ آخر لاستثماراتنا.
الاقتصاد الطرابلسي الذي كان يشكل 20 في المئة من مجمل الاقتصاد الوطني، بات لا يشكل اليوم أكثر من 10 في المئة، مع استمرار جولات العنف، والتهديدات التي يطلقها رئيس الحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد، إذ أن تهديدات التي يأخذها الطرابلسيون على محمّل الجد، فهي قد منعت فعلياً الدخول الى طرابلس لغير سكانها، وهو ما أشّر اليه عدد من التجار، من أنّ كثيرون نقلوا أعمالهم ومؤسساتهم الى المناطق القريبة من طرابلس.
فالآن لا مشاريع لتحريك اليد العاملة المتنامية في طرابلس والشمال، ولا بيئة جاذبة للاستثمارات رغم أنّ طرابلس مؤهلة للعب هذا الدور، ويمكن النظر الى تضاؤل حجم التسليفات المصرفية للقطاع الخاص التي لا تتجاوز أكثر من 3،7 في المئة، وحين ننظر الى السياح الى طرابلس فلا يتجاوز عددهم نحو 2 الى 3 في المئة والانفاق مثله، في شهر شباط لم يأتِ سوى سائحان فقط، وحين ننظر الى مجموع الصفقات العقارية لا يتجاوز مداه ال7 في المئة، ولاستثمارات لا تتجاوز 5 في المئة من مجمل الاستثمارات في البلد.
القائم بأعمال غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي، إنّ الغرفة تقف الى جانب كل القطاعات التي تضررت بفعل الحروب الناتئة من وقتِ لآخر، ودعا خطة طوارئ اقتصادية لمصلحة الخزينة، وهو ما يتطلب جدية من الحكومة بالنسبة لوضع طرابلس، حتّى المتقاتلين أراهم ينشدون من ينقذهم من هذه الورطة.
وقال لا خطة أمنية بدون خطة اقتصادية لانقاذ ما تبقى، والأمر يبدأ من تفعيل المرافق الاقتصادية المهمة في المدينة سواء بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بجانب مرفأ طرابلس والتي لا تحاتاج إلا لمراسيم، وكذلك الأمر بالنسبة لمعرض رشيد كرامي الدولي، الكفيلان بتأمين آلاف فرص العمل، لكننا نحن نستغرب اللامبالاة إزاءهما، الافادة لا تتوقف على طرابلس بل على الخزينة التي من المعروف أن أي مبلغ ينفق يكون مردوده الى الخزينة نحو 25 في المئة. وطالب دبوسي بتفعيل التعاون بين القطاعين العام والخاص، فالقطاع الخاص يبحث عن فرص عمل في المشاريع المربحة وبالتالي فإن المطلوبهو تهئية المناخ الأمني أولاً وتطوير البنى التحتية وغيرها من أجل استقطاب الرساميل وفتح المجال للقطاع الخاص.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.