على الطريقةِ المافيويةِ، وبأسلوبٍ يجمع ما بين السياسةِ والشبهاتِ، استطاع وزير الطاقةِ والمياهِ جبران باسيل، جرَّ حكومةِ النأي بالنفسِ عن الحق، الى الموافقةِ على مخالفةٍ جديدة بحقِ معمل دير عمار2، وهي المناقصةِ الثانيةِ، بعد الفضيحة التي هزّت المناقصةِ الأولى، والتي لا تزال الدعاوى سيدةِ الموقفِ فيها.
كلّ ذلك، أصبحَ مقبولاً عند حكومةٍ تتلذذ بالفضائح، وكأنّها حكومة مستوردة من الخارج، تفعلُ ما تشاءُ سياسةً وأمناً واقتصاداً، باعتبار أنّها حكومة الأمرُ لي وحكومة تكرم عينك يا باسيل، بدليل أنّ الأمور زادت على حدّها.. فضائحَ واضرابات وصفقات، لم تعرفها أي حكومةٍ من قبل على مرِّ كل الحكوماتِ منذ حكومةِ الاستقلال الأولى برئاسة الراحل رياض الصلح وصولاً الى اليوم، ويكادُ منسوب الفضائحِ يترى ويتوالى في أي ملفٍ من الملفاتِ، من المال الى الزراعة الى الخارجية الى...الى.
جلَّ ما فعلهُ باسيل، أمس، هو الإعلان عن نتائج مناقصة دير عمار الثانية، خلال مؤتمرٍ صحافي أثار فيهِ، الكثير من المغالطات، لذرِّ الرمادِ عن العيون، نتيجة الفضيحة التي رافقت المناقصة الأولى وطريقةِ الغائها، بطريقةٍ لا تخلو من السخريةِ، فقد تباهى باسيل اعلاميا انه حقق وفرا للخزينة قيمته 96 مليون دولار، من خلال اعادة المناقصة. الا ان وثيقة ممهورة بتوقيعه ومرفوعة الى مجلس شورى الدولة، يقول باسيل ان الوفر هو 89 مليون دولار.
كما يقول باسيل ان الخلاف مع مجموعة ابينير - بوتك بقي على 63 مليون دولار، وهو امر ليس صحيحا. ولكن لو سلمنا جدلا، الم يكن اجدى التوصل الى اتفاق مع المجموعة، وتأمين المطلوب من اعتمادات القانون 181 (مشروع ال700 ميغاوات)، بدلا من اضاعة خمسة اشهر، بتكلفة مئات ملايين الدولارات، وفقا لحسابات رئيس تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون نفسه الذي قال ذات مرة ان كل يوم تأخير في خطة الـ 700 ميغاوات يكلف 17 مليون دولار. خالف باسيل اصول المناقصات عندما اجرى المناقصة الجديدة في مهلة شهرين، وهي عادة تستغرق من 6 الى 8 اشهر، لتتمكن الشركات من اعداد عروضها. وهكذا جرت هذه المناقصة وكأنها محصورة بين شركات سبق وشاركت في المناقصة الاولى. وهذه مخالفة لقرار مجلس الوزراء الذي قرر اعادتها، كما انه مخالف للقانون، الذي يساوي بين المواطنين. شركة J&P Avax، التي فازت بالمناقصة الجديدة تخص الوزير مروان خير الدين ومن خلفه مروان ابو فاضل (نائب رئيس حزب طلال ارسلان) وسيزار ابي خليل (المسؤول العوني في عاليه).
سبق لباسيل ان قدم في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 20 كانون الاول 2012، كتابا من هذه الشركة، بشكل مخالف للقانون، وفيه عرض ببناء المعمل بـ 500 مليون دولار. ثم جرى ترتيب فوزها بالمناقصة بسعر 496 مليون دولار. ولتمكين هذه الشركة من الفوز، جرى تفصيل دفتر الشروط على مقاسها، بعد ان انكشفت كل المؤشرات والارقام في عروض المناقصة الاولى. وهذا بذاته فضيحة. كما جرى ادخال تعديلات كبيرة على دفتر شروط المشروع، تحدث عن بعضها النائب محمد قباني في تصريحه بتاريخ 25 شباط 2013، حين قال نحن أمام مناقصة جديدة لا يمكن مقارنة أسعارها بالمناقصة السابقة. حيث حذفت اشغال اساسية بشكل موقت (اي اننا سنعود الى دفع ثمنها لاحقاً). كما عدلت J&P Avax مؤشراتها المتعلقة بالانتاجية والديمومة والاستهلاك وغيرها (أنظر الجدول) لتتلاءم مع دفتر الشروط الجديد، ولتصل الى السعر المتفق عليه سلفا مع وزير الطاقة.
من مهازل العرض المقدم من هذه الشركة، ان سعرها اغلى من سعر الشركة الصينية المنافسة، ولكنها ربحت بزعم ان التوربينات (من جنرال الكتريك)، التي ستستخدمها ستنتج طاقة أكثر وتستهلك وقودا، والمهزلة في ان الشركة الصينية ستستخدم التوربينات نفسها.
المخالفة القانونية الابرز، والتي كشفها النائب قباني هي ان الشركة الصينية انسحبت من المناقصة قبل فض العروض لرفضه طلبات وزارة الطاقة. ورغم ان القانون يحظر فتح عرض شركة منسحبة تم فتح العرض لايهام الناس ان هناك منافسة بين شركتين. وبالتالي فان المناقصة باطلة قانونياً. (أنظر محضر لجنة المناقصات).
تعرف وزارة الطاقة ان الشركة الفائزة ليست مؤهلة للقيام بالمشروع، لانها لم تستوف متطلبات دفتر الشروط الذي قضى بالزامية توفر شرط انشاء مشروعين على الاقل بقدرة لكل منهما تتجاوز ميغاوات (دراسة وتجهيز وبناء وتشغيل) وليس ميغاوات. فهذه الشركة هي شركة هندسة مدنية شاركت باعمال هندسية فقط في مشروع في قبرص نفذه consortium يضم شركتين يابانيتين (هيتاشي وايتوشي) وجنرال الكتريك، وهو بناء معمل واحد على مرحلتين لانتاج الكهرباء بقدرة ميغاوات لكل مرحلة.
في عرضها زعمت شركة افاكس، انها شريكة لجنرال الكتريك وهذا غير صحيح. والواقع انها ستشتري التوربينات الغازية من جنرال الكتريك (أي نحو في المئة من حجم المعمل) اما الباقي فكله معدات هندية، وتحديدا من شركة فرونكو توزي الهندية، التي سبق لها وان هزت معمل دير عمار 1 بالنوعية الرديئة المعروفة. ويقال ان هذه الشركة أفلست فباعتها مجموعة انسالدو الايطالية الى شركة غامون الهندية.
في حين ان مساهمة جنرال الكتريك في عرض الشركة الصينية المستبعدة هو نحو في المئة من حجم المعمل والباقي معدات صينية.
وفي الجانب القضائي، أوضح مصدر قضائي مطلع أن أعلان وزارة الطاقة عن فوزها على شركة بوتك في مجلس شورى الدولة في دعوى ابطال قرار مجلس الوزراء الغاء مناقصة دير عمار 2، هو غير دقيق، ويخالف الواقع. وأكدت أن الدعوى المقدمة ضد وزارة الطاقة هي في الاساس دعوى ابطال قرار الحكومة مع طلب وقف تنفيذ المناقصة البديلة. وما حصل ان مجلس شورى الدولة طلب رأي وزارة الطاقة قبل اتخاذ قراره، فجاء جواب الوزارة بعد أنهاء ادارة المناقصات اجراءات المناقصة الثانية، حيث اصبح وقف تنفيذها غير ذي موضوع، ولم يعد خاضعا لسلطة مجلس شورى الدولة.
أما بالنسبة لمطالبة بوتك بابطال قرار مجلس الوزراء في الاساس، فهذه الدعوى لا تزال امام مجلس شورى الدولة في بداياتها حيث سيتم تبادل اللوائح بين الطرفين قبل ان يتاح للقضاء الفصل في الموضوع.
يذكرُ، ان المناقصة الجديدة التي أجرتها وزارة الطاقة وفازت بها احدى الشركات اليونانية، هي موضع انتقاد واسع في الاوساط النيابية والاقتصادية والاعلامية وغيرها، لانها تمت بشكل مخالف للقانون، ما يفتح المجال امام الشركات التي شاركت فيها الطعن بها. ولكن شركة بوتك الفائزة بالمناقصة الاولى غير معنية بالامر لانها لم تشارك في المناقصة الاخيرة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.