بالأمس، نأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بنفسه عن مسؤولية حكومته في موضوع تهريب المازوت الى سوريا، محملاً شركات خاصة المسؤولية، ومعللاً بأن لا حول ولا قوة له على فعل أي شيء حيال ذلك، لأن لبنان يعتمد الاقتصاد الحر.
لكن فات ميقاتي أن الشركات الخاصة تختزل بشركة أم واحدة تابعة لحزب الله هي شركة الأمانة للمحروقات تقوم بعمليات البيع من أكبر الى أصغر، حسب ما أكدت مصادر قريبة من الشركات النفطية في لبنان، موضحة أن عدداً لا يُستهانُ بهِ من الشركات الصغيرة والأسماء التجارية، تخوض في الوحل السوري، وتقوم بعمليات التهريب الرسمي. وبالتالي لا ينفع ما أوردهُ ميقاتي ووزير الطاقة والمياه جبران باسيل، من نسب عمليات التصدير الى الشركات الخاصة. ولا تنفع محاولات التعمية التي قام بها أحد نواب الإصلاح والتغيير من اتهام أصحاب شركات قريبين من تيار المستقبل أو سواه.
كما فات هذه الحكومة أن الأرقام تدحض محاولاتها الفاشلة في التبرير، ذلك أن حجم استيراد المشتقات النفطية زاد 250 في المئة. ولا تعي هذه الحكومة أن ما تقوم به جريمة بحق الميزان التجاري وبالتالي ميزان المدفوعات الذي يزداد عجزه بوتيرة سريعة من أجل مساعدة النظام السوري.
ولعلّ المأزق الذي تواجهه الشركات الخاصة التي تقوم بتهريب المازوت الى سوريا، هو عدم قدرتها على وضع المبالغ الكبيرة التي جنتها من عمليات بيع المادة المشتعلة الى أتباع النظام السوري في المصارف اللبنانية، خصوصاً وأن مصادر تروي أن المبالغ لهذه الغاية تنقل عبر صناديق السيارات والحقائب.
وهنا تؤكد مصادر مالية متابعة حرص المصارف اللبنانية على عدم انتهاك أي نوع من العقوبات المفروضة على سوريا وتشددها بالحصول على معلومات عن مصدر الأموال وعن صاحبها، وذلك تطبيقاً للتعميم 83 المعدل بالتعميمين الوسيطين الصادرين عن المصرف المركزي ورقمهما 262 في 21 أيار 2011 و277، الصادر في 22 آب 2011 حول تعديل نظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب حول شروط موافقة المصارف على فتح حساب أو إصدار شيكات وكيفية تنفيذ أي تحويل ناتج عن عملية صرافة أو شحن أوراق نقدية أو معادن ثمينة.
اذاً، ميقاتي تنصل بالأمس من مسؤولية حكومته في تهريب المازوت الى سوريا، ضارباً عرض الحائط تشدده بقرار النأي عن النفس. فاستغرب الضجة التي يزعم فيها البعض أن الحكومة ترسل المازوت الى الجيش السوري وما الى ذلك من أقاويل. وذهب بالتنصل من مسؤولية الحكومة أبعد من ذلك، حيث قال إن الدولة اللبنانية لا تدعم المازوت ولا تستورد المازوت الأخضر الذي يتم تصديره الى سوريا، بل هناك شركات خاصة تستورد حصراً المازوت الأخضر وتخزنه في منشآتها الخاصة وتعيد تصديره بموجب قانون التجارة، متسلحاً باعتماد لبنان الاقتصاد الحر وأن ليس هناك أي قرار صادر عن مجلس الأمن يحظر التبادل التجاري مع سوريا.
لكن رغم إلقاء تبعات ما يحصل على مستوى هذه الفضيحة، فإنّ ما يدحض ما يُقال، كميات الاستيراد، ولا سيما تلك المتعلقة بالمازوت الأحمر المحصور استيرادهُ فقط بالدولة، التي تبيعه بدورها الى الشركات. ومن هناك تبدأ عمليات تحديد بوصلة الاتجاهات. لكن ما كشفته المستقبل قبل يومين من أنّ التعبئة للشركات الخاصة تتم من خزانات في منشأة كهربائية، تخزّن لصالح وزارة الطاقة التي يتولاها باسيل، وخيانة الذاكرة لمن اتهم تجاراً وشركاتٍ خاصة، لا تحجب رؤية الحقيقة عن أحد.
أرقام
تعدّ مادة المازوت واحدة من أبرز السلع التي شهدت زيادة في الواردات خلال عام 2011. ففي الأشهر الستة الأولى من العام 2012 ازداد استيراد المازوت بنسبة لا تقلّ عن 250 في المئة. فالمعادلة بين الاستهلاك والاستيراد تكشف أن ما كانت السوق تلبيه من الخارج تحوّل إلى طلب زائد، فيما الأكيد أن هناك تسرّباً للسلعة إلى خارج الحدود، والى سوريا تحديداً، فالكميات المستوردة من المازوت الأحمر تتوزّع في السوق المحلية على النحو الآتي: كميات تستوردها مؤسسة كهرباء لبنان بواسطة عقود موقّعة بين الدولة اللبنانية ومؤسسة البترول الكويتية، وشركة سوناطراك الجزائرية. وهذه العقود مخصّصة لتزويد معامل الإنتاج بالكميات اللازمة لتشغيلها، ولا يذهب منها شيء إلى السوق الاستهلاكية، وتحتكر منشآت النفط في لبنان استيراد الكميات اللازمة من المازوت الأحمر لتلبية الطلب الاستهلاكي في السوق المحليّة، ومعروف أن إدارة المنشآت تستورد الكميات وفق تقديرها لحاجة السوق وتبيعها للقطاع الخاص الذي يوزّعها في السوق بناءً على العرض والطلب، بأسعار محدّدة مسبقاً من وزارة الطاقة والمياه.
في عام 2011، استوردت المنشآت 674 ألف طن مازوت ووزعتها في السوق. وفي الأشهر الخمسة من 2012، أي منذ آذار حتى نهاية تموز منه، ازداد الاستيراد بنسبة كبيرة جداً بلغت 256 في المئة. فقد استورد لبنان خلال الفترة المذكورة من عام 2011 نحو 104 آلاف طن مازوت أحمر، مقارنة مع 372 ألف طن في عام 2012. وارتفعت قيمة صادرات المشتقات النفطية الى سوريا من 144 ألف دولار في العام 2011 (266 طناً) إلى 61 مليوناً و200 ألف دولار (58182 طناً) في 2012، أي زادت نحو 425 ضعفاً (ما نسبته 42380,55 في المئة)، وما نسبته 21 في المئة من إجمالي الصادرات اللبنانية إلى سوريا.
وقال الخبير الاقتصادي مروان اسكندر في اتصال مع المستقبل، منذ سنةٍ كان واضحاً، أنّ لبنان كان يقومُ بعملياتِ التصدير، بدليل ارتفاع قيمة الثمن المدفوع بين الأشهر الأربعة الأولى من العام 2012 بالمقارنة مع مثيلتها من 2012، بلغ ثمن البضاعة المستوردة نحو 1,329 مليار دولار، مقابل 2,629 ملياري دولار، ولا يمكن بلوغ هذا المستوى من الارتفاع، إلا إذا كان الأمر يتعلق بإعادة تصدير هذه المادة، ربما يكون من الناحية الاقتصادية قد استفاد على الرغم مما يسببه الأمر بداية من عجز في ميزان المدفوعات، لكن لبنان يتقاضى أرباحاً من خلال هذه التجارة، خصوصاً وأنّه في الحالة السوريةِ يتم توريد هذه البضاعة بأسعار تفوق أسعارها في السوق، وهنا تبدأ عملية جني الأرباح.
أضاف لكن لندخل الى المسألة من بابها السياسي، أو من الناحية العسكرية، لقد بات واضحاً أنّ المازوت المصدّر هو الى الدبابات السورية، وبالتالي تصبح قصة النأي بالنفس غير موجودة، وبالتالي علينا أن نعي أننا لا نريد مساعدة الدبابات السورية لتقتل وتقصف شعبها.
ولا يختلف الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي عما قالهُ اسكندر، ويشير الى أنّ هناك تخوفاً جدياً من مسألة العقوبات، وقال صحيح أن العقوبات المفروضةِ على سوريا هي من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، لكن على الدولة اللبنانية، أن تحترِم وأن تتعامل بديبلوماسية مع هذه القرارات، ولا أحد ينكر أن مصائر الدول والشعوب والجماعات هي في القبضة الأميركية، وهل نسينا العقوبات التي فرضتها واشنطن بحق البنك اللبناني ـ الكندي، فلماذا التورط بالوحل السوري ونحن في غنىً عنهُ.
وسأل يشوعي، إزاء فريق سياسي داعم لتصدير المازوت وفريق يقطع عليها الطريق، أين يصبح شعار النأي بالنفس، وهذا الموضوع ليس من هذه السياسة في شيء.
وحول عدم قدرة الدولة السورية السداد بالدولار، سخر يشوعي وقال أليس هناك عمليات تبييض أموال في لبنان، ألا يمكن الدفع بالدولار عبر الشنطة، وهل من الضروري أن يتمّ الدفع بين مصرف وآخر، كل شيء مفتوح من الحدود الى الموانئ. وهناك مشاريع نبتت كالفطريات فمن أين أتت بالتمويل؟. وأبدى تخوفهُ من أن تستمر عمليات التصدير وإن كان عبر الشركات الخاصة، سائلاً هل نحن مضطرون الى استجلاب العقوبات علينا؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.