عاود وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال آلان طابوريان، طرح مشروع استدراج عروض لشراء مولدات بقدرة 300 ميغاوات تعمل على الفيول الثقيل (Four-stroke Engines)، ضمن خطة سريعة لزيادة التقنين الكهربائي في الصيف المقبل، لمواجهة زيادة النمو في إستهلاك الطاقة، فخلال الصيف الحالي ارتفع طلب الإستهلاك من 2200 ميغاوات إلى 2450 ميغاوات، وهو رقم قياسي في حجم الطلب ويحدث ذلك لأول مرة في تاريخ استهلاك الكهرباء في لبنان. علماً أن قدرة معامل الانتاج الفعلية لا تتجاوز الـ1550 ميغاوات فيما طاقة المعامل الاسمية هي بحدود 2150 ميغاوات، بيد أن المعامل المهترئة لا يمكنها أن تعطي كامل طاقتها إذ تخضع للصيانة الدائمة نظراً للتجهيزات القديمة فيها.
الآن عاد مستوى التغذية الى الارتفاع بعد انقضاء الضيف، ومع استجرار نحو 250 ميغاوات من سوريا وشبكة الربط الكهربائي، لتصبح قدرة معامل الانتاج بالإضافة الى الطاقة المستجرة نحو 1800 ميغاوات، ومن المؤمل ارتفاع هذه النسبة الى 1950 ميغاوات في غضون أيام مع انتهاء التصليحات للمجموعة الثالثة في معمل الزوق (150 ميغاوات) بعد انتهاء التجارب عليها حالياً.
لقد استشعر اللبنانيون خلال الصيف الذي انقضى حجم الأزمة وضعف قدرة وزارة الطاقة والمياه لمواجهتها، بل إن الوزير طابوريان قد بشّر بسخونة صيف 2010 وبتقنين مضاعف فيما لو بقي الوضع على حاله، إذ أن المطلوب هو 1000 ميغاوات عما هو موجود الآن، لإحداث التوازن المنشود بين العرض والطلب، خصوصاً في فصل الصيف ـ الذروة، إذ يزداد استهلاك الكهرباء بسبب عامل توافد المغتربين والسياح، وثانياً بفعل حرارة الطقس المرتفعة، فعلى الرغم من نجاح الموسم السياحي للعام الجاري، إلا أن كلا العاملين قد أديا الى تقنين حاد، ادى الى تظاهرات احتجاج وحرق دواليب، ليأخذ في نهاية المطاف بعداً سياسياً سيما أن التقنين العشوائي كان على حساب مناطق دون سواها، أو كان أكثر في مناطق دون أخرى.
إلا أن المفارقة التي يطرحها وزير الطاقة اليوم، وفي العشر الأخير كما يقال لحكومة تصريف الأعمال هي إمكان تمرير مشروع قانون معجل مكرر في مجلس النواب يعطي سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان لتمويل المشروع وشراء المولدات، وبعد ذلك قد نعمل على أخذ التمويل المؤخر من الصناديق المستعدة لتمويل هذا المشروع، بعد أن تطلع على كيفية عملنا مع الشركات التي ستؤمن المولدات ضمن إطار العلنية والشفافية والحصول على أحسن الأسعار والأوقات. وفي الوقت نفسه فإننا نعمل على القانون المعجل المكّرر حيث سيقدمه عشرة نواب إلى مجلس النواب في دراسته واقراره، مؤكداً وجود إجماع من كل الأطراف السياسية على إقرار هذا المشروع.
هنا، ثمة سؤال مشروع هو كيف يمكن لمجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال إقرار مثل هذا المشروع، ولماذا لا يترك برسم الحكومة المقبلة، بل لماذا الإصرار على تسويق مثل هذا المشروع في المؤتمرات الصحافية للوزير طابوريان الواحد تلو الآخر، وما العبرة في تراكم الأقوال على حساب الأفعال، والمواطن ضاق ذرعاً بطريقة شم ولا تذوق كما يقول المثل العامي؟.
كما تتساءل مصادر معنية بالقطاع عن استعجال الوزير طابوريان شراء المولدات، قبل إقرار مشروع القانون الذي يتحدث عنه، وقبل موافقة الحكومة عليه، ولماذا يريد أن يربط الدولة اللبنانية بموضوع يمكن معالجته من خلال الحكومة الجديدة، خصوصا انه منذ سنة و4 أشهر يتولى أمور وزارة الطاقة، فلماذا في آخر لحظة يريد أن يعوّض مما فاته خلال هذه الإقامة الطويلة في الوزارة في أيام معدودات؟
وتتحدث هذه المصادر عن زيارة يقوم بها الوزير طابوريان ومعه كل من رئيس مجلس الادارة المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك والمدير العام للموارد المائية والكهربائية فادي قمير الى بروكسل، بهدف الإطلاع من شركات معنية على اسعار المولدات ومواصفاتها.
ويقول رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النائب محمد قباني الجميع يرغب بزيادة الطاقة الانتاجية، والمشروع الذي يقدمه الوزير طابوريان يصنف في خانة الحل الممكن وليس الأفضل أو الأمثل، ولو كان الغاز متوافرا بما يزيد عن حاجة معمل دير عمار لكان هذا الخيار غير مرغوب فيه.
ويضيف قباني إذا اعتبرنا أن هذا هو الحل الممكن، فالسؤال هو كيف يمكن أن يقر اقتراح قانون معجل مكرر في مجلس النواب، مادامت الحكومة الآن هي حكومة تصريف أعمال، وبالمفهوم الضيق لجهة القدرة على الأعمال التي يمكنها القيام بها، بالإضافة الى أن الهيئة العامة للمجلس لا يمكنها أن تلتئم وتناقش دون أن تكون هناك حكومة تستطيع القيام بأعمالها كاملة. ولذلك فإن بت هذا الموضوع يجب أن يكون في عهدة الحكومة العتيدة.
ومن جهة اخرى من المعلوم أن كل ميغاواط تراوح تكلفته بين 1،2 و1،5 مليون دولار، أي أن تكلفة الـ300 ميغاوات تراوح بين 360 و450 مليون دولار. وبالتالي لا يمكن أن تشترى المولدات غداً، فبين التحضيرات وإجراء المناقصة والتركيب نحن بحاجة الى ما لا يقل عن سنة وربما سنة ونصف السنة. كما أن عملية شراء المولدات بطريقة المناقصة بالإضافة الى التمويل يحتاج الى مخرج قانوني، والمخرج القانوني هو مجلس الوزراء أو الحكومة التي ستشكل، اذ ليس من السهل إيجاد مخرج مبسط للعملية، وهي تحتاج الى تمويل يقارب نصف مليار دولار.
مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، قالت إن إدارة المؤسسة معنية بإظهار الكميات الانتاجية التي تحتاجها، إلا أنها غير معنية بموضوع التجهيز، الذي هو من اختصاص وزارة الطاقة ومجلس الانماء والاعمار، فدور المؤسسة استشاري لا أكثر.
ويذكر هنا أن ما طرحه طابوريان لجهة محركات الطاقة، هي ليست بالخطة وإنما هي فكرة بديهية، كانت قد وضعتها الشركة الفرنسية ديكون أواخر العام 2007، أي قبل مجيء طابوريان الى الوزارة. وقد استندت ديكون الى هذه الفكرة مع التأخر الذي حصل على مستوى وصول الغاز الطبيعي، والعقبات التي حالت دون انشاء محطات للغاز السائل (LNG)، وغياب الطاقة النووية والكهرومائية، إذ لم يبق سوى مادتي الغاز والفيول أويل، ومن الطبيعي في هذه الحال التوجه الى المادة الأرخص وهي الفيول أويل.
وتشير مصادر الى أن عملية استيراد مولدات لانتاج 300 ميغاوات لن تكون قبل سنتين، ذلك أن عملية استدراج العروض بالنسبة للشركات العالمية التي تخوض اليوم معركة مع أزمة المال العالمية، تحتاج الى ما لا يقل عن 6 أشهر لتسليم هذه العروض، بالإضافة الى المساحة الزمنية التي تحتاجها عملية فض العروض وكذلك تأهيل المساحات لاستقبال هذه المولدات في حال تجاهلنا موضوع الاستملاكات...وفي أحسن الأحوال نحتاج الى سنتين. بالإضافة الى أن الصندوق العربي الذي يقوم بتمويل تركيب هذه المحركات يشترط قيام إستشاري عالمي بدراسة الجدوى الاقتصادية والفنية اللازمة للتركيب، بما فيها كيفية ربطها بالشبكة وضرورة ثبات حركة الطاقة الكهربائية على شبكة النقل، وطريقة تبريد المحركات وغيرها من المستلزمات التقنية، إضافة الى ان من ضمن مهام الإستشاري المنوي إختياره تحضير ملف التلزيم لإطلاق مناقصة عالمية لتوريد المحركات حسب الاصول المتبعة من قبل الصندوق العربي. كما أن الوقت اللازم لشراء هذه المحركات حسب شروط الصندوق المشار إليها لا تقل عن سنة ونصف السنة، وهذا يعني ان آمال طابوريان دونها صعوبات قانونية ومالية وفنية، اما الوقت اللازم لانجاز المشروع فهو يسقط عنه طابع الحل السريع والمستعجل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.