8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا لا يستفيد لبنان من مركز التخزين ومصب النفط لإنشاء مصفاة للتكرير؟

يؤكد أكثر من مسؤول ومعني بالشأن النفطي في الدولة اللبنانية، أن موضوع مصفاتي الزهراني والبداوي في طرابلس، ليس موضوعاً على نار حامية، تبدأ من الممرات السياسية الضيقة التي زرعت بالألغام الأمنية خلال السنوات التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 وانتهاء بالجدوى الاقتصادية، التي يجمع المعنيون أن فوائدها للمستثمر أكثر مما تصب في خزينة الدولة، ولا رابط بين إنشاء مصفاة وبين الأسعار الفلكية التي تتسلقها المشتقات النفطية، إذ أن أمر الإفادة سينحصر في رفع تكاليف النقل وفي تأمين مخزون استراتيجي للدولة تستطيع أن تؤمنه الدولة مدة ثلاثة أشهر.
أمام لبنان الآن عرض جدي وحيد هو العرض القطري، الذي قدم جدوى اقتصادية لإنشاء مصفاة في طرابلس، رغم أن هناك عروضاً قدمت من دول عربية لكنها لم تستكمل، وفي حين ابتعدت الدول الأوروبية بوجهها عن الأمر لعدم وجود جدوى إقتصادية، فإن القطاع الخاص اللبناني ينأى بنفسه عن الأمر، كذلك كون تكلفة إنشاء المصفاة الواحدة يراوح ما بين 1،5 و1،7 مليار دولار.
وأمام الحكومة العتيدة، ملفات صعبة وفي مقدمها الكهرباء وأخواتها ومن ضمنها ملف المصافي، ويتوقع مصدر مطلع أن تدرس الحكومة المقبلة موضوع المصافي لكن بروية تامة، لأن حجم الاستثمار المالي ضخم، في حين يسأل خبير اقتصادي عن ماهية التوافق السياسي داخل الحكومة المقبلة لكثير من المشاريع الرسمية والمرافق العامة، وما إذا كان سيبقى الاتجاه نحو الخصخصة على طريقة الـBOT؟ خصوصاً وأن هناك فريقاً من السياسيين يعارض الخصخصة. وموضوع المصافي بحثه القانون 549/2003، الذي يتحدث عن طريقة BOT.
أسئلة مطروحة
لكن هناك جملة من الأسئلة تطرح نفسها، في ظل الواقع الراهن للبنان حيث الفاتورة النفطية لا تقل عن 3 مليارات دولار، سواء لجهة لزوم معامل الانتاج الكهربائية أو لزوم المشتقات النفطية للشركات والأفراد.
ويأتي في مقدمة هذه الأسئلة ما هو وضع المصافي في لبنان حالياً؟. هل هي بحاجة الى تأهيل، وأين مساهمة القطاع الخاص في هذا المجال؟، هل هناك من دور للمصافي في تعزيز السياسة النفطية في لبنان؟. وهل هناك عروض عربية أو دولية الآن لتأهيل أو بناء مصافٍ في لبنان؟. وأين أصبح المشروع القطري اليتيم في هذا الموضوع،؟.
قال مصدر مطلع إن أوضاع مصفاتي الزهراني وطرابلس وضعهما مزري منذ العام 1986، ولا جدوى من تأهيلهما، وقد جاءت وفود من بلدان عربية عدة: مؤسسة البترول الكويتية، قطر بتروليوم، ووزارة الطاقة المصرية. وهذه جميعها لديها خبرة بالمصافي والتكرير، ورأوا أن لا جدوى من التأهيل وأنها بحاجة الى تجهيزات جديدة، وأنه لا يمكن استخراج مادة البنزين بالجودة العالمية.
وأضاف في حديث الى المستقبل، أن مؤسسة البترول الكويتية KPC اطلعت على أوضاع المصفاة، إلا أنها طلبت تعيين استشاري دولي، وهذا الاستشاري طلب بدلاً مادياً لم تستطع الدولة تلبيته. الى الآن لم ينقطع الاتصال بالمؤسسة، ولكن يجب الاعتراف أن المستثمرين لا يقفون بالدور للاستثمار في هذا المجال.
وتابع المصدر حديثه، القطريون قدموا عرضهم وهم الآن ينشئون مصفاة في تونس، والجدوى الاقتصادية التي قدمها القطريون يجب العمل لتحديثها والتعمق بها أكثر. أما المصريون فحضر خبراء من مصفاة الاسكندرية التي تنتج ما معدله 100 ألف برميل في اليوم، وكان ذلك قبل حرب تموز (يوليو) 2006، التي شلت كل شيء من 2005 الى نهاية الحرب، لم يستكمل البحث بهذا الموضوع بسبب الأحداث الأمنية والسياسية التي عصفت بلبنان، وطبعاً عدم الاستقرار سيفشل الاستثمار فكيف إذا كان الاستثمار ضخماً؟ يقول المصدر. العامل السياسي يلعب دوراً مهماً على هذا الصعيد.
وقال المصدر المطلع إن الكلام عن المصافي تركز على مصفاة دير عمار، بسبب الوضع السليم لخط العراق، وعندما زار الرئيس فؤاد السنيورة العراق في آب (أغسطس) 2008، تم بحث هذا الموضوع وكان هناك ترحيب عراقي بهذا الأمر، فالعراق يصدر نفطه عبر ميناء جيهان التركي، والعراقيون يهمهم التصدير من لبنان، ويضيف المصدر أن هذا الأمر يتطلب توافقاً بين العراق وسوريا ولبنان.
العرض القطري
واعتبر أن العرض القطري لا يزال موجوداً ولكن الجدوى الاقتصادية في العام 2005 تختلف عن الجدوى في العام 2009، وأشار الى أن الجدوى التي وضعت في ذلك الحين كانت تشير الى أنه يجب أن تكرر مصفاة دير عمار 150 ألف برميل وحجم الاستثمار الموضوع في هذا المجال يراوح بين 1،5 و1،7 مليار دولار، وقال إن لبنان حاجته اليومية تبلغ 97 ألف برميل، ولذلك لا جدوى من مصفاة لا تلبي السوق المحلية وتصدر الى الخارج. وإذ أكد أن العرض القطري جدي، ولكن يحتاج الى تمحيص أكثر، وقال إن الجميع ينظر الى هامش الربحية، ماضياً كانت قدرة الانتاج أكبر من قدرة التكرير، الآن الوضع أصبح معاكساً، ولفت الى أن الحكومة العتيدة المقبلة ستتعاطى مع هذا الملف لكن من باب الجدوى التي سيجنيها لبنان.
وكانت وزارة الطاقة اللبنانية قد وقعت وشركة قطر للبترول الدولية مذكرة تفاهم للبدء باعداد دراسة جدوى فنية واقتصادية، لإنشاء مصفاة لتكرير البترول في لبنان في كانون الثاني (يناير) 2006.
وإذ رحب المصدر بالقطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، قال إن القطاع الخاص قدم قديماً مشاريع أفكار لمصافٍ تنتج ما بين 10 الى 30 ألف برميل يومياً وتبلغ تكلفة المصفاة الواحدة نحو 30 مليون دولار، إلا أنه اتضح عدم جدواها الاقتصادية. وأشار الى أن طرابلس يمكنها أن تلعب دوراً مهماً أكثر من الزهراني، لأن مرفأها ممتاز للسفن.
ومن جهته، رأى المدير العام للمنشآت (الزهراني ودير عمار) سركيس حليس، أن مصفاة الزهراني هي بحكم المنتهية الآن، والتي كانت تستورد نفطاً من المملكة العربية السعودية، وغير قابلة للإصلاح والتأهيل، لسببين أن خط النفط يمر بأراضي الجولان المحتلة، وهذا الخط قد أوقف نهائياً. أما السبب الآخر، فهو أن المصفاة قد تجمّرت تجهيزاتها وأدواتها في آخر مرة شغلت فيها.
أما في ما يتعلق بمصفاة دير عمار، فيرى حليس أن مصفاة طرابلس كانت تستمد نفطها من العراق مروراً بالأراضي السورية، وهذا الخط ما زال سليماً ويحتاج الى بعض عمليات التأهيل، إلا أن المصفاة ضربت أكثر من مرة خلال الثمانينات من القرن الماضي، وهي بحاجة الى عملية تأهيل كبيرة.
ويشير المدير العام أن كلتا المصفاتين توقف عملهما نهائياً منذ 25 سنة على الأقل، وبالتالي لماذا لا تعمل الدولة على إصلاحهما؟ يسأل حليس ويجيب تلقائياً يستحيل فنياً تشغيل هذه المصافي، وفي حال استطاعت الدولة ذلك، فإن طاقتهما التكريرية بوضعهما الحالي دون إضافات لن يكفي السوق المحلية، التي تحتاج الى 90 ألف برميل يومياً، فيما قدرة المصفاتين لا تزيد عن 52 ألف برميل (الزهراني 17000 برميل ودير عمار 35000 برميل)، وبمعنى آخر فإن السوق بحاجة الى استيراد 50 ألف برميل بالنظر الى نمو الطلب.
وقال حليس إن موضوع المصافي بحثه القانون 549/2003، الذي يتحدث عن طريقة الBOT، لتشغيل وتأهيل المصافي.
التعاقد مع الشركات
ويجيز القانون المذكور لـالحكومة التعاقد مع الشركات ذات الاختصاص من أجل تصميم وتمويل وتطوير وإعادة إعمار وتشغيل مصفاتي طرابلس والزهراني على أساس التمويل الذاتي وفقاً لمبدأ (التصميم، التشييد، التشغيل والتحويل) DBOT. ويشير القانون الى أن توقيع عقد الـDBOT يتم بين الحكومة ممثلة بوزير الطاقة والمياه وكل من رسا عليه المشروع لمدة أقصاها 25 سنة لبناء وإدارة المشروع وفقاً لأحكام هذا القانون. وفي نهاية فترة عقد الـDBOT تنتقل ملكية جميع المنشآت والتجهيزات والموجودات القائمة والتي ستقام الى الحكومة وذلك دون أي مقابل. ويتعهد المتعاقد بتسليم تلك المنشآت والتجهيزات والموجودات للحكومة بحالة جيدة صالحة للتشغيل وفقاً للوسائل الفنية والمعايير الاقتصادية والتجارية، على أن يحدد ذلك من قبل مؤسسات عالمية متخصصة.
ويلفت حليس في هذا السياق، الى أنه تم الاتصال بعدد من الشركات، وكان هناك اهتمام بهذا الموضوع من قبل 10 شركات، أبرزها العرض القطري، إلا أن الأجانب لم يكترثوا كثيراً للموضوع، وقال إن القطريين قاموا بدراسة جدوى اقتصادية للموضوع كلفت بها شركة (IFP) الفرنسية، لكن الأمور توقفت مع الأحداث التي شهدتها البلاد بين 2005 و2006، وتبين أن تكلفة إنشاء محطة يحتاج الى رأسمال بقيمة 1،5 مليار دولار. وقال إن العرض القطري اتجه الى مصفاة طرابلس لأسباب عدة منها أن أيام العمل في مرفأ طرابلس بسبب الطقس أكثر من أيام العمل في الزهراني، وليس هناك سبب آخر. فمرفأ طرابلس يتوقف نهائياً عن العمل بسبب الطقس بين 16 يوماً في السنة، بينما عدد أيام التعطيل في مرفأ الزهراني تصل إلى 44 يوماً في السنة، كما أن خط النفط مع العراق ما زال سليماً على عكس الخط السعودي المتصل بالزهراني.
ويرى حليس أن بعض الكلام عن إعادة تأهيل المصفاتين فيه نوع من المغالطة، وخصوصاً في الشق المتعلق بخفض أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية، وقال إن لا رابط بين الأمرين، والتوفير سيكون فقط في النقل، وهامش الربح في هذا الجانب لا يتعدى 3% من سعر المشتقات النفطية. ولفت الى أن القطاع الخاص لا يستطيع أن يدخل في حجم هذا الاستثمار، يمكن أن تكون هناك شراكة لكنها لن تتعدى 10% من المشروع، ونحن لا نستطيع إلغاء القطاع الخاص بأي حال من الأحوال.
وإذ أكد على أهمية انشاء مصفاة في لبنان لتأمين مخزون استراتيجي مدته 3 أشهر، أشار حليس الى أن لبنان لن تكون له إفادة من المصفاة قبل 25 سنة، فالعرض يتضمن أن يستخدمها القطريون لهذه المدة، ثم تعود ملكيتها إلى الدولة اللبنانية، ولا يمكن أن تباع المشتقات النفطية إلا بالأسعار العالمية فقط سيوفر لبنان أجرة النقل.
وأعلن أن منشآت النفط تعمل على تأهيل خزانات النفط في مصفاة الزهراني لتكون مركزاً إقليمياً واستراتيجياً لتخزين النفط في منطقة البحر المتوسط، يشابه تلك الخزانات الموجودة في مالطة، وهي بتكلفة تصل الى 12 مليون دولار، وستكون هناك مزايدة لزيادة الخزانات لتستطيع تخزين نحو 450 ألف طن، فهناك شركات مهتمة بهذا الموضوع فنحن الأقرب الى البلدان الأوروبية بعد قناة السويس، وستكون قدرة لبنان التخزينية بحدود 166 ألف طن بالخزانات الموجودة الآن.
الأحداث الأمنية
ويرى الخبير الاقتصادي مقبل ملك، أنه كانت هناك محاولات لتشغيل مصفاة دير عمار منتصف التسعينات، إلا أنها لم تستمر طويلاً، وتحولت التجهيزات الخاصة بالمصفاة الى ما يشبه الخردة، علماً أنها كانت قابلة للتشغيل بطاقة متدنية، إلا أنها غير ذات جدوى اقتصادية. وقال ملك كان الاتجاه السياسي قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري، الى تشغيل مصفاة دير عمار بطريقة الـBOT وقدمت في هذا الاطار، مجموعة من الدراسات من قبل دول أوروبية عدة وكذلك من دول عربية، إلا أنها توقفت جميعاً بعد حرب تموز (يوليو) 2006 وأحداث مخيم نهر البارد في العام 2007 التي كانت قريبة من موقع المصفاة، وزاد الطين بلة تكرار الأحداث الأمنية بين باب التبانة وجبل محسن، الذي أدى عملياً الى إحجام المستثمرين والشركات العارضة عن الاستمرار في مفاوضاتهم بانتظار الاستقرار السياسي والأمني المطلوب.
ويقترح ملك في هذا المجال أن يتم تمويل إنشاء مصفاة جديدة بطاقة تكرير مجدية تصل الى 200 ألف برميل يومياً، وذلك يكون من المصدرين التاليين:
- الأرباح الناتجة من تخزين النفط المكرر في الخزانات الصالحة الآن ولغاية بدء انتاج المصفاة الجديدة.
- إعادة تصدير النفط العراقي الخام الآتي من كركوك من مصب البداوي، خصوصاً وأن ما نشر منذ أسابيع عدة عن التوصل الى اتفاق مبدئي بين العراق وسوريا على استئناف ضخ نفط كركوك الى بانياس للتكرير والتصدير، هو الأمر نفسه الذي ينسحب على لبنان، علماً بأن خط النفط من بانياس الى البداوي.
وقال ملك إن هذا المصدر المالي والذي يحسب على أساس البرميل الخام المصدر، بامكانه أن يؤمن على مدى 3 سنوات الرأسمال الكافي لانشاء مصفاة نفط حديثة، التي ستؤمن بدورها مشتقات نفط للاستهلاك المحلي بأسعار أدنى من أسعار التصدير للخارج، كما أنه بامكانها التقليل من العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 40%.
نظرة القطاع الخاص
يقول رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان مارون الشماس، ننظر الآن الى المصافي كمستودعات وخزانات للمازوت وغير من ذلك من المشتقات النفطية التي تستوردها الشركات من الخارج لمصلحة لبنان.
ويلفت الى أن القطاع الخاص لا يمكنه القيام بهذه العملية منفرداً، بالرغم من أنه يمتلك قدرة مالية وتقنية، إلا أنه يتطلع الى شراكة مع الدولة في هذا الإطار، ولكن يجب البدء بوضع استراتيجية للسياسة النفطية في لبنان. ويوضح الشماس أن تكلفة البناء للمصفاة لا تقل عن 1،5 الى ملياري دولار، علماً أن المصفاة ضرورة استراتيجية وهي ذات جدوى اقتصادية للدولة، وتشكل أمناً استرتيجياً للدولة على صعيد التأمين الدائم للمحروقات.
وقال إن الاستثمار في هذا النوع من الأعمال يحتاج مدة لا تقل عن 20 سنوات لاستعادة الأموال الموضوعة، لكن لا شيء يمنع من الاستقرار، وهذا ما يجب أن تتفق عليه الطبقة السياسية في لبنان، لجهة النأي بالأوضاع الاقتصادية عن البازار السياسي.
وتبلغ توظيفات الشركات العاملة في لبنان الـ15 تزيد عن مليار دولار، في ظل غياب سياسة نفطية واضحة. وتؤمن الشركات على مدار السنة المشتقات النفطية أحياناً في ظروف صعبة، ويبلغ حجم الفاتورة النفطية في لبنان نحو مليار ونصف مليار دولار لمادتي البنزين والمازوت، وتستفيد الدولة بحدود مليار دولار كرسوم وضرائب.
ويؤكد الشماس أن قطاع تجمع الشركات سيلبي أي دعوة للدولة في هذا الاتجاه، إلا أن الدولة الى الآن لم تبحث هذا الموضوع مع التجمع. وقال إننا نؤكد أن اعادة تشغيل المصافي ضرورة اقتصادية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00