لم يكن الاعتراض الإميركي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مشروع القرار العربي، في شأن وضع حدّ للإحتلال الإسرائيلي، مفاجأة. يعكس الموقف الأميركي الضعف المزمن الذي تعانيه إدارة باراك اوباما عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل.
كذلك، يعكس شبه الفيتو الأميركي، الذي لم تكن الإدارة في حاجة إلى استخدامه، العجز عن أن تكون هناك مقاربة أميركية شاملة لمشكلات الشرق الأوسط وأزماته. هذا الشرق الذي يعاني من داعش السنّية والدواعش الشيعية التي شجّعت على قيامها السياسة التوسّعية لإيران. إنّها تلك السياسة التي قامت على الاستثمار في الغرائز المذهبية في المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج وصولا إلى اليمن، الذي يشهد حاليا عملية مبرمجة تصبّ في الانتهاء من مؤسسات الدولة عن طريق تدميرها، أو على الأصحّ القضاء على ما بقي منها...
جاء الموقف الأميركي في سياق التراجع المستمر الذي يصب في مصلحة سياسة اسرائيلية تراهن على عامل الوقت من أجل تكريس الإحتلال لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. كان أفضل تعبير عن هذه السياسة ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق شامير عندما اضطرّ إلى المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام اواخر العام .
شكّل المؤتمر وقتذاك المحاولة الجدّية الأولى لربط مشكلات الشرق الأوسط بعضها ببعض والخروج بتسوية شاملة في ما يخصّ القضية الفلسطينية والإحتلال الإسرائيلي للجولان. قال شامير، في سياق تفسير اضطراره للمجيء إلى العاصمة الإسبانية، أن اسرائيل ستفاوض لعشر سنوات من أجل تمرير الوقت وفرض واقع جديد على الأرض.
بعد ثلاثة وعشرين عاما وبضعة اشهر على مؤتمر مدريد، لم يتغيّر شيء في السياسة الإسرائيلية. حلّ بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية. كان نتنياهو في الناطق باسم الوفد الإسرائيلي في مؤتمر مدريد الذي انعقد برعاية اميركية ـ سوفياتية بحضور الرئيس جورج بوش الأب والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف الذي كانت امبراطوريته على شفا الإنهيار.
يؤمن نتنياهو، مثله مثل شامير، بأنّ هناك شيئا اسمه التفاوض من أجل التفاوض. هناك تفاوض وهناك على الأرض متابعة لعملية بناء المستوطنات من أجل فرض الإحتلال وتكريسه.
ما تغيّر أن ادارة بوش الأب حاولت قطع الطريق على هذه السياسة الإسرائيلية ودفعت ثمنا لذلك. فشل بوش في الحصول على ولاية رئاسية ثانية بعدما حاربته اسرائيل داخل الولايات المتحدة نفسها. أمّا باراك اوباما، فقد استسلم سريعا لنتنياهو، خصوصا عندما اكتشف أنّ في استطاعة رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدّيه في الكونغرس.
لا يمكن القاء كلّ اللوم على ادارة اوباما، التي تفضّل التفرّج من بعيد على ما يدور في الشرق الأوسط متجاهلة أنّ الحرب على داعش لا تخاض عن طريق مراعاة النظام السوري، الذي يذبح شعبه يوميا من جهة والسكوت عن الدواعش الشيعية من جهة أخرى.
لا شكّ في أنّ الموقف الفلسطيني ضعيف وأنّه يعاني الانقسام القائم بين الضفّة الغربية وغزّة. لا شكّ أيضا في أن القضية الفلسطينية تراجعت عربيا وإقليميا. لم يستطع المشروع العربي الحصول على الأصوات التسعة اللازمة في مجلس الأمن من أجل تمريره، في حال قرّرت الإدارة الأميركية تفادي اللجوء إلى الفيتو. هناك دولتان افريقيتان، هما نيجيريا ورواندا، امتنعتا عن التصويت. في الماضي كان الموقف العربي يحظى دوما بدعم افريقي قوي، خصوصا من دولة مثل نيجيريا.
تغيّر العالم. ولّت تلك الأيام التي قطعت فيها معظم الدول الإفريقية العلاقات بإسرائيل تضامنا مع ما كان يعتبره العرب قضيّتهم الأولى.
لعلّ أكثر ما يثير القلق أن الموقف الأميركي الرافض لوضع جدول زمني لإنهاء الإحتلال يعني امرين: الأوّل، أن واشنطن انضمّت إلى الموقف الإسرائيلي القائم على التفاوض من أجل التفاوض من دون مرجعية واضحة لعملية السلام. أمّا الأمر الثاني فهو يتمثّل في العجز عن استيعاب أنّ الظلم اللاحق بالفلسطينيين يساعد في تعزيز التطرّف في الشرق الأوسط...وهذا ما نبّه عليه وما زال ينبّه عليه منذ سنوات، وفي كلّ مناسبة، الملك عبدالله الثاني.
ليس بمثل هذه السياسة الأميركية التي تطمئن اسرائيل إلى أن في استطاعتها متابعة الإستيطان في الضفة الغربية المحتلّة، يمكن محاربة داعش. مَن يشكو من داعش السنّية لا يتجاهل الدواعش الشيعية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري الذي يذبح شعبه، من منطلق مذهبي. هذه الدواعش تقاتل أيضا في مناطق عراقية معيّنة، مثل بعض احياء بغداد، من أجل طرد من بقي من السنّة. وصل الأمر أخيرا بقتل رجال دين في البصرة بغية الإنتهاء من الوجود السنّي في المدينة. الغريب في الأمر أن لا ردّ فعل اميركيا على كلّ هذه الممارسات.
مَن يشكو من داعش لا يقبل استمرار الإحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربية، بل يعمل على تثبيت مرجعية السلام، اي حدود .
هل انضمت اميركا ـ اوباما إلى اسرائيل في اعتبار الضفّة الغربية ارضا متنازعا عليها وليست ارضا محتلّة، كما تؤكّد قرارات الشرعية الدولية؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.