من يزور المغرب هذه الأيام، في الذكرى الـ لاعتلاء الملك محمد السادس العرش يكتشف انّ هناك خيطا يربط بين كلّ الاحداث التي شهدتها المملكة منذ اليوم الاول لخلافة محمّد السادس والده الحسن الثاني. هذا الخيط هو الانسان المغربي والاهتمام به. سنة بعد سنة يزداد المغرب انسانية، خصوصا انّ العاهل المغربي يعتبر انّ الحرب الاهمّ التي يجب على الحاكم خوضها هي الحرب على الفقر.
كان الانسان المغربي محور خطاب محمّد السادس في مناسبة الذكرى الـ لاعتلائه العرش. كان الاهتمام بالإنسان العامل الذي دفعه الى مزيد من الصراحة والشفافية في تناول الوضع في المملكة. بلغة الارقام، تحقّق الكثير في السنوات القليلة الماضية. هذا ما تؤكّده كلّ المنظمات الدولية المعنية بالتنمية والاقتصاد. ولكن بلغة محمّد السادس يجب التساؤل هل خياراتنا صائبة وما هي الامور التي يجب الاسراع بها وتلك التي يجب تصحيحها؟ ما هي الاوراش (الورش) والاصلاحات التي ينبغي اطلاقها؟
لا يتردّد ملك المغرب في القول: إذا كان الانسان يعتقد انّه دائما على صواب او انّه لا يُخطئ، فإنّ هذا الطريق سيؤدي به الى الانزلاق والسقوط في الغرور. نعم، يحذّر محمّد السادس من الغرور الذي هو افة الآفات، خصوصا بين الحكام العرب. لا يكتفي بذلك، بل يطرح اسئلة من نوع مختلف مثل ماذا فعلنا بما حقّقناه من تقدّم؟ هل ساهم ذلك فقط في زيادة مستوى الاستهلاك، ام انّنا وظفنا ذلك في تحقيق الرخاء المشترك لكلّ المغاربة، وإلى اي درجة انعكس هذا التقدّم على مستوى عيش المواطن؟
يظلّ المواطن هاجس العاهل المغربي. يهمّه امن المواطن والاستقرار في المغرب نظرا الى انّ الامن والاستقرار هما اساس الانتاج والثروة. هذا لا يمنعه من التساؤل مجددا أين هي هذه الثروة، هل استفاد منها جميع المغاربة ام انّها طالت بعض الفئات فقط؟.
لم يترك محمّد السادس مناسبة عيد العرش تمرّ من دون ان يظهر مجدّدا اهتمامه بكلّ ما يهمّ المواطن. كشف انّه متابع لكلّ ما يدور في الاوساط المغربية خارج المملكة وداخلها. كرّم صحافيا مرموقا يعمل في لندن خدم دائما بلده وكان صادقا في تأدية مهمّته ومخلصا لرسالته. كرّم الزميل حاتم بيطوي بوسام. في الوقت ذاته، لم ينس فتاة مغربية تفوقّت بشكل مذهل في دراستها الثانوية في فرنسا وكان بين الذين صفّقوا لها وهو يقلّدها وساما.
يتابع محمّد السادس كلّ مشروع بوشر بتنفيذه في المغرب، انّه يعرف تماما ما تحتاجه المملكة. يعرف خصوصا انّ الاصلاحات لا يمكن ان تتوقف وأن دستور الذي اقرّ في استفتاء شعبي كان دليلا على انّ الملك يتجاوب مع ما يطمح اليه المغاربة اضافة الى انّه يعمل يوميا على ان يكون البلد بلد اعتدال بعيدا عن اي نوع من التطرّف. ولذلك شدّد على النهوض بالتنمية البشرية وتأهيل المجال الديني وتأطيره ضمن منطق التاريخ.
من الواضح انّ لا عودة الى خلف في المغرب. لا تراجع امام الذين ينادون بالتطرّف ويروّجون له. هذا الموقف من التطرّف والمتطرفين ومن رجال الدين الذين يزجون أنفسهم بالسياسة لا يستطيع ان يتخّذه سوى ملك واثق من نفسه. محمّد السادس واثق من نفسه ومن المغاربة الى درجة يستطيع فيها الكلام عن وقفة تأمّل وتساؤل مع الذات بكلّ صراحة وصدق وموضوعية.
هناك باختصار ملك متصالح مع نفسه ومع مواطنيه. ان يكون محمّد السادس متصالحا مع نفسه ومع مواطنيه يسمح له بالتحدث عن الجزائر داعيا الى اعادة فتح الحدود بين البلدين وهي مغلقة منذ عقدين. قال في هذا المجال مهما كان حجم الخلاف، فإنّه لا يبرّر استمرار اغلاق الحدود؟. هل في الجزائر من يسمع هذا الكلام ويتجرّأ على مواجهة الواقع بدل الهرب منه استنادا الى حسابات لا علاقة لها بأيّ منطق من ايّ نوع كان؟
كان ملفتا في الخطاب الاشارة الى اهمّية تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا والصين من دون الاشارة الى فرنسا التي تبدو سياستها الخارجية المتذبذبة هذه الايّام اقرب الى حال الضياع من ايّ شيء اخر.
يلعب المغرب في هذه المرحلة الدور الذي اعتاد ان يلعبه تقليديا. انّه يعمل من اجل الاستقرار في المنطقة كلّها، خصوصا في ظل التحدّيات الكثيرة التي تواجه دولها. يزداد حجم هذه التحدّيات التي تفرض نفسها بقوّة في ضوء ما تشهده ليبيا ومنطقة الساحل الافريقي. باتت ليبيا بكل بساطة مخزن سلاح ورجال للإرهابيين والمتطرفين. باتت ليبيا تشكّل، مع الوضع في منطقة الساحل، تهديدا لأمن دول شمال افريقيا. لا يقتصر التهديد على الدول التي لديها حدود مشتركة معها. مثل هذا التهديد يفرض تعاونا اقليميا اوسع بدل الاهتمام في كيفية تسجيل نقاط على المغرب كما تفعل الجزائر التي تؤوي عناصر جبهة بوليساريو التي ليست سوى اداة في خدمتها. تستخدم هذه الاداة في شنّ حرب استنزاف على المغرب لا هدف لها سوى الاساءة من اجل الاساءة، اللهمّ الا اذا كان مطلوبا الاعتراف بأنّ الجزائر، من خلال القدرة على الايذاء قوة اقليمية...
لم تنقص محمّد السادس الجرأة لتسمية الاشياء بأسمائها وتأكيد الثوابت المغربية، على رأسها انّ الصحراء قضية كلّ المغاربة وأمانة في اعناقنا جميعا داعيا الى مواصلة اليقظة لإفشال مخططات الاعداء. وهذا يعني في طبيعة الحال ان هناك استعدادا لتسوية تاريخية لقضية الصحراء على اساس مقترح الحكم الذاتي الذي لا وجود لخيار واقعي غيره على الطاولة.
لا يعني الانفتاح والاعتدال ضعفا. تلك الرسالة التي يمكن فهمها من خطاب محمّد السادس. فالمغرب، بعد الذي حقّقه على الصعيد الداخلي، قويّ ما فيه الكفاية للعب الدور الايجابي الذي يفترض ان يلعبه. هذا الدور يتجاوز شمال افريقيا الى القارة السمراء كلها. انّه دور يصبّ في نهاية المطاف في تحصين المغرب والانصراف اكثر فأكثر للتركيز على الحرب على الفقر التي هي حرب يومية لا مفرّ منها من اجل تأمين مستقبل افضل لمملكة قرّر ملكها ان يذهب الى ابعد الحدود في الشفافية والصراحة مع مواطنيه.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.