يبدو أنه سيكون على العرب أخذ المبادرة في مواجهة كلّ ما من شأنه تهديد كياناتهم وأمنهم القومي. لم يعد أمامهم خيار آخر نظراً الى أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تُشفى، أقلّه في المدى المنظور، من اعتماد الادارة الحالية برئاسة باراك أوباما سياسة تقوم على التردد، تماماً كما كانت عليه إدارة الرئيس جيمي كارتر التي عانت من عقدة فيتنام.
انتخب كارتر رئيساً في العام 1976، وبقي في البيت الابيض أربعة أعوام. تميّز عهده بالرغبة في جعل الأميركيين ينسون حرب فيتنام التي وضعت أوزارها في 30 نيسان 1975.
خسرت الولايات المتحدة حرب فيتنام في الداخل الاميركي أوّلاً. لم يفهم الأميركيون، بأكثريتهم الساحقة، لماذا عليهم التضحية بأبنائهم من أجل حماية النظام القائم في فيتنام الجنوبية الذي كان يواجه حرباً تشنها فيتنام الشمالية مدعومة من الاتحاد السوفياتي والصين.
سقط جيمي كارتر في إيران. سقط عندما لم يستطع فهم النتائج التي ستترتب على احتجاز الديبلوماسيين الأميركيين طوال أربعمئة وأربعة وأربعين يوماً في سفارة الولايات المتحدة في طهران. عاقبه الأميركيون عندما رفضوا تجديد ولايته الرئاسية.
قبل سقوط كارتر في انتخابات الرئاسة، التي أجريت في تشرين الثاني 1980 أمام رونالد ريغان، الذي عقد صفقة مع الايرانيين من خلف ظهر منافسه، سقطت عملياً هيبة أميركا في العالم. تراجعت الولايات المتحدة في كلّ بقعة من بقاع الكرة الأرضية.
استطاع ريغان، الذي لم يخرج رهائن السفارة الأميركية في طهران من أسْرهم إلا بعد انتخابه رئيساً، واستعادة هيبة الولايات المتحدة في العالم. لكنّ عهده شهد بداية توسّع النفوذ الايراني في لبنان بعدما انسحب عسكرياً من الوطن الصغير اثر تفجير مقر المارينز في بيروت في 23 تشرين الاوّل 1983.
استفادت إيران من انشغال الإدارة الأميركية الريغانية بسياسات أكبر بكثير من بلد صغير مثل لبنان. كان تركيز الرئيس الأميركي، الذي دخل البيت الابيض خلفاً لجيمي كارتر، ينصب على ربح الحرب الباردة. حقق ما لم يستطع أيّ رئيس أميركي على تحقيقه عندما تحدّى الاتحاد السوفياتي بشكل مباشر، وادخله في منافسة كشفت ضعفه الاقتصادي. فعل ذلك عندما بدأت الولايات المتحدة تتحدّث عن حرب النجوم التي تعني إقامة منظومة دفاعية في الفضاء تجعل الصواريخ العابرة للقارات التي يمتلكها الاتحاد السوفياتي غير ذات فعاليّة.
هل كانت حرب النجوم مشروعاً عسكرياً قابلاً للتطبيق أم لا؟ ليس معروفاً ما إذا كان هناك أساس واقعي له، لكن الثابت أنه أدخل الاتحاد السوفياتي في سباق للتسلّح كشف أنه عملاق يقف على ساقين هزيلتين.
ما لبث الاتحاد السوفياتي أن انهار في بداية العام 1992. كانت في تلك الأيّام، هناك في الولايات المتحدة ادارة قادرة على التصرّف من منطلق كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم. اسم تلك الإدارة التي يحنّ اليها العرب إدارة بوش الأب ـ جيمس بيكر.
مارست هذه الإدارة كلّ الأدوار التي تليق بقوة عظمى. جرّت اسرائيل جرّاً الى مؤتمر مدريد للسلام وأجبرتها على وقف الاستيطان، على الرغم من أن الحكومة فيها كانت من أكثر الحكومات يمينية وتطرّفاً. كانت الحكومة فيها برئاسة اسحق شامير الذي يعتبر أحد الآباء الروحيين لبنيامين نتنياهو.
فشامير كان ينادي بالمفاوضات من أجل المفاوضات واستغلال الوقت من أجل إقامة واقع جديد على الأرض اسمه المستوطنات.
كشفت حرب الكويت أن ادارة بوش الاب ـ جيمس بيكر، الذي كان وزيراً حقيقياً للخارجية الاميركية، وليس وزير خارجية على طريقة جون كيري، تقرن الأقوال بالأفعال. لم تمض أيّام على اجتياح العراق للكويت، صيف العام 1990، حتى بدأ التفكير في كيفية إخراجه منه. جعلت الولايات المتحدة العالم كلّه يقف في وجه الاحتلال العراقي لهذا البلد المسالم. حتّى حافظ الأسد، الرئيس السوري وقتذاك، أرسل وحدة عسكرية شاركت الى جانب الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين وآخرين في حرب إخراج القوات العراقية من الكويت. ترافق ذلك مع ضغوط أميركية على إسرائيل لمنعها من التفكير في زجّ نفسها في حرب تحرير الكويت. كان طموح صدّام حسين يتمثّل في توريط إسرائيل في حرب تحرير الكويت بهدف إحراج العرب الذين وقفوا مع الجانب المظلوم، أي مع الشعب الكويتي.
جعلت إدارة بوش الأب ـ جيمس بيكر اسرائيل تأخذ حجمها الحقيقي. منعتها من الإقدام على أي خطوة يفهم منها أنّها قادرة على عصيان الأوامر الأميركية. حتى بطاريات صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ التي أرسلت إلى إسرائيل، لحمايتها من الصواريخ العراقية، كانت ذات طواقم أميركية.
هناك حنين عربي حقيقي لإدارة أميركية فكّرت عشر مرّات قبل متابعة الحملة العسكرية الأميركية في اتجاه بغداد بعد طرد الجيش العراقي من الكويت. كانت لدى هذه الإدارة، التي ضمت أيضاً أشخاصاً مثل الجنرال برنت سكوكروفت (مستشار الأمن القومي)، معرفة بالتوازنات الإقليمية. لم يكن لديها أي حرص، من أي نوع، على النظام العائلي ـ البعثي في العراق. لكنها كانت تدرك أن أي انهيار مفاجئ للنظام في بغداد كان سيؤدي إلى تحقيق إيران مكاسب داخل العراق والى خلل في التوازن الإقليمي لمصلحة إيران.
المؤسف حالياً أن أميركا لم تعد قادرة على قيادة العالم. هناك ادارة أميركية متلهية بالبرنامج النووي الإيراني والسلاح الكيميائي السوري. لا تدرك ما هو أهمّ من ذلك بكثير. فبقاء النظام السوري القائم، بفضل إيران وروسيا، لن يؤدي سوى إلى أمرين. الأوّل تدمير سوريا تمهيداً لتفكيكها، والآخر المزيد من الخلل على الصعيد الاقليمي... لمصلحة إيران أوّلاً، ومصلحة كلّ من يسعى إلى إإثارة الغرائز المذهبية في المنطقة ثانياً وأخيراً.
في ظلّ مثل هذه الإدارة الأميركية، هل هناك من لا يزال يستغرب لماذا ليس أمام العرب سوى التفكير بطريقة مختلفة؟ بدءاً بدعم مصر وحمايتها ومنع سقوطها، بعدما وقف شعبها في 30 حزيران الماضي في وجه جماعة الإخوان المسلمين؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.