هل سيتغيّر شيء في إيران؟ يبدو السؤال مشروعاً نظراً الى أن ما تشهده إيران في غاية الأهمّية ويمكن أن يكون منعطفاً على الصعيد الاقليمي. لا لشيء سوى لأنّ ايران في كلّ مكان من المنطقة، خصوصاً في دول عربية أو مناطق معيّنة من بينها على سبيل المثال وليس الحصر لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين والسودان وقطاع غزة... وحتى سيناء المصرية.
في مرحلة معيّنة سعت ايران الى التدخل في شؤون دول شمال افريقية. وهذا ما دفع المغرب الى سدّ كل الابواب في وجهها، لا سيّما وأنها حاولت دخول البلد من البوابة المذهبية. وكانت النتيجة أن الرباط قطعت العلاقات الديبلوماسية مع طهران تفادياً لأيّ ضرر يمكن أن تلحقه بالمملكة ومجتمعها.
لا شكّ أن انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الاسلامية يمكن أن يشكّل خطوة مهمّة في اتجاه حصول تغيير كبير في سلوك البلد الذي يعتقد انّه قوة اقليمية تستأهل أن يكون لها نفوذ ودور في كلّ الشرق الأوسط. تطمح ايران بكل بساطة الى محاورة القوة العظمى التي اسمها الولايات المتحدة بموجب اجندة خاصة بها تكرّس دورها الاستثنائي على الصعيد الاقليمي، حتى في افغانستان حيث الولايات المتحدة غارقة في حرب لا تدري كيف تخرج منها.
في الواقع تسعى إيران الى عقد صفقات مع الشيطان الاكبر الاميركي من منطلق انها تمتلك أوراقاً كثيرة تمكّنها من دخول لعبة المساومات.
جاء روحاني ليتحدث الى العالم، بما في ذلك المحيط العربي بطريقة مختلفة وأسلوب جديد. من الواضح انه رجل انفتاح، أقلّه نظرياً، علماً أنّ الكلام الجميل والمنمقّ وحده لا يكفي. فالمهمّ تغيير السلوك في العمق وليس مجرّد تغيير الاسلوب من أجل تحقيق الهدف نفسه، أي اقناع العالم بأن ايران مستعدة لصفقة مع الاميركيين وغير الاميركيين.
بكلام أوضح لن يكون كافياً تبادل الرسائل بين الرئيس الايراني والرئيس الاميركي... أو حصول لقاء بينهما كي يحصل التغيير المطلوب الذي ستكون له انعكاسات على الداخل الايراني وعلى العلاقات بين طهران وعواصم دول المنطقة في آن.
الى الآن، لم تقدم ايران سوى على سياسات ذات طابع استفزازي لا علاقة لها بما يرفعه النظام من شعارات طنانة. فالكلام عن تدمير اسرائيل وازالتها من الوجود أكبر خدمة تقدّمها ايران للدولة التي تعتبر نفسها يهودية والتي تصرّ على احتلال الارض العربية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه. وما تفعله ايران في لبنان يصبّ عملياً في تدمير الوطن الصغير والقضاء على مؤسساته وترسيخ الشرخ الطائفي والمذهبي. انها تحرم اللبنانيين من العيش في بلد طبيعي فيه حكومة طبيعية وليس حكومة مفروضة فرضاً بواسطة ميليشيا مذهبية مسلّحة مرجعيتها في طهران. هل في استطاعة إيران تغيير سياستها في لبنان... أم أنّ لا داعي حتى الى طرح مثل هذا السؤال؟
أما ما تفعله في سوريا، فهو ذروة الظلم. انها تدعم بكلّ الوسائل حرباً يشنّها نظام فئوي ومذهبي على شعبه من أجل إبقائه تحت نير الذلّ والعبودية وتحت تهديد السلاح الكيمياوي والقنابل وكلّ انواع القمع والوحشية.
لا مجال لشرح ما تفعله ايران في العراق أوّلاً، وفي اليمن أو السودان أو البحرين أو مصر أو غزة وسيناء القريبة منها. هناك الآن سوريا حيث يموت الناس يومياً. متى يطرأ تغيير على الموقف الإيراني من سوريا والثورة الشعبية فيها، يمكن عندئذ القول إن هناك ما يدعو الى التفاؤل وإن رسائل الرئيس روحاني ومقالاته واستعداده للحوار يعني شيئاً على أرض الواقع.
تظلّ سوريا الامتحان الذي يفترض أن يخضع له روحاني. ليس كافياً ابداء الاستعداد للتوسط بين النظام والشعب السوري. لا مجال لوساطة بين القاتل والضحية من أجل إنقاذ القاتل. كلّ ما في الامر أن من الطبيعي لنظام يدّعي أنه يدافع عن حقوق الانسان، الوقوف مع الشعب السوري وثورته.
هل يستطيع روحاني القيام بالنقلة النوعية المطلوبة المطلوبة التي تجعل منه قادراً على أن تكون لديه كلمة في ايران نفسها أوّلاً؟ أم انه أسير المرشد والحرس الثوري وانه ليس سوى وسيلة تستخدم في الوقت الراهن لتلميع صورة النظام؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يحتاج الى جواب في الأسابيع القليلة المقبلة. اذا لم يحصل تغيير في الموقف الايراني من سوريا، وبالتالي من لبنان، يكون روحاني يقوم بعملية علاقات عامة لا أكثر. يمكن لهذه العملية أن تقود الى علاقات أفضل مع الادارة الاميركية، ولكن موقتاً في غياب التغيير الحقيقي في العمق. وهذا يعني عملياً التخلي عن وهم الدور الاقليمي والقوة العظمى القادرة على التدخل في هذه المنطقة العربية أو تلك.
في نهاية المطاف، هل تستطيع الولايات المتحدة تجاهل البرنامج النووي الايراني في حال لم تقدّم طهران الضمانات المطلوبة التي يبدو أن روحاني يعد بها؟
لا بدّ من إعطاء الرئيس الايراني الجديد متسعاً من الوقت قبل الحكم عليه وعلى ما اذا كان قادراً على تغيير السلوك الايراني بدل الاكتفاء بتغيير الاسلوب. عاجلاً أم آجلاً سيتبيّن ما هو الوجه الحقيقي لروحاني الذي كان انتخابه تعبيرا عن نقمة شعبية على نظام نشر البؤس في ايران. هل إن ابتسامته مجرّد قناع أم إنه قادر على قول كلمة حقّ إنْ في سوريا أو في لبنان. أي أن يقول أن ليس مسموحاً بقاء نظام قاتل في السلطة في دمشق وليس مسموحاً أن تتحكّم ميليشيا مذهبية إيرانية بمصير الشعب اللبناني بكلّ فئاته.
ليس بعيداً اليوم الذي سيتبيّن فيه ما إذا كان انتخاب روحاني رئيساً جاء استجابة لتطلعات الشعب الإيراني... أم كلّ ما في الأمر أنّ النظام الإيراني يستغلّ وجه الرئيس الايراني الجديد، وهو وجه مقبول، من أجل امتصاص النقمة الشعبية والانقضاض على مواطنيه مجدداً، تماماً كما حصل في العام 2009!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.