8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ما تحقق ليس انتصاراً بعد

ما حصل في لبنان يوم الخامس عشر من أيار 2013، كان حدثاً تاريخياً بكلّ معنى الكلمة. كشف الفشل في تمرير ما يسمّى القانون الارثوذكسي، الذي لا علاقة له بالأرثوذكس من قريب أو بعيد، أن لبنان ما زال يقاوم. إنها المقاومة الحقيقية التي تمارسها ثقافة الحياة في مواجهة ثقافة الموت. إنها رسالة لبنان الحضاري، رسالة تتصدى للذين يريدون إلغاء الرسالة.
هناك بكل بساطة مقاومة حقيقية في لبنان مرتبطة أولاً وأخيراً بالرغبة في التخلص من كلّ أنواع الوصاية، خصوصاً من الوصاية الايرانية التي تلت الوصاية السورية - الايرانية، وهي مرحلة انتهت بخروج القوات السورية من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005.
ما يقاومه اللبنانيون عبر رفضهم القانون الذي يقسّمهم الى مذاهب وطوائف متباعدة ومتقاتلة، بدل قانون يساعد في التوحيد في ما بينهم، هو الوصاية الجديدة. إنها وصاية يسعى حزب الله الإيراني الى فرضها عليهم من طريق أداة اسمها النائب المسيحي ميشال عون. أخطر ما في ميشال عون أنه يتصور نفسه موسوليني صغيراً. يعتقد بأن النظر الى المرأة يضخّم من حجمه. لم يدرك يوماً أنه لا يعرف شيئاً في أي موضوع سياسي. كلّ ما يمكن أن يصلح له ميشال عون هو إثارة الغرائز المذهبية من جهة وعمل كلّ شيء من أجل تفريغ لبنان من مسيحييه من جهة أخرى.
من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى عدد المسيحيين الذين هجّرهم ميشال عون من لبنان نتيجة حربي التحرير والالغاء اللتين خاضهما مع المسلمين اللبنانيين ومع القوات اللبنانية التي كانت لا تزال في 1988 و1989 ميليشا من الميليشيات اللبنانية.
هجّر ميشال عون في وقت قياسي أكبر عدد من المسيحيين من لبنان. لم يفهم حتى معنى إغلاق أبواب قصر بعبدا أمام الرئيس المنتخب رينيه معوّض، الذي اغتاله النظام السوري بسبب وجوده في مكان مكشوف خارج القصر الرئاسي. المفارقة أنّه فتح هذه الأبواب أمام القوات السورية في تشرين الأوّل 1990 عندما أراد حافظ الأسد أن يقبض سلفاً ثمن مشاركته في حرب تحرير الكويت الى جانب القوات الأميركية.
يظل الأهم من ذلك كلّه أن اللبنانيين تصدّوا لقانون انتخاب ينتحل صفة أرثوذكسية لا هدف منه سوى تدمير صيغة العيش المشترك. من حسن الحظ أنه وجد بين المسيحيين من يتصدّى لهذا المشروع الذي يستهدف إخراج المسيحيين من المعادلة الوطنية، بحجة استعادة حقوقهم.
أين حقوق المسيحيين والمسلمين، بل أين لبنان، في وقت يوجد في البلد حزب مسلّح تأتي أوامره من طهران لا يقيم وزناً للدولة اللبنانية. هذا الحزب يعمل حالياً بشكل منهجي على تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى. الدليل على ذلك أنّه يمنع رئيس الوزراء المكلف تمّام سلام من تشكيل حكومة لا تضمّ حزبيين أو مرشحين للانتخابات النيابية.
السؤال الحقيقي هل هذا الحزب التابع لإيران يستطيع السماح بإجراء انتخابات نيابية فيما هو غارق فوق أذنيه في المستنقع السوري وبعدما صار جزءاً لا يتجزّأ من الحرب المذهبية الدائرة في البلد الجار المقبل على التفتيت؟
ما كشفته الأيام الاخيرة أن ألاعيب ميشال عون، وهي في الواقع ألاعيب حزب الله الذي يتلاعب به، لم تعد تمرّ على أحد. لم تعد تمرّ خصوصاً على المسيحيين الآخرين الذين تصدّوا لثقافة الموت وللعبة التذاكي التي حاول بعض الغلمان، غلمان آخر زمن، ممارستها عن طريق التسلل الى معراب والى بكفيا أو بيت الكتائب المركزي في الصيفي.
في النهاية، ليس في الإمكان فرض قانون انتخاب يعيد لبنان عشرات السنين، بل مئات السنين الى خلف. الخوف كلّ الخوف الآن على الانتخابات. هناك رغبة واضحة لدى حزب الله في إلغاء الانتخابات في ضوء انشغاله في الحرب التي تُشنّ على الشعب السوري والتي انضمّ إليها أخيراً انضماماً كاملاً.
من هذا المنطلق، لا يمكن اعتبار ما حصل يوم الخامس عشر من أيار- مايو 2013 انتصاراً. إنه خطوة على طريق تحقيق انتصار كبير في مرحلة لاحقة استناداً الى أنه لا يصحّ إلا الصحيح، مهما طال الزمن ومهما تكالب الأعداء على لبنان.
يتمثّل هذا الانتصار في إجراء انتخابات نيابة في أسرع وقت وفق قانون عصري يضمن حداً أدنى من التمثيل الصحيح للبنانيين في المجلس النيابي. يفترض في مثل هذه الانتخابات المساهمة في دعم مؤسسات الدولة اللبنانية وليس السعي الى القضاء عليها لمصلحة ميليشيا مذهبية تابعة لدولة خارجية.
نعم، ما تحقّق ليس انتصاراً بعد... لكنّه دليل على أن اللبنانيين ما زالوا يقاومون وأن المقاومة الحقيقية هي تلك التي تتصدى لثقافة الموت ولمثيري الغرائز الطائفية والمذهبية الذين يخدمون المشروع الاسرائيلي في المنطقة من حيث يعلمون أو لا يعلمون... والأرجح أنّهم يعلمون.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00