طبيعي حصول تقارب مصري- ايراني، خصوصا ان امورا كثيرة تربط بين البلدين الكبيرين اللذين يمتلكان حضارة قديمة. ما هو طبيعي اكثر أن يعمل البلدان من أجل الاستقرار في المنطقة بدل العمل على اضعافها وشرذمتها واستغلال الضعف المصري من اجل تغطية الممارسات الطائفية والمذهبية التي ليست سوى غطاء لمشروع سياسي واضح المعالم يسعى الى الهيمنة على كلّ ما هو عربي في الشرق الاوسط بدءا بمنطقة الخليج.
مثل هذا المشروع لم يعد خافيا على احد، خصوصا اذا نظرنا الى ما يتعرّض له العراق وسوريا ولبنان والاردن واليمن والبحرين وكلّ دولة من دول الخليج العربي. هل هناك من يريد تناسي وجود ثلاث جزر اماراتية تحتلها ايران منذ العام 1971، أي منذ ايّام الشاه وهي ترفض الدخول في أي مفاوضات في شأنها كما ترفض أي تحكيم دولي يمكن أن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه؟
كان في الامكان تشجيع أيّ تقارب مصري- ايراني، لو لم يكن الامر يتعلّق بأصوليتين تسعى كلّ منهما الى الاستفادة من الاخرى لتحقيق مآرب لا علاقة لها لا بمستقبل الشعب الايراني ورفاهه ولا بايجاد مخارج من الازمات العميقة التي تعاني منها مصر وشعبها الصابر. هذه الازمات، زادت حدتها وباتت اكثر عمقا منذ استطاع الاخوان المسلمون خطف الثورة المصرية عن طريق ميليشياتهم التي نزلت الى الشارع في الثامن والعشرين من كانون الثاني- يناير 2011 وتكفّلت بزرع الفوضى في كلّ البلد...بما مهّد لنهاية نظام الرئيس حسني مبارك بعد تخلّي المؤسسة العسكرية عنه.
من الواضح أنّ النظام الايراني بات منخرطا الى ما فوق رأسه في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه. مثل هذا الانخراط امر مفهوم ومنطقي في الوقت ذاته. ففي حال سقوط النظام السوري، وهو ساقط حتما، ستفقد ايران بلدا عربيا كانت تسرح وتمرح فيه وتعتبره اقرب الى مستعمرة من أي شيء آخر. وستفقد ايضا الممرّ الى لبنان الذي تسيطر عليه. انّها تسيطر عليه عبر ميليشيا مذهبية يقاومها اللبنانيون الشرفاء من كلّ الطوائف والمناطق. بلغت الوقاحة بهذه الميليشيا حدّ تشكيل حكومة، برئاسة شخصية سنّية اسمها الرئيس نجيب ميقاتي، فرضت بقوة السلاح على اللبنانيين وذلك في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن...
هل من مصلحة مصرية في الانضمام الى مثل هذا المشروع المذهبي، الذي لا افق له، خصوصا في ضوء ما نشهده حاليا في سوريا والعراق وحتى في لبنان؟
يطرح هذا السؤال نفسه مجددا في ضوء الزيارة التي قام بها حديثا احد مساعدي الرئيس محمد مرسي لطهران لاجراء محادثات والتنسيق في شأن سوريا. اسم المساعد السيّد عصام الحداد وهو معروف بأنّه احدى صلات الوصل بين النظام الايراني والاخوان.
في النهاية، هل من مصلحة ايرانية في ايجاد تسوية مقبولة من الشعب السوري، ام أنّ كلّ ما تسعى اليه ايران هو انقاذ النظام الذي ورثه بشّار الاسد عن والده... أو اقامة دولة علوية ذات امتداد في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله بشكل مباشر في لبنان؟
يتمثّل هدف ايران في المحافظة على موطئ قدم في سوريا، البلد العربي المهمّ. اين مصلحة مصر في دعم هذا المشروع، أم أن الاخوان يعتقدون أن في استطاعتهم استخدام الورقة الايرانية من أجل الضغط على اهل الخليج وابتزازهم؟
هناك بين اهل الخليج من يدخل لعبة الابتزاز. لكن هناك من يرفضها جملة وتفصيلا، خصوصا أنّ بينهم من يعرف الاخوان جيّدا ويعرف خصوصا أمرين. الاوّل أن ليس في الامكان البقاء في منأى عن غدرهم. أمّا الامر الآخر، فهو أنّ النظام في ايران سيتلاعب بمصر وسيدخلها في متاهات لا قدرة لدى الاخوان على الخروج منها.
يمكن ايراد مثل بسيط في هذا الشأن. هل يدرك الاخوان ما الذي يجري فعلا في صحراء سيناء المصرية وما هي طبيعة العلاقات بين النظام الايراني من جهة والمجموعات المسلحة في سيناء وفي غزة نفسها من جهة أخرى؟
في النهاية، ايضا وايضا، هل مصر مع الشعب السوري أم ضدّه؟ انه السؤال الذي يفترض في الاخوان، داخل مصر وخارجها، الاجابة عنه اليوم قبل غد، هم الذين بدأوا يعدون نفسهم لايجاد مكاتب في الاراضي السورية المحررة. من حرّر هذه الاراضي من قبضة النظام المستبد الذي حوّل سوريا الى مزرعة عائلية بكلّ ما في كلمة مزرعة من معنى؟ اوليس الشعب السوري من فعل ذلك بعد تضحيات يصعب على أيّ شعب آخر تحمّلها؟
لو كانت الامور طبيعية ولو كان النظام في ايران طبيعيا، لما كانت حاجة الى أي تحفظ من أي نوع كان عن التقارب المصري- الايراني. ولكن في وقت يدفع الشعب السوري ضريبة الدم من اجل استعادة حريته وكرامته، نجد مصر- الاخوان تدخل لعبة لا طائل منها.
بكلام اوضح، تضع مصر- الاخوان نفسها في خدمة مشروع يبدأ في طهران ولا ينتهي في مارون الراس في جنوب لبنان. ومارون الراس قرية حدودية لبنانية تطلّ على فلسطين المحتلة.
أين مصلحة مصر في مشروع من هذا النوع يصب في آخر المطاف في عملية تطويقها، خصوصا عن طريق السودان؟ هل يحتاج الضغط على اهل الخليج الى كلّ هذا الحقد بدل التفكير بطريقة منطقية تقوم على جعل مصر بلدا آمنا مرحّبا بالاستثمارات العربية وغير العربية بدل أن يكون طاردا لها ومجرّد اداة في مشروع لا يخدم الاستقرار الاقليمي في أي شكل من الاشكال؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.