معروف أن الرئيس بشّار الاسد لا يعرف شيئاً عن لبنان. كان، ولا يزال، مصرّاً على التعاطي مع اسوأ انواع اللبنانيين من منطلق أنه ورث لبنان عن والده مثلما ورث سوريا التي صارت تحمل اسم العائلة، أي سوريا الاسد. لا يريد أن يتعلّم شيئاً عن الجار الصغير خشية اكتشافه أن التركيبة اللبنانية ليست هشّة كما يتصوّر ويردّد في مجالسه الخاصة، وأنّه اذا كانت من هشاشة، فانها في معظم دول المنطقة، على رأسها سوريا. ماذا سنقول، في ضوء ما شهدناه من مآس منذ العام 2003، عن العراق ومشاكله المذهبية والطائفية والقومية اذا كان لبنان هشّاً؟
كان واضحاً من خلال تعاطيه مع الوضع اللبناني، منذ ما قبل توليه الرئاسة اثر وفاة والده، انّه لا يريد أن يعرف شيئاً لا عن لبنان ولا عن التوازنات القائمة في الوطن الصغير وتركيبته. كانت لديه قناعة بأنّ حزب الله، اي الميليشيا المذهبية الايرانية التي اخذت الطائفة الشيعية اللبنانية رهينة، تمثّل كلّ لبنان واللبنانيين وأنها قادرة على فرض ارادتها، اي ارادة ايران والنظام السوري، على اللبنانيين. اكثر من ذلك، كان يظنّ أن حزب الله اقام توازناً استراتيجياً مع اسرائيل وأنّ هذا التوازن بات يسمح له بالحديث عن انصاف رجال عندما يتعلّق الامر برجال حقيقيين هم زعماء دول عربية حقيقية.
لم يكتشف في خريف العام 2004 بعد جريمة التمديد للرئيس اميل لحود، برغم صدور القرار 1559 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة، أن لبنان ليس حزب الله وأن اللبنانيين سيقاومون نظام الوصاية. لم يتعلّم شيئاً من النتائج التي ترتبت على جريمة اخرى اكبر هي اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه بما في ذلك اضطرار الجيش السوري الى مغادرة الاراضي اللبنانية.
الى الآن، تدلّ كلّ التصرّفات الصادرة عن النظام السوري أنّ هناك عجزاً عن فهم لبنان وعن استيعاب خطورة اللعبة القائمة على دعم حزب مذهبي معروفة ولاءاته وتأليب اللبنانيين على بعضهم بعضاً. لم يستطع النظام السوري ادراك أن مثل هذه السياسة لا يمكن الاّ ان ترتد يوماً على الداخل السوري وعلى النظام نفسه، بسبب طبيعته الطائفية والمذهبية اساساً.
بالنسبة الى كثيرين، لم تكن تصرّفات بشّار الاسد في لبنان مفاجئة، خصوصاً أنه كان مقتنعاً بأن والده استطاع السيطرة على البلد الجار وادارة شؤونه عبر الاغتيالات والتفجيرات. يمكن تفهّم تصرفّاته، على الرغم من أنّها غير مبررة اطلاقاً، من زاوية غياب الخبرة السياسية.
ما فعله في لبنان كان متوقّعاً، كانت المفاجأة الحقيقية الطريقة التي تعاطى بها بشّار الاسد مع سوريا والسوريين واعتقاده أنّ حزب الله قادر عبر تدخله العسكري حلّ المشكلة التي يعاني منها النظام السوري. ان حزب الله غير قادر على حلّ مشكلته مع اللبنانيين، بما في ذلك قسم لا بأس به من ابناء الطائفة الشيعية الكريمة، فكيف سيحلّ مشكلة النظام السوري المرفوض من شعبه بأكثريته الساحقة؟
لم تكن المقابلة التلفزيونية الاخيرة التي اجراها قبل أيّام مع التلفزيون الرسمي سوى دليل آخر على جهل الاسد الابن ببلده. اخطر ما في المقابلة تصويره الشعب السوري بأنه مجموعة من الارهابيين. غاب عن باله أن ثورة الشعب السوري دخلت عامها الثالث وليس في الافق ما يشير الى أن هذا الشعب مستعد للقبول بعودة الوضع الى ما كان عليه قبل آذار- مارس 2011.
هناك شعب يرفض الاذلال ويرفض خصوصاً أن يكون افراده مجرّد عبيد لدى عائلة قادرة على عمل ما تشاء بأي انسان سوري. لو لم يكن الامر كذلك، لما انشقّ شخص مثل مناف مصطفى طلاس ولما كان موظّف برتبة نائب لرئيس الجمهورية، مثل فاروق الشرع يتجرّأ على الابتعاد عن الاضواء والامتناع عن الدفاع عن النظام.
ما أكّدته المقابلة الاخيرة للرئيس السوري أنه رئيس سابق وأنه عاجز عن البقاء في السلطة، أقلّه ظاهرا، الا بفضل الدعم الايراني والروسي. لن يبقيه الدعم الايراني والروسي في دمشق الى ما لا نهاية. هذا امر مستحيل، لا لشيء سوى لأن ليس في استطاعة أي حاكم البقاء في السلطة فيما الاكثرية الساحقة من ابناء شعبه تريده خارج البلد.
لن يفيد بشّار الاسد في شيء تهديده الاردن وتخويفه العالم من أنّ الاحداث السورية ستحرق دول الجوار. انه ابتزاز في غير محلّه، فضلاً عن أنه دليل آخر على مدى جهل بشّار بما يدور في المنطقة والعالم، اضافة الى عجزه عن فهم ما يدور في سوريا والاردن وقبل ذلك لبنان. الاردن ليست لقمة سائغة والاردن صمدت في وجه عواصف اقليمية عاتية وهي تتحمّل بسبب تدفق اللاجئين السوريين على اراضيها ما لا يمكن لدول اخرى في وضع اقتصادي افضل بكثير تحمّله.
في استطاعة بشّار الاسد استخدام التطرف الديني لابتزاز دول المنطقة والغرب. لكنّ ذلك لن يقدّم ولن يؤخر لسبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في أن العالم يعرف أن نظامه لعب دوراً اساسياً في تصدير الارهاب الى الدول المحيطة بسوريا، خصوصا الى لبنان والعراق والاردن والبحرين.
الاهمّ من ذلك أن العالم يعرف أن اللعبة الوحيدة التي لا يزال النظام السوري قادراً على ممارستها هي تفتيت سوريا عن طريق اطالة المواجهات بين الشعب والنظام المدعوم ايرانياً وروسياً...ارضاء لاسرائيل. هل من وضع افضل لاسرائيل من الوضع القائم الآن في سوريا؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.