مرّت السبت الماضي الذكرى الـ38 على بداية الحرب الاهلية اللبنانية، التي هي في الوقت ذاته حروب الاخرين على ارض لبنان. منذ ثمانية وثلاثين عاما، أي منذ الثالث عشر من نيسان- ابريل 1975، لا يزال لبنان مهدّدا نظرا الى أنه لم يوجد حل للمشكلة التي في اساس كلّ المشاكل. اسم هذه المشكلة، التي هي بمثابة أمّ المشاكل اللبنانية، السلاح غير الشرعي الذي يعمل بشكل منظّم على تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية.
من السلاح الفلسطيني، السوري المصدر...الى السلاح الايراني، هناك قاسم مشترك اسمه النظام السوري. لم يكن لدى هذا النظام من شعار، منذ تولي حافظ الاسد موقع وزير الدفاع في 1966، ثم استحواذه في 1970 على كل السلطات في الدولة السورية، وصولا الى توريث نجله بشّار البلد، سوى الانتصار على لبنان. رفع النظام السوري، الذي لا يؤمن سوى باغراق لبنان بالسلاح، شعار: الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على اسرائيل. اعتبر دائما أن فرض الوصاية على الوطن الصغير واحتلاله تجارة رابحة اكثر بكثير من استرجاع الجولان، اكان ذلك عبر المفاوضات أو حربا...
الى الآن، لم يتغيّر شيء في تصرّفات النظام السوري. الشيء الذي تغيّر هو النظام السوري نفسه الذي انكشف اخيرا على حقيقته. تبيّن أن النظام الذي لا يمتلك أي شرعية من أي نوع كان في حاجة دائمة الى الهروب الى الخارج بدل الاهتمام بسوريا والسوريين. من يتذكّر كم من الوقت صرف على استقبال زعيم هذه الميليشيا اللبنانية او تلك بهدف واضح كلّ الوضوح هو القضاء على لبنان وعلى الصيغة اللبنانية.
كان في استطاعة حافظ الاسد استقبال أيّ زعيم ميليشيا لبنانية ساعات، لكنّه لم يجد يوما متسعا من الوقت للبحث مع سياسي سوري له وزنه وحيثيته الاوضاع الداخلية للبلد. ربّما حصلت استثناءات قليلة، احدها مع شخص مثل الاستاذ صلاح البيطار، احد مؤسسي حزب البعث ورئيس الوزراء بعد انقلاب الثامن من آذار- مارس 1963. لكنّ النتيجة المباشرة للاجتماع كانت اغتيال البيطار في باريس مطلع الثمانينات من القرن الماضي. اغتيل صلاح البيطار بعد رفضه أن يكون اداة للنظام القائم في وقت كان الاخير يمرّ في ازمة عميقة توّجت بمجزرة حماة في شباط- فبراير 1982.
يتمثّل جديد ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية في السنة 2013 في أن لبنان يتفرّج للمرة الاولى منذ العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم، على الانهيار اليومي للنظام السوري. اصبح النظام السوري جزءا من الماضي. لا يزال يقاوم في دمشق ومناطق اخرى، انّه يقاوم الشعب السوري لا اكثر ولا أقلّ. هذا الشعب الساعي الى استعادة كرامته وبعضا من الحرّية.
لا يزال النظام السوري يعتقد أن في استطاعته التأثير في لبنان والاعتراض على تسمية رئيس لمجلس الوزراء لا يحظى برضاه، لكنّ الثابت أن شيئا ما تغيّر في العمق في لبنان. لو لم يكن الامر كذلك، لما كلّف رئيس الجمهورية تمّام صائب سلام تشكيل الحكومة. قد ينجح تمّام بك في ذلك، كما قد لا ينجح. الاكيد أنّ السبب الذي يمكن أن يحول دون نجاحه هو سلاح حزب الله الايراني الذي حلّ مكان السلاح السوري المصدر. هذا السلاح الذي استخدمته الميليشيات المسيحية احيانا واخرى اسلامية في احيان اخرى والفلسطينيون في كلّ الاحيان للاسف الشديد. كان للسلاح الذي تدفق على الفلسطينيين من سوريا هدف محدد هو ضرب قضيتهم من جهة واستخدامهم في تمزيق لبنان من جهة اخرى.
يستكمل السلاح الايراني هذه المهمّة بعدما ارتد السلاح الذي كان يرسله النظام السوري الى لبنان على النظام نفسه.
هل في استطاعة القيّمين على السلاح الايراني، أي سلاح حزب الله الاستفادة مما حلّ بالنظام السوري والاقتناع اخيرا بأنّ لبنان لا يمكن أن يحكم عبر ميليشيا مذهبية، بغض النظر عن الشعارات التي ترفعها؟
جديد لبنان الآخر، في الذكرى الـ38 لحربه الاهلية أنّ اللبنانيين بدأوا يكتشفون أن الصيغة التي تحكّمت بالبلد منذ استقلاله ليست بالهشاشة التي يعتقدها كثيرون، بمن في ذلك حافظ الاسد وخليفته اللذان راهنا على أن رفع الشعارات الفضفاضة والقمع الداخلي والهرب الى الخارج يغطي الازمة العميقة التي يعاني منها الكيان السوري منذ ولادته. هذه الازمة حقيقية. ما يدلّ عليها غياب أي استقرار في سوريا منذ الاستقلال، ما نشهده حاليا... الاّ اذا كنا نريد وصف حكم الاجهزة القمعية لحافظ الاسد، ونجله لاحقا، بأنه حكم يقود الى استقرار من نوع ما. هل من علاقة بين القمع والاستقرار الحقيقي؟
ما ينطبق على النظام السوري، ينطبق الآن على النظام الايراني الذي يظنّ أن استثماره في اغراق لبنان بالسلاح، عن طريق الاراضي السورية في معظم الاحيان، وخطفه للطائفة الشيعية الكريمة سيحولان الوطن الصغير الى مستعمرة ايرانية.
مثلما فشل النظام السوري، سيفشل النظام الايراني، لا لشيء سوى لأن الاكثرية الساحقة من اللبنانيين باتت تدرك أن السلاح غير الشرعي لا يحلّ أي مشكلة لا في لبنان ولا خارج لبنان، لا في سوريا ولا في ايران...فمشكلة النظام السوري مع شعبه أوّلا، كذلك مشكلة النظام الايراني!
يبدو أن النظام الايراني لا يقلّ جهلا بلبنان عن النظام السوري الذي تصوّر أن الاسد باق في لبنان الى الابد وأن في استطاعته اخضاع اللبنانيين واذلالهم الى ما لا نهاية عن طريق الجرائم وتقليب الطوائف على بعضها. من كان يتصوّر أن الجيش السوري سيخرج يوما من لبنان؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.