طوى لبنان إحدى أكثر الصفحات سوءاً وسواداً في تاريخه وذلك عندمت تخلّص من حكومة حزب الله برئاسة نجيب ميقاتي. هل هي بداية مرحلة جديدة في البلد بعد تكليف تمّام صائب سلام تشكيل الحكومة الجديدة؟
سيتوقف الكثير على ما إذا كان تمام سلام سيكون قادراً على تشكيل الحكومة. كذلك سيتوقّف الكثير على طبيعة الحكومة التي يمكن أن يشكلها، خصوصاً في ضوء إصرار حزب الله، الذي ليس سوى لواء في الحرس الثوري الإيراني، على التمسّك بوزارة الخارجية من منطلق مذهبي ضيّق محض للأسف الشديد. وكأن الاتيان بوزير للخارجية غير شيعي، أو شيعي ولاؤه للبنان أوّلاً، ضربة للمحور الإيراني- السوري الذي يعتبر هذا الموقع ملكاً له وملحقية من ملحقيات السفارتين الإيرانية والسورية في بيروت.
لا يمكن بالطبع الاعتراض على أن يكون وزير الخارجية اللبنانية شيعياً. فالطائفة الكريمة تمتلك بعض أفضل الشخصيات اللبنانية المستقلة التي تعبّر عن المصلحة الوطنية اللبنانية وعن العمق العربي للبنان في الوقت ذاته.
لكنّ الذي حصل هو أنّ هذه الوزارة تحوّلت أخيراً بفضل المحور الإيراني- السوري الى وسيلة تُستخدم لخدمة أغراض سياسية لا علاقة للبنان بها من قريب أو بعيد. من بين ذلك، المطالبة بإعادة النظر في تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. وهذا التعليق للعضوية لم يستهدف سوريا العضو المؤسس في جامعة الدول العربية، بل استهدف نظاماً يذبح شعبه يومياً... بل في كلّ ساعة، بدعم إيراني مكشوف وبمشاركة فاعلة من عناصر حزب الله تسللت الى الأراضي السورية لتكون في خدمة النظام الفئوي الذي ارتضى أن تكون سوريا مستعمرة إيرانية لا أكثر.
يشكّل تكليف تمّام سلام تشكيل الحكومة خطوة على طريق تحرير الوطن الصغير من الوصاية الإيرانية التي كان أفضل تعبير عن مدى نفوذها طريقة تشكيل الحكومة المستقيلة التي فرضت فرضاً على اللبنانيين والتي كانت مجرد أداة في خدمة المحور الإيراني- السوري من جهة وعصا غليظة تعمل على إذلال المسيحيين والسنّة من جهة أخرى... بعد إخضاع الدروز عن طريق الترهيب طبعاً.
كانت تلك حكومة الانتقام من المسيحيين والسنّة بامتياز. التخلص منها لا يعني التخلص من وزراء لا همّ لهم سوى الإساءة بكلّ الوسائل الى اللبنانيين الشرفاء فحسب، بل يعني أيضاً أن لبنان سيكون قادراً على التطلع الى مستقبل أفضل ببعض الثقة وأنّ هناك بداية وعي لدى كبار المسؤولين وزعماء الأحزاب الكبيرة، بغض النظر عن انتمائهم المذهبي والمناطقي، لضرورة العمل لمصلحة لبنان.
من هذا المنطلق، كان الرئيس تمّام سلام على حق عندما قال، مباشرة بعد تكليفه رسمياً تشكيل الحكومة، إنه سيسعى الى قيام حكومة المصلحة الوطنية. نعم، مطلوب حكومة تحفظ مصلحة لبنان وليس حكومة تحفظ مصلحة النظام السوري الذي يرفض الاعتراف بأنّه انتهى نظراً الى أن هدفه النهائي تفتيت سوريا بدل الانسحاب من الساحة تمهيداً لمرحلة انتقالية. يمكن لهذه المرحلة أن تسمح بلملة الجراح ولملمة ما بقي من هذا البلد العربي المهمّ الذي استخدم طويلاً في عملية ابتزاز يومية للعرب.
عملياً، لم يفعل هذا النظام في لبنان سوى السعي الى تدمير ممنهج للبلد ومؤسساته وزيادة الانقسامات الطائفية والمذهبية فيه وترسيخها. أما فلسطينياً، فكان همّه محصوراً في المتاجرة بهذا الشعب وقضيّته تحت شعاري الممانعة والمقاومة...
ما يبعث على بعض الأمل شخصية تمّام سلام الذي يرى في بيروت مدينة لكلّ اللبنانيين، وليس مربّعات طائفية ومذهبية. ويرى في لبنان نموذجاً لما يفترض أن يكون عليه الوطن الصغير الذي لعب في الماضي دوراً رائداً في محيطه على كلّ الصعد.
كان لبنان، قبل أن تمتد اليه يد النظام السوري الذي لعب دوراً أساسياً في اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 عن طريق تسليح الفلسطينيين والميليشيات المسيحية والإسلامية ثم الميليشيا الإيرانية التي يطلق عليها اسم حزب الله، نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه دولة شرق أوسطية متمسكة بثقافة الحياة والديموقراطية. كان لبنان بلداً قادراً على أن يحقق تقدماً على كلّ المستويات، خصوصاً في مجال تطوّر المجتمع نحو الأفضل عن طريق التعليم.
تكمن أهمّية تمّام سلام في أنه يعرف كلّ ذلك، ويعرف خصوصاً أن والده صائب سلام تعرّض لاغتيال سياسي على يد النظام السوري. جعله ذلك يمضي سنوات طويلة في المنفى. كان السعي الى اغتيال صائب سلام سياسياً جزءاً لا يتجزّأ من عملية تستهدف القضاء على الشخصيات الوطنية اللبنانية القادرة على أن تقول لا لنظام طائفي لا يؤمن سوى بإلغاء الآخر.
لن تكون حكومة تمّام سلام، في حال تشكيلها، حكومة تصفية حسابات مع أحد. ستكون حكومة كلّ لبنان واللبنانيين، حكومة الشعارات التي رفعها صائب سلام دائماً وآمن بها مثل لبنان واحد لا لبنانان ولا غالب ولا مغلوب.
في المقابل، إن وضع العراقيل أمام تشكيل الحكومة عن طريق استخدام النائب المسيحي ميشال عون المتمسك بحقائب وزارية معيّنة يتولاها فاشلون في الانتخابات... أو عبر التمسّك بصيغة عفا عنها الزمن مثل الشعب والجيش والمقاومة، يشرّع الأبواب أمام الفراغ. الخوف، كلّ الخوف من أن يمون هذا الفراغ هو الذي يطمح اليه حزب الله كي يتخلّص من اتفاق الطائف والوصول الى المؤتمر التأسيسي الذي يؤدي الى المثالثة بدل المناصفة!
الشيء الوحيد الأكيد حتى الآن، أن تكليف تمّام سلام تشكيل الحكومة يرفع بعض الظلم عن عائلة بيروتية محترمة لم تؤمن يوماً سوى بالعيش المشترك. وفي انتظار رفع الظلم عن كلّ لبنان وكلّ عائلاته، يمكن الاكتفاء مرحلياً بترديد لأنه لا يصحّ إلا الصحيح... مهما طال الزمن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.