8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اتفاق يظل أفضل من لا شيء

هناك هجمة اسرائيلية على القدس، على المسجد الاقصى تحديدا، الذي يسعى يهود متشددون الى امتلاك حق الصلاة فيه، في اوقات معيّنة، بحجة أنّه بني على هيكل يهودي. فرضت هذه الهجمة على الجانبين الاردني والفلسطيني توقيع اتفاق جديد- قديم يؤكد السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية ويعيد تأكيد الرعاية الهاشمية للاماكن المقدسة، على رأسها المسجد الاقصى.
يمكن اعتبار توقيع الاتفاق خطوة ذكية تشير الى جدية التهديدات الاسرائيلية للمدينة المقدّسة من جهة والى بداية ظهور وعي فلسطيني، على اعلى المستويات، لاهمّية الاردن والدور الذي يمكن أن تلعبه في دعم الفلسطينيين في أي مفاوضات يمكن أن تؤدي الى تسوية معقولة على اساس خيار الدولتين.
في غياب القدرة على العودة الى المفاوضات لدى حكومة اسرائيلية تعطي الاولوية للاستيطان، لا يمكن الاّ اعتماد سياسة دفاعية، أقلّه من اجل محاولة حماية القدس والاماكن المقدّسة فيها بمشاركة اردنية.
توفّر هذه المشاركة، بعيدا عن أي نوع من الحساسيات، خطوة في الطريق الصحيح نظرا الى ما تضمنه اتفاق السلام الاردني- الاسرائيلي الموقع في وادي عربة في العام 1994. وردت في الاتفاق اشارة الى الدور الاردني في رعاية الاماكن المقدّسة في القدس، خصوصا المسجد الاقصى. ادت تلك الاشارة وقتذاك الى انتقادات فلسطينيية للاردن، علما أنه كان يفترض في الفلسطينيين توجيه الشكر بعد الشكر للملك حسين، رحمه الله، الذي استطاع المحافظة على حدّ ادنى من العلاقة بين القدس والمملكة الاردنية الهاشمية، على الرغم من الوقاحة الاسرائيلية التي لا حدود لها...
قبل توقيع اتفاق السلام الاردني- الاسرائيلي، وهو اتفاق ساهم الى حدّ كبير في رسوم حدود الدولة المستقلة التي يسعى الشعب الفلسطيني الى اقامتها، سعت الاردن باستمرار الى خدمة القدس. من يتذكر أن الملك حسين باع مطلع التسعينات من القرن الماضي منزلا كان يمتلكه في لندن من اجل المحافظة على قبة المسجد الاقصى التي كانت معرّضة للانهيار؟ اكثر من ذلك، هناك ستمئة موظف يتقاضون رواتبهم من وزارة الاوقاف الاردنية ويعملون في خدمة الاماكن المقدسة في القدس.
المهمّ الآن أن الحساسيات الفلسطينية تجاه الاردن زالت. على الجانبين مواجهة واقع في غاية التعقيد. يتمثّل هذا الواقع في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي أوّلا وحركة حماس التي تعمل، من حيث تدري او لا تدري، في خدمة الاحتلال عن طريق عرقلة أيّ خطوة تصبّ في تأكيد أن الجانب العربي يريد السلام ثانيا وأخيرا.
تكشف سياسة حماس وتصرفاتها على ارض الواقع، غياب أيّ نوع من الوعي الى أن المشكلة تكمن في الحكومة الاسرائيلية. هذه الحكومة التي لا تفكّر الاّ في كيفية تكريس الاحتلال وعرقلة أيّ محاولة تصبّ في مشروع اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة.
ما حصل بين الاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية يُعتبر خطوة متواضعة على طريق العمل المشترك من أجل تأكيد أنّ الجانبين يد واحدة في مواجهة الاحتلال انطلاقا من القدس وحماية الاماكن المقدسة فيها. مثل هذا الاتفاق الذي وقعه في عمّان الملك عبدالله الثاني من جهة ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من جهة اخرى، يعكس اهمّية التعاون بين الجانبين، خصوصا أن كل كلام عن وجود اطماع اردنية في الضفة الغربية لا قيمة له. انّه يصدر عن سيئي النية او الجهلة الذين يعتقدون أن في امكان الاشاعات خلق جو من البلبلة لا تستفيد منه الاّ اسرائيل.
بكلام اوضح، من الطبيعي اقتناع الفلسطينيين، كلّ الفلسطينيين أن لدى الاردن مصلحة في قيام دولة فلسطينية مستقلة وأنه كان على منظمة التحرير الفلسطينية أن تستوعب باكرا أهمّية الاوراق الاردنية في دعم قضيتهم. المؤسف أن ذلك لم يحدث وذلك لاسباب فلسطينية وعربية في آن. ففي المرحلة التي سبقت توصل قمة الرباط في العام 1974 الى قرار عربي يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، كان مفترضا طرح سؤال في غاية البساطة: هل العمل المشترك الاردني- الفلسطيني من اجل استعادة الارض المحتلة افضل...ام أن حصر ذلك بمنظمة التحرير الفلسطينية يخدم القضية الفلسطينية ويحقق النتيجة المطلوبة؟
في اثناء قمة الرباط وقبلها، كانت هناك جروح لم تندمل عائدة الى مخلفات احداث ايلول- سبتمبر 1970 التي انتهت باخراج المقاتلين الفلسطينيين من الاردن. كذلك، كان هناك عرب، من فئة القصيري النظر في طليعتهم الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، يريدون تصفية حسابات معيّنة مع الملك حسين والاردن...لاسباب مرتبطة بالمزاج اكثر من أيّ شيء آخر.
لم يكن هناك حدّ ادنى من من الادراك لاهمية استخدام الاوراق المتاحة في أي تحرّك ديبلوماسي من منطلق أن الضفة والقدس الشرقية كانتا تحت السيادة الاردنية قبل احتلالهما في حزيران- يونيو 1967. اكثر من ذلك، أن القرار الرقم 242 الصادر عن مجلس الامن والقائم على مبدأ الارض في مقابل السلام ينطبق على الاردن وليس على منظمة التحرير الفلسطينية.
هل استعادة الارض هو الهدف ام أنّ المطلوب كان وقتذاك توريط الفلسطينيين في عملية سياسية لا افق لها، بل أن ابعد ما يمكن أن تصل اليه هو اتفاق اوسلو بحسناته وسيئاته؟
لا يمكن الاستهانة باهمية الاتفاق الاردني- الفلسطيني الاخير في شأن القدس، وهو اتفاق كان مفترضا التوصل اليه قبل ما يزيد على اربعة عقود بعيدا عن العقد والحساسيات. يمكن اعتبار الاتفاق تعبيرا عن رغبة مشتركة في الحفاظ على ما يمكن المحافظة عليه انطلاقا من القدس. فالاتفاق الذي جاء متأخرا، يظل افضل من لا شيء...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00