ثمة واقع لا مفرّ منه يتمثّل في ان لبنان يواجه مشكلة اجراءالانتخابات النيابية في موعدها. ما نشهده حاليا في العراق هو محاولة واضحة لالغاء الانتخابات المقبلة.
هل مشكلة لبنان في الانتخابات فقط ام ان البحث عن قانون جديد للانتخابات يخفي ما هو ابعد من ذلك بكثير، اي السعي الى تأجيلها، الى أجل غير مسمّى، وذلك استنادا الى أجندة لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية بعيدا عن المؤسسات؟ انها المؤسسات التي يفترض، استنادا الى الدستور، ان تكون الحكم بين اللبنانيين ومرجعيتهم الاولى والاخيرة.
الثابت ان مشكلة لبنان ليست في قانون الانتخابات. المشكلة في سلاح حزب الله الذي يرفض ان يكون هناك قانون انتخابي معقول ومتوازن يرضي معظم اللبنانيين ويحول دون وضع يده على البلد نهائيا. تكمن المشكلة في اجراء انتخابات في ظلّ سلاح غير شرعي خطف الطائفة الشيعية الكريمة ونجح في تغيير المجتمع الشيعي عموما. اكثر من ذلك، حوّل السلاح الطائفة رهينة لإيران لا أكثر ولا أقلّ. كلّ ما عدا ذلك تفاصيل لا معنى لها ما دامت هناك فئة لبنانية كبيرة غير قادرة على ممارسة حريتها واختيار نوابها بعيدا عن الضغوط التي تمارس عليها.
ما لا يشجّع على التفاؤل بمستقبل لبنان، اقلّه في المدى القصير، تصميم حزب الله مستخدما ادواته، على رأسها النائب المسيحي ميشال عون، في عملية تستكمل الانقلاب الايراني- السوري الذي بدأ تنفيذه على مراحل ابتداء من اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005. منذ ارتكاب تلك الجريمة التي ادت، بسبب الحسابات الخاطئة لدمشق، الى خروج القوات السورية من لبنان، صار النفوذ السوري في البلد رهينة حزب الله. الحزب ليس في نهاية المطاف، سوى لواء في الحرس الثوري الايراني يشارك حاليا مع ألوية اخرى من الحرس الايراني في قمع الشعب السوري.
ليس ما يشير حتى الآن الى أنّ حزب الله على استعداد لانتخابات لا يضمن نتائجها سلفا. يبدو همّه الوحيد محصورا في بقاء الحكومة الحالية التي شكّلها مستندا الى غطاء سنّي مناسب على استعداد للبقاء في السلطة ما دام مطلوبا منه ذلك سوريا وايرانيا.
جاء تشكيل الحكومة الحالية في حزيران- يونيو 2011 بقوة السلاح. اسقط حزب الله، بطلب سوري- ايراني حكومة الرئيس سعد الحريري التي تشكّلت اثر فوز حركة الرابع عشر من آذار في انتخابات العام 2009. لم يأبه الحزب الايراني المسلّح لنتائج الانتخابات. فرض اكثرية جديدة بعدما رضخ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لسلاحه وبعد خروج نائبين سنّيين هما نجيب ميقاتي واحمد كرامي من الاكثرية وانضمامهما الى حكومة حزب الله. الاوّل برتبة رئيس لمجلس الوزراء والآخر برتبة وزير.
كلّ كلام عن قانون جديد للانتخابات لا يضمن النتائج سلفا كلام لا معنى له. سيبقى الحزب متمسكا بحكومته، التي تكرّس لبنان تابعا للمحور الايراني- السوري، الى حين الخروج بقانون انتخابي يناسبه. سيظل نجيب ميقاتي رئيسا لمجلس الوزراء الى ان يأتي يوم يطلب منه حزب الله، او النظام السوري، الاستقالة.
ما نشهده حاليا في لبنان، شهدناه سابقا في العراق. المشهد يتكررّ. استطاعت ايران بفضل ميليشياتها المذهبية فرض حكومة برئاسة نوري المالكي على الرغم من ان حزبه لم ينتصر في الانتخابات التي اجريت في السابع من آذار- مارس 2010. حلّ في المرتبة الاولى في تلك الانتخابات التكتل الذي كان على رأسه الدكتور ايّاد علاوي وهو القائمة العراقية. حلّ التكتل الذي كان يتزعمه المالكي وهو دولة القانون ثانيا.
على غرار ما حصل لاحقا في لبنان، لم يستطع علاوي تشكيل حكومة. تبيّن ان قانون السلاح هو القانون الوحيد المعمول به في العراق. انّه القانون الذي طُبّق في لبنان واتى بنجيب ميقاتي رئيسا للوزراء كما فرض عليه تشكيل حكومة لا علاقة له بها لا من قريب او بعيد. هذه الحكومة، حكومة حزب الله التي تشكّلت بعد ثلاثة اشهر من اندلاع الثورة في سوريا، تبدو باقية ما دام لم يُقرّ قانون انتخابي يريح الحزب الايراني، اي قانون انتخابي يكرّس لبنان مستعمرة ايرانية بكلّ معنى الكلمة.
من هذا المنطلق، من الافضل للبنانيين تفادي الدوران في حلقة مغلقة واضاعة الوقت. فقانون الانتخابات الذي يختلفون في شأنه هو انعكاس لوضع غير طبيعي في البلد ناجم عن وجود سلاح غير شرعي يكرّس الوطن الصغير مستعمرة تتحكم بها ايران التي سبق وطلبت من سعد الحريري امورا معيّنة.
كان من بين ما طلبته الغاء التأشيرة للايرانيين الراغبين في المجيء الى لبنان. وحصل ذلك بالفعل بمجرد تشكيل حكومة حزب الله. اما المطلبان الآخران اللذان كانت ايران ترغب بهما فهما دخول النظام المصرفي اللبناني وتوقيع معاهدة عسكرية. والواضح ان هذين المطلبين ينفّذان بطريقة او باخرى وان على نحو غير معلن.
رفض سعد الحريري هذه المعادلة وهذه المطالب فسقطت حكومته. قبِل بها نجيب ميقاتي جزئيا، لأسباب مرتبطة الى حد كبير بطبيعة نشاطاته المالية وشركاته. فاذا به في موقع ممنوع عليه تركه... بموجب قانون السلاح غير الشرعي الذي تمارس ايران عبره ديموقراطيتها المشبّعة بالغرائز المذهبية!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.