8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سعد.. الأمل والنقلة النوعية

يمكن اختصار المقابلة التلفزيونية الاخيرة للرئيس سعد الدين رفيق الحريري بكلمة وعبارة.
الكلمة هي: الامل. والعبارة هي: النقلة النوعية. أنه الامل برفض لبنان الاستسلام امام ثقافة الموت. امل اعطاه الرجل الى اللبنانيين، خصوصاً الى شباب لبنان. الامل بمستقبل افضل للمواطن يسمح له بالعيش في بلد عصري متوازن يحافظ على ابنائه ويعمل من اجل توفير جوّ آمن لهم بعيداً عن التشبيح وعصابات السرقة والتهريب بكلّ انواعهما.
مثل هذا البلد الذي يطمح سعد الحريري الى اعادته الى الخريطة الشرق الاوسطية، على غرار ما فعل سابقاً والده الشهيد، اسمه لبنان. انه بلد يعمل فيه المسلم مع المسيحي والمسيحي مع المسلم من اجل المحافظة عليه وعلى الازدهار فيه بعيداً عن تجار السياسة وغير السياسة طبعاً.
هؤلاء التجار على استعداد في كلّ لحظة لتكريس لبنان ورقة ايرانية او سورية او ايرانية- سورية تستخدم في عقد صفقات على حساب الوطن الصغير واهله. صفقات تعقد مع الشيطان الاكبر الاميركي او الشيطان الاصغر الاسرائيلي، او مع الاثنين معاً. المهمّ أن يكون لبنان ساحة لا اكثر. لذلك، كان سعد الحريري واضحاً في الاعلان عن ضرورة التمسك بـاعلان بعبدا الذي يضمن حياد لبنان. وهذا نصّ وافقت عليه كل الاطراف السياسية، لكنه بقي حبراً على ورق في ظلّ حكومة شكّلها حزب الله لا هدف لها سوى نشر البؤس في البلد وعزله عن محيطه العربي بهدف تسهيل السيطرة الايرانية عليه.
وفّر سعد الحريري نوعاً من الامل للبنانيين الذين يرفضون الاستسلام لقدرهم على الرغم من كلّ الضغوط التي يتعرّضون لها. اظهر لهم انه يرفض الرضوخ للارهاب والترهيب اللذين يمارسان على اللبنانيين باسم الدين احياناً وعن طريق السلاح المذهبي الموجه الى صدورهم في احيان اخرى، او في كلّ الاحيان. واظهر خصوصاً ان في استطاعة سياسي لبناني قيادة الشارع بدل الانقياد له. لذلك وضع المفتي في حجمه الحقيقي عندما رفض ان يكون مجرّد مواطن آخر خائف من التكفير. فوق ذلك كلّه اكدّ للمفتي وللذين يقفون خلفه انه رجل حرّ وانه ليس في حاجة الى من يعطيه شهادة من اي نوع في انتمائه الاسلامي وتديّنه الحقيقي النابع عن قناعة وعن اعتداله الذي ليس بعده اعتدال. قليلون هم الرجال الذين يستطيعون الإقدام على خطوة من هذا النوع. مثل هؤلاء الرجال عملة نادرة بكلّ ما لكلمة نادرة من معنى.
باختصار، قال سعد الدين الحريري للبنانيين صراحة، انه صحيح أنه ليس بينهم، لأسباب لا تخفى على احد، لكنّ الصحيح ايضاً انه لن يستسلم وانه سيظل يقول ما يجب قوله عن ضرورة الاستمرار في المقاومة الحقيقية التي هي مقاومة ثقافة الحياة لثقافة الموت. تلك الثقافة التي تستهدف عزل لبنان عن محيطه العربي وافقار اللبنانيين واغراقهم في مستنقع البؤس. يحصل ذلك عن طريق بائسين على شكل النائب المسيحي ميشال عون الذي ارتضى لنفسه دور الاداة لدى الادوات التي مهمتها في المرحلة الراهنة المزايدة على المسيحيين الآخرين بغية توظيف الغرائز المذهبية في غير مصلحتهم ومتابعة تهجيرهم...
أمّا النقلة النوعية التي حققها سعد الحريري، الى جانب بعثه الامل، فهي مرتبطة اساساً بطرحه مشروعاً متكاملاً يؤكّد ان 14 آذار قادرة على اخذ المبادرة. تجاوب مع ما يطالب به معظم اللبنانيين، اي الدوائر الصغرى التي تحول دون اكتساح حزب الله لبعض الدوائر الانتخابية معتمداً على سلاحه وامكاناته المادية واثارته للغرائز المذهبية في بيئته وبيئة غيره.
مثل هذه الدوائر الصغيرة تسمح للشيعة الاحرار والشرفاء بالخروج من تحت هيمنة حزب الله وسطوته وتأكيد انهم يؤمنون، مثل غيرهم من اللبنانيين بلبنان اوّلاً وليس بوجود مرجعية ايرانية للبنان!...
عرّى سعد الحريري ما يسمّى زوراً وبهتاناً المشروع الارثوذكسي الذي لا يمكن لايّ ارثوذكسي حقيقي ان تكون له اي علاقة به من قريب او بعيد نظراً الى أنّه يكرس الطائفية والمذهبية بابشع صورهما في بلد ارتبط مجتمعه دائماً بروح الانفتاح على الآخر. واذا كان هناك من هو مغرم بانتخاب كلّ مذهب ممثليه، في الامكان عندئذ ايجاد مجلس شيوخ يساعد في معالجة ظاهرة الهواجس، وهي هواجس موجودة لدى المسيحيين والمسلمين في آن. ولا شكّ أنّ طرح اللامركزية خطوة في غاية الاهمية. هذه الخطوة تطمئن كلّ من يبحث عن راحة البال وتفادي الاجتياح المدروس لمناطق معيّنة، خصوصاً المناطق المسيحية، بصريح العبارة.
في النهاية، ليس مطلوباً ان تحقق الخطة الهادفة الى ابعاد سعد الدين رفيق الحريري عن لبنان هدفها. المطلوب مواجهة هذه الخطة بفعالية بغية احباطها. تبيّن بكل بساطة ان سعد موجود في لبنان اكثر من أيّ وقت وأن اقامته في الخارج ليست سوى اقامة موقتة مرتبطة اساساً ببقاء المقاومة حيّة. مقاومة اللبنانيين للمشروع الجديد الذي يستهدف بلدهم وهو مشروع أُعدّ في طهران ويقوم على أنّ ايران لن تخسر لبنان في حال خسرت سوريا.
كان لا بدّ من اعادة الامل الى اللبنانيين وطمأنتهم الى أن هناك من لا يزال يقاوم. والمقاومة هنا ليست مرتبطة بثقافة الحياة فحسب، بل هي مرتبطة ايضاً بقدرة الرجل السياسي على تفادي السقوط في لعبة المزايدات الرخيصة التي يتقنها اشخاص في مستوى ميشال عون وما شابه ذلك.
لا يستطيع ذلك الاّ الواثق من نفسه ومن قاعدته اللبنانية ومن اللبنانيين الذين يعرفون أنه لا يمكن ان يصح الا الصحيح اليوم وغداً وبعد غد. من كان يصدّق، في الأمس القريب، أن القوات السورية ستخرج من الاراضي اللبنانية يوماً وأنّ النظام السوري في طريقه الى مزبلة التاريخ؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00