8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رسالة الانتخابات: على الأردن أن تساعد نفسها أولاً

كيف البناء على هذا الإنجاز الذي اسمه الانتخابات الذي ساهم فيه الأردنيون عن طريق رفضهم الدعوات إلى المقاطعة... والتهويل بكلّ أشكاله وأنواعه. تمثلت الضربة القوية الأولى للمقاطعين بتجاوز عدد الذين سجّلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية مليوني مواطن. كانت تلك إشارة إلى أن الأردنيين بدأوا يستوعبون ما على المحكّ وأن لا مخرج من الأزمة الاقتصادية العميقة ومواجهة العواصف الإقليمية من دون المشاركة الجماعية في تحمّل المسؤولية.
اعتاد الأردنيون منذ أيام الملك حسين، رحمه الله، على الاتكالية. كانت المقولة الأكثر شهرة في الشارع الأردني أن سيّدنا بدبرها. نعم، استطاع الحسين بناء دولة تمتلك مؤسسات راسخة وذلك انطلاقاً من لا شيء تقريباً. احتاجت الأردن وقتذاك، أي طوال ما يزيد على أربعة عقود، إلى جهود جبارة لمتابعة عملية التنمية التي شارك فيها رجال انصرفوا إلى دراسة مشاريع حيوية في بلد يفتقر أوّل ما يفتقر إلى المياه والثروات الطبيعية. وبين هؤلاء الرجال الذين ساعدوا في عملية التطوير الأمير حسن، ولي العهد حتى العام 1999، الذي يعرف شخصياً موقع كل بئر ارتوازية في الأردن...
طوال السنوات السبع والأربعين التي أمضاها الملك حسين على العرش، تعرّضت الاردن لهزات قويّة لم يستطع تجاوزها إلاّ بفضل نظرته الثاقبة إلى الأوضاع الإقليمية من جهة وإلى استعانته برجال مخلصين من جهة أخرى وقفوا إلى جانبه في أحلك الظروف. من بين هؤلاء، من الذين لا يمكن تجاهل دورهم في دعم مؤسسة العرش والبلد الأمير زيد بن شاكر، رحمه الله، الذي كان من الأوفياء القادرين على تمرير الأّام الصعبة، خصوصاً في العام 1989 عندما أشرفت حكومته على الانتخابات الأولى بعد قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية. قبل ذلك، لعب أبو شاكر، بصفته العسكرية، دوراً في حسم المؤامرة التي تعرضت لها الأردن في السنة 1970 عندما حصلت المواجهة بين الجيش العربي والمسلحين الفلسطينيين الذين كان بين قادتهم من ينادي بأن طريق القدس تمرّ بعمان أو بـكل السلطة للشعب.
لم يكن هناك بين الذين سعوا في تلك الأيّام إلى القضاء على العرش الهاشمي من يمتلك ذرة من التفكير السليم. مثل هذا التفكير السليم يقود الى الاعتراف بأن المملكة الأردنية الهاشمية تمثّل الحاجز الأوّل والأخير في طريق منع إسرائيل من حلّ القضية الفلسطينية على حساب الفلسطينيين. والترجمة العملية لهذا الكلام هو أن وجود الأردن، كما هو حالياً يمنع تنفيذ مشروع الوطن البديل الذي يحلم به اليمين الإسرائيلي المعادي أساساً لحل الدولتين.
تحالفت الأردن مع قوى إقليمية ساعدت البلد اقتصادياً في الأيّام الصعبة. في الوقت ذاته، كان الملك حسين يدرك جيداً طبيعة التوازنات الإقليمية وكيفية جعلها في خدمة الأردن بدل أن تذهب المملكة ضحية هذه التوازنات. وليس سرّاً أنه عرف كيف التعاطي مع رجلين صعبين لا حدود لشراستهما هما حافظ الأسد وصدّام حسين. وقد استطاع حتى ترويضمهما إلى حدّ ما... مع الاعتراف في طبيعة الحال بأن الأردن استفادت كثيراً طوال سنوات من الدعم العراقي، خصوصاً بعدما وفّرت متنفساً لبغداد طوال سنوات الحرب العراقية - الإيرانية، بين 1980 و1988.
تندرج الانتخابات الأخيرة التي شارك فيها الأردنيون بنسبة معقولة جداً في سياق المعارك التي خاضتها المملكة من أجل أن تبقى ملاذاً آمناً لأبناء الأردن. إنها رمز لمعركة من نوع مختلف ولمرحلة جديدة قادها الملك عبد الله الثاني من أجل تأكيد أن على كلّ مواطن أردني تحمّل مسؤولياته. هناك بكل بساطة أزمة اقتصادية عميقة في الأردن وهناك خريطة إقليمية جديدة تسعى قوى ظلامية من نوع الأخوان المسلمين إلى استغلالها إلى أبعد حدود.
مرّة أخرى، لا بدّ من السؤال: كيف البناء على الانتخابات ونتائجها؟ هل يحسن الأردنيون تنظيم أنفسهم في أحزاب تمتلك لغة العصر وتكون قادرة على طرح برامج سياسية واقتصادية تساعد البلد، أو يغرقون مرّة أخرى في أسر الشعارات والمزايدات التي لا تقدّم بل تؤخر؟
في كلّ الأحوال، ليس ما يشير إلى أن الإصلاحات ستتوقف. لكنّ على الأردنيين تحمّل مسؤولياتهم على كلّ الصعد بدءاً بالضغط في اتجاه تطوير الحياة البرلمانية والسياسية في المملكة وصولاً إلى الاعتراف بأنّ العمل ليس عيباً، بل هو مع التعليم قيمة إنسانية، وأن الدولة ليست جمعية خيرية وأن الملك لا يستطيع تمضية وقته في طلب المساعدات من هذه الدولة الغنية أو تلك.
هناك دول على استعداد، من دون شك لمساعدة الأردن، ولكن على الأردن أن تساعد نفسها أوّلا. وهذا ليس ممكناً من دون إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية من منطلق أن العالم تغيّر، كذلك العالم العربي. لا نفط عراقياً رخيصاً بعد الآن ولا غاز مصرياً بأسعار تفضيلية. هناك مصر جديدة مثلما أنّ هناك عراقاً جديداً. قريباً ستكون هناك سوريا جديدة... أو أكثر من سوريا واحدة. أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يتبيّن كلّ يوم أنهم في حال جد صعبة، خصوصاً في ظلّ المخاض الذي تمرّ فيه اسرائيل وتمسك حماس بـإمارتها الطالبانية في غزة، ليس ما يشير إلى أنهم مقبلون على انفراجات.
لن يتخلى أهل الخليج عن الأردن. هذا أمر أكيد. ولكن لا مفرّ من الاعتراف بأن الدعم العربي الخليجي للمملكة الأردنية الهاشمية سيظل في حدود سقف معيّن لأسباب كثيرة معظمها عائد إلى التحديات الجديدة والمستجدة التي تواجه دول الخليج، على رأسها التحدي الإيراني والوضع اليمني.
أكثر من أيّ وقت، يفترض بالاردنيين الاستفادة من تجارب الماضي وتحمّل مسؤولياتهم والمساعدة في الإصلاحات بدل عرقلتها... إلاّ إذا كانوا يعتبرون الأخوان المسلمين في مصر مثلهم الأعلى!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00