زياد سامي عيتاني*
إنه الخبر "القاتل"(!) بإطفاء أوتيل "البريستول" أنواره التي كانت خلال عقود مترامية من الزمن تتلألأ في سماء بيروت يوم إطلق عليها لقب "سويسرا الشرق" كجوهرة شاهدة على فخامة ورقي المدينة التي يقع في وسطها...
فهذا الفندق الذي كان مقصداً لكل من أراد المفاخرة، كان جزءً من تاريخ وتراث بيروت زمن الإزدهار الإقتصادي، ومعلماً من معالم العاصمة الساحية، مرادفاً للأيام الذهبية في بيروت، إنجذاباً إلى أناقتها الكلاسيكية...
هذا الخبر "الفاجعة" بحق ما تبقى من معالم بيروت التي عشقناها، دفعني للقيام عبر الذاكرة بجولة وداعية في أرجاء الفندق من خلف جدران الحجر المنزلي، علني أدون بعضاً من تاريه العريق، ليبقى أثراً بعد عين...
**
فندق "البريستول" كان يعد منذ تشييده عام ١٩٥١ من قبل عائلة ضومط وبعد أن صمم هندسته المهندس الفرنسي الشهير جان دي روير، أحد الفنادق الكبرى في الشرق الأوسط، وأحد الفنادق الأكثر شهرة في بيروت ولبنان، سيما وأن لبنان في حينه كان يتوسع بمعدل سريع في صناعة إقتصاد الضيافة، فتم الإعتراف به كأحد الفنادق الأولى والأكثر شهرة في بيروت، سيما وأنه كان رمزاً للرفاهية والمجتمع الراقي في لبنان والمنطقة، ومقصداً لرجال السياسة والأعمال والمشاهير...
•أبرز ضيوفه:
إستضاف "البريستول" المجتمع الراقي في لبنان ونبلاء العالم العربي، وضيوف وشخصيات بارزة ونجوم أجانب مثل الأمير ألبرت من موناكو ، وأميرة إيران ثريا ، عازف الغيتار الأسطوري والملحن ديزي غيليسبي والشاعر الشهير نزار قباني. علاوة على ذلك، إستضاف الرئيس شيراك والأمير عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الغابون. وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد بطرس غالي أحد ضيوف الفندق البارزين.
•فناء للراحة والرفاهية:
أول ما يستوقفك وأنت داخل إلى ابفندق قوتان موجهتان رئيسيتان ميزت هندسته الداخلية هي: الراحة والرفاهية، المتجسدتين من خلال إستخدم الألوان الدافئة وتصاميم البيئة الهادئة، فضلاً عن التأثيرات الثقافية المختلفة المستوحاة من جميع أنحاء العالم، المنغمسة الثقافة المحلية.
•المدخل:
عندما تدخل فندق "البريستول" ، ستجد مكتب الإستقبال على يمينك، وهو عبارة عن مكتب قوي من خشب الجوز الداكن.
أمل "اللوبى" بالزغم من كلاسيكية تصميمه، فقد خيم عليه بعد التجديد جو عصري مع ديكور أزرق ورمادي وأبيض.
وكأن هذا "اللوبي" يحدد النغمة لبقية الفندق، التي تمثل مجموعة من الأنماط الكلاسيكية والخالدة، خصوصاً مع تزيين الجدران بلوحات قديمة ونادرة.
وبالرغم من أن الفندق قد جدد، إلا أنه من الواضح قد تم الحفاظ بأكبر قدر ممكن من الميزات الأصلية، تحديداً الأعمال الخشبية الدمشقية، التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، عندما قام Emile Tarazi بتركيبه خلال فترة بناء الفندق. وكذلك تمت المحافظة أيضاً على الكراسي والأرائك الأصلية التي أعيد تنجيدها بألوان دافئة حفاظاً على الخصوصية الشرقية الرومانسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
•قاعة المؤتمرات:
كذلك توجد في الطابق السفلي غرفة المؤتمرات تماماً مثل أي غرفة إجتماعات، لكن ما يميزها أنها كانت حاضنة للكثير من الإجتماعات واللقاءات والمؤتمرات السياسية التي كانت تعقد في داخلها، حيث أن هذه القاعة شاهدة بسرية على ما كان يدور ما بين السياسيين طيلة سنوات مديدة وبحقب سياسية متحولة ومتقلبة، نبعاً لطروف لبنان السياسية.
•القاعة الذهبية:
قاعة أخرى جديرة بالذكر هي "القاعة الذهبية"، التي كانت تعتبر أقدم قاعة رقص في بيروت، لتتحول فيما بعد إلى أفخر قاعة للأفراح والمناسبات، إذ أن هذه القاعة إستقبلت أفخم وأشهر الأعراس التي كان يذيع صيتها في بيروت لفترة طويلة من الزمن، تبعاً لأجواء الرقي والسحر والجمال والخيال التي كانت تنفرد فيها تلك القاعة، رغم وجود العديد من القاعات والفنادق المنافسة.
•Les Gourmandises:
على اليسار يوجد مطعم "Les Gourmandises" الذي يحتوي على تراس صغير في الهواء الطلق، يمكنك وأنت تتناول القهوة أو قطعة من الحلوى من مشاهدة الأشخاص يمرون، والسيارات التي يزدحم بها الشارع المؤدي إلى قلب الحمراء.
في "Le Bristol Beirut" ، يمكنك تناول الإفطار والغداء والعشاء في "Les Gourmandises" التي تشتهر بالمعجنات منذ أن فتح الفندق أبوابه منذ ٧٩عاماً، كما يتم تحضير أطباق متنوعة طازجة في الإفطار بما في ذلك البيض والفطائر وحلويات الطهي اللبنانية. ويحتوي "البوفيه" على الكثير من الخيارات بما في ذلك الحلويات التي يشتهر بها.
ومطعم Les Gourmandises بالرغم من أنه مطعم مشرق وحديث، فإنه يضم أيضاً قسماً ذات طابع تراثي دمشقي، سيحصل من يتناول فيه وجبة الفطور من السياح الأجانب على هذا الشعور التقليدي، قبل التوجه لاستكشاف لبنان.
•الغرف:
بالنسبة للغرف، فهي مقسمة على ثلاثة أنماط تصميمية، تلخص ما يمثله الفندق، وهي: "الشرقية" و "الستينية" و"الكلاسيكية الحديثة".
إذ يختلف "الديكور" بشكل كبير بين ال157 غرفة وجناح.
فقد تم تجديد تلك الموجودة في الطابقين الأول والخامس بالكامل، في حين تم ترميم الآخرين في الطوابق الثانية والثالثة والرابعة مع الحافظة على نمطها السابق.
الغرف "الستينية" تتميز بستائر خضراء ويغلب عليها الطابع الشرقي بألوان البرقوق الدافئة. أما غرف "Modern Classic" هي في الواقع مفروشة بألوان مبهجة من البنفسجي المتربة والرمادية.
بدورها الغرف "الكلاسيكية" فهي تقليدية وقد تنحرف إلى جانب الطراز القديم من خلال الألواح الخشبية وسواد من بيض البط ونسيج بلون الأبيض "الكريم"، إضافة إلى الثريات.
وتم تجهيز الغرف بإمدادات واسعة من مستحضرات التجميل التي تحمل علامة Le Bristol وآلات إسبرسو وصواني الشاي وجميع التجهيزات المعتادة الأخرى التي يتوقعها المرء من فندق خمس نجوم.
•حلبة تزلج داخلية:
كان الطابق السفلي الثاني من الفندق حلبة للتزلج على الجليد في منتصف القرن الذهبي في بيروت، وهي الأولى من نوعها في لبنان. إلا أنها في وقت لاحق، تحولت المساحة التي كانت تقوم عليها الحلبة إلى قاعة للإجتماعات.
•حوض السباحة:
ما يميز حوض السباحة في البريستول أنه موجود على السطح، خلال لكل الفنادق، نظراً لأن درجات الحرارة في بيروت تظل حوالي ٣٠ درجة مئوية حتى شهر تشرين الأول.وبجانب الحوض يوجد أيضا صالة ألعاب رياضية، إضافة إلى "البار" المفتوح على الهواء الطلق ليتمتع النزلاء بهواء بيروت العليل ورؤيتها "البانورامية" الليلية المتلألئة.
فقد كان "المسبح" مكان رائع للغطس بعد الظهر والإسترخاء مع "كوكتيل" قبل الإنضمام إلى الحياة الليلية الصاخبة في بيروت.
**
ها هو "البريستول" الذي يختزن حقبة تاريخية عريقة من زمن لبنان الذهبي، يطفئ أنواره التي كانت تشع كجوهرة في سماء بيروت ولبنان، كأن قدر هذه العاصمة أن تسرق من عيومنها كل ما هو جميل!!!
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.