تبدو السلطة الوطنية الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه في ضوء الجمود الذي يتحكم بالعملية السلمية. فالقضية الفلسطينية في وضع القضية المعلقة اكثر من اي وقت بعد انسداد كل قنوات التفاوض، اللهم الا اذا استثنينا الاتصالات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وهي اتصالات لا تقتصر على اجهزة السلطة الوطنية نظرا الى ان حماس طرف فيها ايضا. لو لم يكن الامر على هذا النحو، كيف يستطيع اي مسؤول او قيادي في الحركة التي تسيطر على غزة الخروج منها عن طريق معبر رفح الذي يراقبه الاسرائيليون عن كثب؟
مهما قيل ويقال عن ان القضية الفلسطينية تعتبر القضية المركزية للعرب، ما لا مفر من الاعتراف به ان العالم مشغول بقضايا أخرى أكثر إلحاحا بالنسبة اليه. في مقدم هذه القضايا الازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة نفسها وحال العملة (اليورو) في اوروبا في ظلّ الهزات الاقتصادية في اليونان وايطاليا واسبانيا. كذلك هناك مشكلة اسمها العلاقات الأميركية- الصينية التي قفزت الى الواجهة فجأة. برزت هذه المشكلة في وقت لا وجود في الافق لأي رؤية واضحة لدى الأميركيين في شأن كل ما له علاقة بباكستان وافغانستان والملف النووي الايراني والوضع المعقّد في اليمن، كذلك الوضع في العراق الذي يمكن ان يسوء في الاشهر القليلة المقبلة.
ربما كان أفضل من وصف حال الجمود والانسداد ذلك الذي قال قبل ايام، ان المشكلة على الصعيد الفلسطيني، تكمن حاليا في ان المفاوضين لا يفاوضون والمقاومين لا يقاومون. ما العمل في مثل هذه الحال؟ هل هناك بديل من اعادة ترتيب البيت الداخلي بعيدا عن اي نوع من الحساسيات التي لا معنى لها؟ الجواب بكل بساطة، ان لا بديل من ذلك. وهذا يعني في طبيعة الحال البدء بتحويل المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية الى واقع ملموس وليس الى مجرد تمنيات.
يفترض في الفلسطينيين ان يكونوا صادقين مع أنفسهم أوّلاً، وذلك يكون بأن يقولوا صراحة ماذا يريدون. متى اتفقوا على ما يريدون، يصبح هناك معنى للمصالحة ويصبح هناك افق للمصالحة ولوثيقة التفاهم التي صيغت في القاهرة والتي قبلتها فتح من دون نقاش، على الرغم من ان الأميركيين طلبوا منها الامتناع عن توقيعها، كما يؤكد رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (ابو مازن). البداية تكون بإعطاء معنى للمصالحة الفلسطينية نظرا الى ان لا وجود لشيء اسمه مصالحة من اجل المصالحة من دون اتفاق على مشروع سياسي واضح. يستطيع الدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وهو في المناسبة من أكثر الساعين الى تفهم موقف حماس، نقل مقر إقامته الى غزة وعقد محادثات يومية مع رئيس الحكومة المقالة السيد اسماعيل هنية. ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل سيؤدي ذلك الى فك الحصار عن غزة او تشكيل حكومة وحدة وطنية او توقيع اتفاق المصالحة او حتى تحديد موعد للانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية؟ لقد كان الدكتور شعث مصيبا عندما صرّح بعد عودته الى رام الله من غزة بأن المشكلة في النفوس وليست في النصوص.
ثمة واقع لا يمكن تجاهله. يتمثل الواقع في ان حكومة بنيامين نتنياهو لا تريد تسوية. كل ما تريده هو قيام دولة فلسطينية تابعة لإسرائيل، تقرر حدودها المستوطنات الاسرائيلية. بكلام أوضح، لا همّ لحكومة نتنياهو سوى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. ليس من يستطيع زحزحة الاسرائيليين عن موقفهم سوى الادارة الأميركية. وفي ضوء المشاكل التي تواجه الادارة، ارتأى الرئيس اوباما، بناء على نصائح مستشاريه، تفادي المواجهة المباشرة مع نتنياهو.
عاجلا أم آجلا، سيجد الجانب الفلسطيني ان عليه اتخاذ قرار في شأن العودة الى طاولة المفاوضات بطريقة او بأخرى. ويبدو انه اختار طريق المفاوضات غير المباشرة عن طريق المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل. سيقول الأميركيون ان ليس في استطاعتهم طرح رؤيتهم، التي تتطابق الى حد كبير مع رؤية الجانب الفلسطيني، خارج قاعة المفاوضات، نظرا الى ان ليس ما يسمح للرئيس اوباما بخوض معركة مكشوفة مع رئيس الحكومة الاسرائيلية. من هذا المنطلق، سيترتب على الفلسطينيين المجازفة بالعودة الى المفاوضات، وإن غير مباشرة، لقاء وعد اميركي بطرح افكار تتفق، الى حدّ ما، مع وجهة نظرهم. في النهاية، ان ادارة اوباما تدعو الى قيام دولة فلسطينية مستقلة وتعتبر الضفة الغربية والقدس الشرقية ارضا محتلة. وقد أكد غير مسؤول اميركي، بما في ذلك الجنرال جونز، وذلك في الاشهر القليلة الماضية.
كان ابو مازن واضحا في رفضه العودة الى المفاوضات في غياب توافر شروط معينة، لكنه سترتب عليه في مرحلة ما كسر الجمود. المعركة التي يخوضها حاليا معركة حدود الدولة الفلسطينية. تحقيق المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية خطوة في الاتجاه الصحيح تساعده في مواجهة الاحتلال. ولكن يبدو انه سيكون عليه دخول المواجهة من دون حماس التي لا تريد من المصالحة، في حال حصولها، سوى وضع العراقيل في طريق المفاوضات، اي مفاوضات. هل يفعل؟ الثابت ان الوضع الداخلي في الضفة، حيث الامن مضبوط، يمكن ان يساعده في ذلك، حتى لو كان قرار العودة الى مفاوضات، اي نوع من المفاوضات، مباشرة او غير مباشرة من القرارات غير الشعبية...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.