8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مؤتمر لندن وتوفير الأمل لليمنيين..

يشكل انعقاد مؤتمر دولي في لندن من اجل مساعدة اليمن دليلا على مدى الوعي الأميركي والأوروبي وحتى العربي لخطورة الوضع في هذا البلد المهم من نواح عدة. في مقدم هذه النواح الموقع الجغرافي الأستراتيجي لليمن وتأثير ما يدور فيه بشكل مباشر على المحيط، خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي.
كان مؤتمر لندن خطوة في الطريق الصحيح. لكنه كان خطوة متواضعة، ذلك ان المطلوب قبل اي شيء آخر مقاربة شاملة لمشاكل اليمن المتنوعة والمعقدة والتي لا يمكن عزل اي منها عن الأخرى. على سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن الأنصراف الى ضرب القاعدة في اليمن من دون التساؤل عن الأسباب التي ادت الى انتشار هذا التنظيم الأرهابي في البلد. هل يمكن لالقاعدة وما شابهها الأنتشار لولا الفقر والبؤس والجهل؟ اليست البرامج التعليمية المتخلفة من بين الأسباب الرئيسية التي تسهل انتعاشالقاعدة ونشر الأفكار المتطرفة؟ من يستطيع انشاء مدارس حقيقية وحديثة من دون مساعدات خارجية في بلد فقير مثل اليمن؟ نعم، هناك تقصير من الحكومة اليمنية في مجال التنمية الشاملة ولكن لا بدّ من الأعتراف في الوقت ذاته بأنه كان هناك تجاهل عربي ودولي لخطورة ترك اليمن في حال بائسة بحجة الفساد وعدم صرف المساعدات بطريقة سليمة. هناك فساد في اليمن، لكن لا بد من الأعتراف بأن الفساد لا يعالج عن طريق وقف المساعدات وترك اليمن يقلع شوكه بيديه بهدف تصفية حسابات قديمة معه. في النهاية الجميع في مركب واحد. والمقصود بالجميع اليمن والدول القريبة منه والمجتمع الدولي. هل تستطيع الأسرة الدولية تحمل وجود صومال آخرى في شبه الجزيرة العربية، في بلد يتحكم بباب المندب؟
ان يأتي الأهتمام باليمن متأخرا افضل من ان لا يأتي ابدا، ذلك انه لم يكن طبيعيا ترك الأوضاع تتدهور في بلد يضم نحو ثلاث وعشرين مليون نسمة يعاني من الفقر والتخلف بسبب شحة موارده الطبيعية والزيادة السنوية الكبيرة في عدد السكان. كذلك لم يكن طبيعيا ان تكون هناك تلك الهوة الكبيرة بين دول مجلس التعاون، الغنية عموما، من جهة واليمن من جهة اخرى ...
كان ترك اليمن من دون مساعدة الطريق الأسهل الذي يمهد للوصول الى قيام دولة فاشلة اخرى لا تبعد كثيرا عن الصومال. من يتحمل قيام مثل هذه الدولة التي يسهل تحولها الى مصدر للبؤس والأرهاب في المنطقة كلها؟
ما الذي يمكن عمله الآن؟ أظهر مؤتمر لندن ان العالم اخذ علما بخطورة الوضع في اليمن. ولكن مرة اخرى، من المهم تفادي التركيز على القاعدة وحدها. ما قد يكون اهم من ذلك بكثير السعي الى توفير الأمل لليمنيين. على سبيل المثال وليس الحصر، قد تكون افضل طريقة لمواجهة التمرد الحوثي الذي تدعمه ايران بشكل مكشوف،العمل على تنمية المنطقة التي يتحركون فيها وهي منطقة شاسعة. مثل هذه العملية تفرض تعاونا وتنسيقا مع زعماء القبائل في المحافظات المعنية، خصوصا صعدة وعمران والجوف وحجة وذلك بهدف اقامة مشاريع معينة قد تكون صغيرة لكنها توفر فرص عمل لعدد لا بأس به من المواطنين. ان العمل على استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق التعاطي الإيجابي مع قبائل المنطقة الممتدة من صنعاء الى صعدة ليس عيبا. انه الطريق الأقصر الى حقن الماء وقطع الطريق على التطرف والمتطرفين من حوثيين وغير حوثيين... والتفرغ لمشاكل اخرى لا يمكن تجاهلها.
ما لا يمكن تجاهله انه اضافة الى الحرب في الشمال، هناك تململ في الجنوب. وهناك القاعدة التي لا ترى الأدارة الأميركية غيرها للأسف الشديد. وهناك ازمة اقتصادية عميقة يعاني منها البلد وهناك نمو سكاني غير طبيعي. كل هذه العوامل يمكن ان تؤدي الى انفجار داخلي. لكن الصورة ليست كلها سوداء. في المقابل هناك مجتمع يمني عرف كيف يتأقلم مع التجربة الديموقراطية والتعددية الحزبية الفريدة من نوعها في المنطقة. استطاع اليمن المحافظة على هذه التجربة التي ترافقت مع قيام الوحدة في العام 1990 ويبدو منطقيا ان يساعد المجتمع الدولي اليمن في تطوير التجربة الديموقراطية والحزبية على الرغم من الصعوبات الضخمة التي تواجهها.
فوق ذلك كله، هناك مؤسسات تابعة للدولة اليمنية. قسم من هذه المؤسسات جيد وفعال يمكن البناء عليه. لماذا لا تكون هناك اعادة نظر شاملة في النظرة الى اليمن؟ لماذا استبعاد التفكير في الأستعانة بالعمالة اليمنية في دول الخليج مجددا مع الأستثمار في الوقت ذاته بالأنسان اليمني. وهذا ممكن في حال انشاء معاهد تدريبية داخل اليمن نفسه تمهيدا لفتح الأبواب الخليجية امام العمال اليمنيين الذين سيصبحون عندئذ مؤهلين لممارسة وظائف معينة، حتى لو كانت متواضعة. يستطيع كل عامل يمني في الخليج المساعدة في إعالة ما لايقل عن خمسة اشخاص في اليمن. فتح ابواب الخليج امام العمالة اليمنية، بطريقة مدروسة طبعا، يساهم الى حد كبير في الحد من الأزمة الأقتصادية في البلد. لا بدّ من نقطة انطلاق. مؤتمر لندن يمكن ان يؤسس لمرحلة جديدة بالنسبة الى تعاطي المجتمعين العربي والدولي مع اليمن... شرط النظر الى النصف المليء من كوب الماء. الأكيد ان السلطات اليمنية تدرك ان هناك مسؤوليات عليها تحملها بدءا بقبول تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة. لكن على المجتمع الدولي ان يدرك ايضا ان اهماله لليمن طوال الفترة الماضية لم يكن موقفا حكيما وانه يتحمل جزءا من مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في هذا البلد. هل في الأمكان انقاذ اليمن؟ الجواب نعم. هناك معطيات تشجع على ذلك. من بين المعطيات ان المجتمع اليمني قبلي في معظمه. وهذا يعني ان هناك قيما لدى هذا المجتمع تجعله قادرا على التغلب على الصعوبات والتأقلم مع التغييرات مهما كانت كبيرة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00