هناك شعب فلسطيني. هذا الشعب حقيقة حية. لا يحتاج هذا الشعب الى السلاح لإثبات انه موجود. السلاح عدو الشعب الفلسطيني أكان سلاحا خارج سيطرة السلطة الوطنية في غزة والضفة الغربية... او كان داخل المخيمات في لبنان او خارجها. ما هو اهم من السلاح، لغة الارقام التي هي في واقع الحال حليف الشعب وقضيته. كانت الارقام التي صدرت قبل ايام عن هيئة رسمية فلسطينية مفيدة الى حد كبير، خصوصا انها تتعلق بعدد افراد الشعب الفلسطيني في مختلف انحاء العالم. هناك نحو عشرة ملايين وتسعمئة الف فلسطيني، استنادا الى الارقام التي وزعتها الهيئة.
نصف هؤلاء في فلسطين والنصف الاخر خارجها. عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية مليونان ونصف مليون، فيما هناك في قطاع غزة مليون ونصف مليون فلسطيني. وفي اسرائيل نفسها مليون وربع مليون فلسطيني. الباقون موزعون على الاردن، حيث يوجد نحو ثلاثة ملايين فلسطيني، والدول العربية الاخرى وفيها نحو مليون وثمانمئة الف فلسطيني. ويتوزع نحو ستمئة وثمانية عشر الف فلسطيني على دول اجنبية.
ماذا تعني هذه الارقام؟ تعني قبل كل شيء ان الشعب الفلسطيني موجود وانه توجد هوية فلسطينية لا سبيل لالغائها. هذا الشعب الفلسطيني، بهويته الواضحة وضوح الشمس، حقيقة موجودة على الخريطة السياسية للشرق الاوسط. السؤال كيف يمكن تحويل هذا الوجود السياسي الى وجود من نوع اخر يتمثل في ايجاد مكان للشعب الفلسطيني على الخريطة الجغرافية للشرق الاوسط. كان ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني يقول ان من يضع نفسه على الخريطة السياسية لا يمكن الا ان يصل الى ان يكون على الخريطة الجغرافية للشرق الاوسط او اي منطقة اخرى من العالم.
مهما فعلت اسرائيل ومهما ستفعل في المستقبل، لن تكون قادرة على الهرب من الواقع الفلسطيني. ان يصر بنيامين نتنياهو على تسمية اسرائيل دولة يهودية والاعتراف بها على هذا الاساس ومن هذا المنطلق لا يعني في اي شكل ان في الامكان تجاوز المشكلة الاساسية التي اسمها الشعب الفلسطيني. لدى هذا الشعب حقوقه غير القابلة للتصرف باعتراف الامم المتحدة نفسها. لا يمكن استثناء الشعب الفلسطيني من حقه في ممارسة حقه في العيش في اطار دولة مستقلة قابلة للحياة والحصول على حقوقه الوطنية مثله مثل اي شعب اخر في المنطقة. ليس طبيعيا ان يظلَ الفلسطينيون استثناء بعد سنوات طويلة من النضال الوطني توجت بحصول منظمة التحرير الفلسطينية على وضع عضو مراقب في الامم المتحدة. معظم دول العالم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك اسرائيل نفسها. لم يعد مقبولا في اي شكل في السنة 2010 ان تكون منطقة الشرق الاوسط من دون دولة فلسطينية.
في فلسطين، سيتبين ما اذا كانت ادارة باراك اوباما جدية. اكد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) في خطاب القاه في الذكرى الخامسة والاربعين لانطلاق الثورة الفلسطينية، ذكرى انطلاقة فتح، ان لا عودة الى السلاح. النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال سيكون سلميا. تعلم الفلسطينيون من درس ما سمي في اواخر السنة 2000 عسكرة الانتفاضة. خسر الفلسطينيون الكثير بسبب القرار الخاطئ باللجوء الى السلاح في مواجهة الاحتلال. تبين لهم ان لا احد يستطيع الغاء حقوقهم الوطنية. ولكن تبين لهم في الوقت ذاته ان اللجوء الى السلاح سقوط في الفخ الاسرائيلي. اسرائيل تتمنى ان يتمسك الفلسطينيون بالسلاح بدل التمسك بقرارات الشرعية الدولية المستندة الى مبدأ الارض في مقابل السلام. يخطئ من يجري مقارنة بين الضفة الغربية وجنوب لبنان. لم تنسحب اسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000 ولم تنسحب من قطاع غزة صيف العام 2005 الا من اجل الاحتفاظ بجزء من الضفة الغربية وتكريس احتلالها لهذا الجزء، بما في ذلك القدس الشرقية.
يشكل رفض ابو مازن اي مقاومة عن طريق السلاح تعبيرا عن سياسة في غاية الدهاء. تلك هي المقاومة الحقيقية للاحتلال وليس الصواريخ المضحكة- المبكية التي كانت تطلق من قطاع غزة والتي سمحت لاسرائيل بتدمير جزء كبير من قطاع غزة وممارسة ارهاب الدولة قبل عام بالتمام، فيما العالم يتفرج. كان الموقف من الحرب على غزة الامتحان الاول لادارة اوباما. اختارت اسرائيل اختبار الرئيس الاميركي الجديد عشية دخوله البيت الابيض. شنت حربها على غزة بعدما قدمت لها الصواريخ التي كانت تطلق من القطاع كل المبررات التي هي في حاجة اليها امام المجتمع الدولي. الاهم من ذلك انها اختبرت اوباما. تبين لها ان الرئيس الاميركي الجديد ليس جديا في تطبيق سياسته المستندة الى حل الدولتين. بعد حرب غزة، صار سهلا على اسرائيل تجاهل الدعوات الاميركية الى وقف الاستيطان.
الفلسطينيون اقل بقليل من احد عشر مليونا. للمرة الاولى في تاريخهم الحديث، وعلى الرغم من كل الاخطار المحدقة بقضيتهم، بدأوا يتصرفون بطريقة منطقية اخذين في الحسبان موازين القوى الاقليمية من جهة ومخاطر اللجوء الى السلاح من جهة اخرى. اثبتت التجارب ان السلاح يشكل الخطر الاكبر على القضية الفلسطينية. في كل مكان فيه وجود فلسطيني، يشكل السلاح تهديدا للقضية. حصل ذلك في الاردن. كاد السلاح ان يؤدي الى تنفيذ مشروع الوطن البديل لولا حكمة الملك حسين، رحمه الله، وحزمه. وحصل ذلك ولا يزال يحصل في لبنان. القضية ليست قضية سلاح. القضية قضية شعب يريد الحياة وممارسة حقوقه الوطنية مثله مثل اي شعب في المنطقة، على الرغم من الظلم التاريخي الذي لحق به. لا يمكن للقضية الفلسطينية الا ان تنتصر مهما طال الزمن. لا يمكن ازالة احد عشر مليون فلسطيني عن خريطة الشرق الاوسط. نبوءة ياسر عرفات لا بدّ ان تتحقق، على الرغم من كل الاخطاء والخطايا التي ارتكبها...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.